فور تنمية
في زمن تتقاطع فيه التحولات الرقمية مع الأسئلة الوجودية الكبرى، وتتعالى فيه أصوات الشباب مطالبةً بالكرامة والمعنى، يأتي هذا الحوار مع المفكر والباحث والمترجم منير الحجوجي كمحاولة لقراءة احتجاجات “جيل Z” خارج ضجيج اللحظة، واستعادة النقاش حول الذات والسياسي والتاريخ في مغرب يعيش على إيقاع التبدلات المتسارعة.
لا يتعامل الحجوجي مع ما يجري بوصفه مجرد حركة احتجاجية ظرفية، بل باعتباره حدثًا أنطولوجيًا يعيد تشكيل علاقة الفرد بالتاريخ وبالسلطة وباللغة ذاتها. في تحليله، يتجاوز الجدل السطحي بين “التمرد” و”الضحية”، ليرى في هذا الجيل فاعلاً تاريخيًا جديدًا يبتكر استراتيجياته الخاصة في الوجود والمقاومة، خارج الأطر التقليدية التي أنهكها الزمن السياسي البطيء.
ينتمي هذا الحوار إلى لحظة فكرية مغربية دقيقة، حيث تُختبر الثقافة في قدرتها على مرافقة التحولات الاجتماعية بدل الاكتفاء بتفسيرها. ومن هنا تبرز أهمية مساهمة منير الحجوجي، الذي يجمع في رؤيته بين التحليل الفلسفي العميق والالتزام النقدي، مستحضرًا أدوات دولوز وغواتاري، وفكر ألان باديو وفتحي المسكيني، لتفكيك البنية الجديدة للوعي الجماعي في زمن الرقمنة واللايقين.
هذا الحوار إذن ليس مجرد مساءلة للواقع، بل تمرين فكري على الإصغاء إلى نبض التاريخ وهو يعيد تشكيل نفسه من تحت الرماد. حوار يفتح الباب أمام سؤال جوهري:
هل نحن أمام ولادة ذات تاريخية جديدة قادرة على إعادة تعريف الفعل السياسي في المغرب، أم أمام حلقة أخرى في سلسلة التكرارات التي يسكنها الأمل المؤجل؟
حاوره : خاللد سلامة
- هل يمكن اعتبار احتجاجات جيل Z لحظة قطيعة تاريخية مع أشكال الاحتجاج التقليدية، أم أنها مجرد حلقة في سلسلة متكررة من الغضب الاجتماعي؟
منير الحجوجي: خطر احتواء أي حراك وارد على الدوام.. والتاريخ حابل بالأمثلة.. احتواء كومونة باريس سنوات 1870.. احتواء تظاهرات براغ 1968.. احتواء ثورة الياسمين.. احتواء السترات الصفراء.. الخ الخ.. التاريخ هو هكذا: قد يشتغل في بعض الأحيان بشكل لولبي: هزة كبرى ثم ارتكاسات عنيفة.. لكن الارتكاسات في تقديري لاتكون ولايمكنها أن تكون الا نقطة منتهية داخل مسار هائل من اللاستقرارات/الانعطافات اللامتناهية.. ان هذا هو الخبر السعيد للتاريخ.. وعلى عكس التصورات العروية/البوليسية، أنا أومن بأن الذات الفردية/الجماعية قادرة على أن تكون أكبر من القدريات/الحتميات التاريخية.. عودوا الى 1789.. الى الثورة البوليفارية سنوات 1820.. الى 1917.. الى ماي 1968.. الى 20 فبراير.. الى زلازل النيبال.. مدغشقر.. ان جيل زيد يؤشر على عودة المكبوت، على عودة فاعل اعتقدت الأوليغارشيا أنها أخرجته نهائيا من اللعبة.. كل هذا جميل جدا.. ويجب أن نسعد بقوة لذلك.. لكن لايجب أن تجعلنا الابتهاجات خارج رؤية الأساسي.. مهم جدا أن يعي الحراك أنه، هنا والأن، في قلب لحظة دقيقة ضمن مسارات معقدة.. على الحراك أن يعي بالضبط اللحظة/النقطة التي هو فيها.. ان جيل زيد هو في بداية شيء سبق أن سماه العظيم ألان باديو بالسياسي، وهي اللحظة التي تبدأ فيها الجماعة/مجموع ضحايا الأوليغارشيا بالكلام.. هاكم الأن الصورة كاملة ل”محطات” الهزة الكبرى كما عبر عنها العظيم الأخر فتحي المسكيني:1- أن تعي مجموعة تاريخية كاملة بوضعها ككتلة/ضحية لأخر من خارجها هو السلطة، 2- أن تقوم بهز الأعين، كل الأعين، وفي نفس الوقت، 3- نحو نفس النقطة: جذر الشر.. قبل الضربة الحاسمة.. التي تكون، حينها، تحصيل حاصل.. جيل زيد يوجد الأن في طور التشكلات الجنينية لهذه المسارات المعقدة..
