OCP

ملف مجلة قناة الجزيرة حول قبيلة الرحامنة : الجزء الثاني : / الأرض والماشية … نضال لأجل البقاء

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فاطمة سلام مجلة الجزيرة : صور هشام ازريويل

548 ألف هكتار هي مساحة إقليم الرحامنة في المغرب، 70% من سكان الإقليم قرويون، نشاطهم الأساسي هو الفلاحة.
مناخ الرحامنة قاري. إن أمطرت حييت المنطقة وأهلها، وإن لم تفعل عاشوا أيام جفاف تباع فيها الماشية، وتنخفض فيها القدرة الشرائية إلى أدنى مستوياتها، إذ لا يعرف للمنطقة أي نشاط صناعي باستثناء استخراج الفوسفات، ونسبة تشغيله لا تغني ولا تسمن من جوع.
وتضاف إلى هذه العوامل الصعبة، صلاحية الأراضي للزراعة والرعي، ورغم ذلك هناك ارتباط تاريخي بين الفلاح والحقول والماشية، مما شكل فلكا تدور فيه حياة الرحمانيين.
يبدأ فلاحو الرحامنة في أكتوبر بمراقبة السماء، ونشرة الأحوال الجوية هي أهم ما يلفت اهتمامهم في نشرات الأخبار، في وقت تستمر حواسهم في شم ريح المطر، وأعينهم ترقب وجه السماء.
مع أول زخات المطر في الرحامنة، أواخر أكتوبر/تشرين الأول وبداية نوفمبر/تشرين الثاني، ينطلق موسم الحرث، وقبل انطلاقه هناك مرحلتان أساسيتان يجب قطعهما، الأولى ضرورة أن يكون الفلاحون قد جمعوا الحبوب اللازمة، وهي بالأساس القمح والشعير، وجمعها مهمة صعبة تتطلب أن يكون الموسم الفلاحي السابق جيدا، بحيث يدخر منه الفلاح كفايته للقادم، لكن توالي سنوات الجفاف على الرحامنة لم يسمح للفلاحين بتوفير حبوب كافية، مما يضطرهم لشرائها، وهو أمر مكلف للأسباب ذاتها.
المرحلة الثانية تتعلق بالعمال وتوفر جرارات الحرث، هذه الأخيرة بات اللجوء إليها حتميا في السنوات الأخيرة مع اتساع رقعة الأراضي المزروعة، وسرعة هذه الآلات في إنجاز العمل، في حين كان الاعتماد سابقا على المحراث اليدوي.
ورغم توفر جرارات الحرث في الرحامنة بكثافة خلال موسم الحرث كما هو شأن آلات الحصاد في موسمه، فإن ارتفاع أسعارها )20 دولارا للساعة( يجعل الفلاحين متريثين بعض الشيء حتى تتوفر ما يناسبهم من أسعار منها. أما العمال فيكلف الواحد منهم 12 دولارا للساعة، ومهمتهم بذر الحبوب بعد تقليب الجرارات للأرض.
هذه التكلفة بات يحسم فيها الجفاف، سواء تعلق الأمر بغلاء الأسعار أو بالمساحة المزروعة، حيث بات يكتفي الفلاحون الصغار بالزراعة لتأمين معيشتهم تقليلا من حجم الخسائر إذا منيت المنطقة بسنة فلاحية سيئة، بينما يلجأ الفلاحون الكبار إلى حرث كافة أراضيهم لاعتمادهم بالأساس على السقي، هذا الأخير غير متاح للكل بسبب التكاليف الباهظة لحفر الآبار، وبسبب تضرر الوفرة المائية للرحامنة وتقلص مصادرها.
يقول خليفة (54 عاما) وهو واحد من ملاك الضيعات في مركز سيدي بوعثمان بالرحامنة، إن “الجميع يعاني من مشكلة المياه، الجفاف أضر بالبشر والأرض والحجر، وارتفاع تكاليف الحرث والسقي والحصاد بات يقلل العائد المادي”. ويضيف لمجلة الجزيرة “هذا التقليل توازيه حالات تمسّ خط الفقر في الرحامنة أو تتجاوزه، لكن لا شيء يجعلها تنضم إلى قوافل المهاجرين إلى المدن بسبب ذلك، أقله ليس كل أفراد العائلة”.
في حين يرى حسن (43 عاما) وهو فلاح من دوار “لمخاليف” بالرحامنة أن “الفلاحة لم تعد مصدرا كافيا للعيش، الأولاد باتوا يهاجرون من أجل العمل ليساعدوا العائلة ماديا، ويبقى الآباء للعناية بالحقول والماشية، ولا يمكننا أبدا أن نتخلى عنها”، فكل ما يسري على الأرض، وموسم حرثها وحصادها، يمتد إلى الماشية والبهائم. وتعرف الرحامنة بإنتاج نوع “الصردي” من الأغنام، والعناية بهذا النوع تجعل من لحومه مطلوبة ومصدر دخل لا بأس بعائداته للمقاهي على جانبي الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين مدينتي مراكش والدار البيضاء والتي تخترق أراضي الإقليم.
الأرض والماشية يحيلان على بعضهما في الرحامنة، ويخلقان “شرعية الأرض” وحتميتها، ونظام التوازن والتكامل بين القرى والمدن بات يدفع الدولة المغربية إلى اقتراح حلول بديلة، كالانتقال من الزراعة المعيشية إلى الزراعة المحمية، الداعمة للبيئة أيضا، لكن التأقلم معها يحتاج إلى أبعد من الدفع باتجاهها بالمقترحات والنماذج المتفرقة هنا وهناك.
إلى ذلك الحين تظل المحاولة مع الأرض ومراقبة عطايا السماء، النرد الذي يرميه الرحمانيون كل خريف، وتلتقطه أغاني الحصاد، حتى تلك التي تعود مساء خاوية الوفاض إلا من بركة الأيدي وهي تمس الأرض وتمسح العرق.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.