الرحامنة.. روح بداوة المغرب
محمد المختار الخليل مدير موقع الجزيرة نت
ارتبطت السلطة في المغرب عبر الدول التي تعاقبت عليه بحركية القبائل والزوايا، وسط البلاد إلى الجنوب، كانت قبيلة الرحامنة واحدة من أهم القبائل التي صنعت تاريخ المنطقة. تحديدا منذ عصر الدولة السعدية، التي صاهر منها السلطان محمد الشيخ الرحامنة، بزواجه من سحابة الرحمانية، أم أعظم سلاطين الدولة عبد الملك السعدي، والتي ثبتت حكم ولدها بدهائها العظيم.
تحدّث الروايات التاريخية عن الرحمانيين فتسميهم أسوة ببقية القبائل السائبة أي المتمردة بـ”مساخيط سيدنا” المسخوط عليهم من السلطان، وليس أولهم السلطان العلوي “محمد بن عبد الرحمن” الذي أمر بتقسيم قبيلة الرحامنة إلى تسع إيالات (عوض الولاية) بعدما كانت في إيالتين اثنتين، وكان هدفه من ذلك كما يروى تشتيت قبيلة الرحامنة في ربوع المملكة للحد من تمردها الذي تحول إلى عصيان في عهد سلاطين سابقين، حتى استبدوا بمراكش وأحوازها، وعملوا لحسابهم الخاص كلما ضعف المخزن (التسمية المحلية للسلطة في المغرب).
آخر تمرد للرحامنة كان بعهد السلطان العلوي المولى عبد العزيز، كما يحكي المؤرخ عبد الرحمن بن زيدان في كتاب “الإتحاف” لكن لم تنته أدوار الرحمانيين البطولية في محاربة الاستعمار الفرنسي للمغرب، تشهد على ذلك معركة سيدي بوعثمان، وهي أول معركة كبرى خاضها المغرب بعد معاهدة الحماية بقيادة الشيخ المجاهد أحمد الهيبة، كما تشهد عليه أيضا حكايا السّلف وكثير منهم قضى نحبه دون أن يفكر باللجوء إلى الدولة المغربية للحصول على بطاقة “قدامى المحاربين” مع امتيازاتها.
لقبيلة الرحامنة، عمومة راسخة وممتدة مع سميتها في مصر والنيجر وتمبكتو وموريتانيا، ومن أكبر القبائل الرحمانية بالصحراء قبيلة “البرابيش”.
وبهذه العراقة، ندخل ملف هذا الشهر، بعيدا عن السياسة وقريبا من الإنسان، نقترب من نمط عيش قرويي قبيلة الرحامنة، الإقليم حاليا في المغرب. ندخل بيوتهم ونتعرف على معيشهم اليومي. نسمع أحاديثهم ونشاركهم أمسياتهم ونسمع أغانيهم، ونجوب معهم حقولهم وأسواقهم الأسبوعية، ونتحدث إلى الرحمانيات والرحمانيين عن حياة البداوة في القرن الـ21. صبرها وسكينتها أمام جفاف الماء والمال الذي لا يمس بأية حال كرم الروح وبذل اليد. إنها الرحامنة .. روح البداوة في المغرب.