- كيف يمكن فهم هذا الجيل خارج ثنائية “المتمرّد” و”الضحية”؟ هل نحن أمام جيل يصنع هوية سياسية جديدة أم فقط يعبر عن خيبة أمل جماعية؟
منير الحجوجي.: الجواب يتموقع في المسافة التي تفصل سيكولوجية المتمرد/الضحية عن أنطولوجيا الفاعل التاريخي.. ان ما ينتظر جيل زيد هو العمل من أجل التحول الى هوية الفاعل التاريخي.. تقديري أن جيل زيد قادر جدا على هذه القفزة الكبرى.. المعطيات الأولى تقول بأنه جيل الاستراتيجية الريزومية أو الجذمورية التي تحدث عنها دولوز/غواطاري في عملهما الكبير النجود الألف.. والريزوم هو ذلك الشكل النباتي الذي ينطلق من الأسفل لينبت الفروع في شتى الاتجاهات، إلى درجة تراجع/انمحاء الأصل/الجذر لصالح الاستراتيجية الانباتية، لصالح التوسع، في كل الاتجاهات.. لكن لايتعلق الأمر – كما يمكن أن نقرأ عند رايخ أو لانغ أو حتى ماركوز- بتحرير الرغبة كحالة طبيعة، كطبيعة عفوية.. لا.. لاوجود لرغبة إلا وهي منظمة machinée ، فوق صعيد غير موجود، يتوجب صنعه: “على كل واحد، فرد أو مجموعة، يقول دولوز/غواطاري، أن يبني صعيد محايثته plan d’immanence حيث عليه أن يمارس حياته أو مشروعه.. هذا هو ما يهم.. وخارج هذه الشروط، سوف ينقص شيء ما، وبشكل أدق الشروط التي تسمح بوجود الرغبة”.. وحسب العبارة المدوية التي طورها دولوز/كواطاري، فان الأمر الأهم في الحياة هو أن نطور خط هروبنا الخاص.. خط هروب يجب أن نحتاط حتى يكون إبداعيا، لا خطا انتحاريا، مدمرا، أو فاشيا.. جيل زيد هو جيل ابداع الخطوط.. وإذا ما كان علينا أن نبحث عن استراتيجيات/غرائز الموت، فيجب أن نقوم بذلك جهة من يرفض الخروج من الكهف.. سيخلد العظيم جوزيف كابيل Gabel هذه اللعبة في مؤلف استثنائي هو الوعي المزيف: ان أي لايرى أن قواعد اليوم ليست هي قواعد البارحة، ان أي يعتقد أن قواعد الكهف هي أكبر من أية تحولات/انعطافات، ان أي يلح في النظر الى العالم بنظارات يعلوها الغبار الكثيف للزمن، ان أي يرى الظلام أفضل من الأنوار، هو شخص مريض، بالمعنى الايكلينيكي، شخص لايمكنه أن ينتج سوى الادراكات/التشوهات/الاغترابات المعرفية وفي النهاية السياسية، شخص/كيان خطر كبير على نفسه وعلى المجموعة المغربية كلها.. بعبارة أخرى، استراتيجية الكهف طريق خطير وعبثي سواء بالنسبة لأولائك الذين ينهجونه أو بالنسبة لأولائك الذين يخضعون لنتائجه..
- ما دلالات أن يولد هذا الحراك من الفضاء الرقمي أولًا ثم ينزل إلى الشارع؟ هل نحن بصدد تحول في بنية الفعل الجماعي نفسه؟
منير الحجوجي: السبب أن الجيل الجديد فهم أنه من المخاطرة بمكان منح الصدور مجانا للسلطة.. السلطة هي الأرض، والأرض هي السلطة.. مستحيل أن تهزمها على هذا المستوى.. لقد كان هذا هو خطأ الحراكات خلال وبعد سنوات 2011.. لنلاحظ هنا أمرا غاية في الأهمية: ان حتى ما نشاهده من إنزال شبابي على الأرض هو في عمقه استراتيجية لا أرضية: نحن أمام حرب عصابات رقمية أكثر مما نحن أمام مواجهات “أرضية”.. أشير مثلا الى غياب القيادة.. وهذه استراتيجية رقمية/أرضية ممتازة.. ان هذا الفهم لتدبير المواجهة هو في تقديري التحول الأكبر الحاصل الأن… أكرر: لايمكن أن تهزم السلطة بأدواتها، على أرضها.. لايمكن أن تهزمها الا بأشياء لاتعرفها.. أحيي الشباب على نباهتهم التكتيكية بل والاستراتيجية..
4-هل يكشف هذا الحراك هشاشة العقد الاجتماعي القائم في المغرب، أم بالأحرى يعبّر عن محاولة لتجديده وإعادة صياغته؟
منير الحجوجي: ان العقد السياسي المغربي الذي دبرنا به البلاد منذ عقود هو الخردة السياسية التي باعها لنا الثعلب ليوطي: لتبقى في الحكم يجب أن تتصرف كقائد قبلي لا كرجل دولة.. فالمغرب غابة خطيرة.. ولتحكم عليك بطحن ثعلب مشبوه اسمه المجتمع.. لقد كان الفاعل التاريخي دوما على قناعة تامة بإمكانية الحكم بلا شعب.. أو الأدق، بردم/ابتلاع الشعب.. اللعبة اليوطية فخ تاريخي كبير نصب لنا كمجموعة مغربية.. ان أخطر ما يمكن أن يقع لدولة/أمة أن تقف الدولة في وجه الأمة.. أخطر ما يمكن أن يقع لدولة/أمة هي لعبة الوساوس المميتة، التقاطبات/الشروخ الكبرى، الحاضنات الانفجارية، اللعبة، في النهاية، التي ترفع بقوة من حظوظ الارتطام..
- كيف تفسرون غياب الأطر الوسيطة (الأحزاب، النقابات، الجمعيات)؟ هل هو فشل لهذه المؤسسات، أم نجاح لهذا الجيل في التحرر منها؟
منير الحجوجي: هذه مؤسسات لازالت تنتمي للمنظومة الهيغيلية/العروية، منظومة أن لا تاريخ بلا دولة.. ما لاتراه هذه الأشكال التنظيمية أن التاريخ بدأ يتحرك في اتجاهات أخرى.. “المؤسسات” لم تعد قادرة على السير بإيقاع ما يتحرك ويحرك الخطوط الكبرى.. تعرفون لماذا؟ لأنها تفكر من قلب رؤية “تنموية/قروسطية”.. لاترى “المؤسسات” أن اللعبة لم تعد هي اللعبة، أن التاريخ لم يعد هو التاريخ، أن الاحتقانات لم تعد هي الاحتقانات، وخصوصا أن البشر لم يعودوا هم البشر.. لحد الساعة، لازالت المؤسسات تدور غباءاتها الكبرى.. تخصص الدولة المغربية منذ فجر “الاستقلال” هو إعادة غرس النموذج الفيودالي في قلب الحاضر la reféodalisation du Maroc.. ونحن نعلم ما الذي يحدث لسيارة نمنح قيادتها لشخص مقطوع اليدين.. ان دولة ذكية – حتى لانتكلم الا عن المؤسسة المفصلية التي هي الفاعل التاريخي- ستقوم بأشياء أخرى.. ستطلب خبرة سائق له لوحة قيادة “أخرى”.. ومهما حصل في القادم من الأيام، وحتى أبقى في سياق القراءة الدولوزية/الغواطارية، على جيل زيد الاستمرار في توليد المعنى، في مزاحمة السلطة في احتكار انتاج المعنى..
- برأيكم، هل تستطيع الدولة أن تظل أسيرة المقاربة الأمنية، أم أن الزمن يفرض عليها تغييرًا بنيويًا في علاقتها بالشباب؟
منير الحجوجي: قناعتي هي ما يلي: ان من لايريد السير بسرعة التاريخ، يحصل له ما حصل للكائنات الحية التي بقيت متسمرة في مكانها: الدهس/الرمي خارج التاريخ.. إدارة الظهر للتاريخ تضعك ضمن لائحة الكائنات من أجل المقبرة.. قدرية دروينية.. من بقي هي الكائنات التي طورت أدوات السير.. مثلما يشرح الجميل بيير كروبوطكين في كتاب صلب هو التعاون بداية القرن الفارط.. ملكية بريطانيا كانت ذكية جدا وهي تنسحب مبكرا من اللعبة.. ملكية لويس 16 المنتفخة بأساطيرها الهووية/العروية قالت مع نفسها: “أنا سأقف في وجه الموجة” التي رأت فيها تفاصيل/مؤامرات تافهة.. وبقية القصة أنتم تعرفونها.. يعلم النفسانيون/ات أن أخطر الأعطاب هو الانكار، إدارة الظهر لما يجري … أمامك.. هذا خيار يجعلك تسير نحو الحافة بسعادة مميتة.. المعاينة تصلح أيضا على المستوى الجيوبوليتيكي.. ان ما سيفكك الدولة المغربية هي بالذات ما تعتقد أنها مناعات/أسوار صارمة.. الدولة المغربية ترفض الانصات لكل هذه الديناميات خلف السطوح.. أمور مغربية حقيقية تنهش خلف ما يرى.. جرذ هيغل.. الجرذ/المجتمع يسير هنا والأن بسرعة أكبر من الدولة.. جيل زيد جرذ ممتاز في تصوري.. لقد فهم جيلنا أن الأسوار الأكثر صلابة تنهار بفعل تشققاتها.. وعلى عكس ربما الحراكات السابقة، جيل زيد يتميز لحد الساعة بهدوء خرافي.. شبابنا يعرفون بأن التحولات التاريخية ليست كالتحولات السياسية.. الزمن التاريخي ليس هو الزمن السياسي.. الزمن التاريخي أعقد..
- في ظل الميزان المختل للقوة، ما معنى التمسك بالسلمية؟ هل هو خيار استراتيجي، أخلاقي، أم قد يكون أيضًا شكلًا من أشكال المقاومة الذكية؟
منير الحجوجي: أعتقد أن البشر يطورون ذكائهم موازاة مع تطور الأشكال السيطرية.. وهذه أمور لا تأتي بقرارات واعية.. انه قرار مخي محض: المخ يطور دوما استراتيجيات تموقعه حسب جغرافيا الأرض التي يتواجد بها.. لقد حسم التاريخ الباليونطولوجي في الأمر.. لذلك أنا أبقى متفائلا جدا.. المخ عضو سياسي/انتروبولوجي أكثر منه بنية بيولوجية.. هو مسلح للسير بسرعة الوسط.. ولا عزاء للكوتشويين.. أولائك الذين ينزلون سراويلهم حتى قبل الاستيقاظ من النوم..
- هل ترون أن العنف المحدود الذي وقع هو انزلاق فردي، أم مؤشر على إمكانية تحوّل خطير إذا استمر غياب الحوار؟
منير الحجوجي: المشكل عندي ليس العقل الثائر.. فهو سائر في نموه المخي/التاريخي الجميل.. المشكل هو ما سماه ادغار موران العقل المغلق، العقل الذي ينكمش على عماه الابستمولوجي، الذي لايريد أن يرى، أو الأدق الذي يريد أن لايرى.. لا أفهم كيف أن النظام يدير ظهره للهدية الاستثنائية، للضوء الأخضر الذي يمنحه له جيلنا الجميل للسير في عملية غسل البلاد من البكتيريا الشهيرة.. أقول من هذا المنبر للفاعل التاريخي: احذر من أن تبقى خارج هذا التأويل الاستراتيجي.. حذار من حرق فرصة قد تكون هي الأخيرة..
- ما هي السيناريوهات الأكثر ترجيحًا لمستقبل هذا الحراك: الاندثار، الاحتواء، أم التحول إلى حركة منظمة؟
منير الحجوجي: ان ما سيحسم الأمور هو مفهوم ماركسي قديم هو علاقات القوى.. ان الاستمرار في الضغط/التبديل اليومي لقواعد الاشتباك هو وحده القادر على تغيير اللعبة.. على الحركة أن تفهم أن الاستمرار رهين ببناء عرض جديد، كليا.. ممكن جدا للحركة أن تسقط في شراك فهم “مشهدي/لبرالي” للمغرب، لمستقبل المغرب.. الرهان ليس هو هذا.. الرهان هو احداث قطيعة في خطية الأشياء.. أقول للحركة: حذار من نضال من أجل، في نهاية المطاف، أخذ موقع النظام في انتاج العبث العام.. الوقت ليس ل”الاعتدال”.. الوقت هو للسير نحو جذر الشر، نحو بردغم ينتج الإفلاسات الخطيرة على مدار الساعة.. الوقت هو لعملية ديكارتية صريحة: هدم كل شيء وبناء كل شيء.. وكما أقول دوما فان السرطان لايعالج بالدولربان.. تقنيا، الرهان هو الوعي بمرحلتين.. أولا اجتثاث النيوليتي/السرطان: النظام الذي أعطانا عبر التاريخ أعطابنا الكبرى: الملكية الخاصة/الافتراس/الفوارق الطبقية/الضبط/التضليل الايديولوجي.. ثانيا، السير الى العلاج الراديكالي، الى البناء الايكولوجي للعالم/المغرب، المعادلة الخالدة التي حددها أفلاطون قبل 2500 سنة: معادلة/التفكير في المغرب/الذات لكن من قلب التفكير في الأخر/العالم/الأرض/المصير.. ويمكن لشخصي المتواضع أن يدلي بدلوه على هذا المستوى.. والحذر، كل الحذر، من شلة الاكتئابيين، هؤلاء الذين يدفعون باستحالة زحزحة الخطوط.. ان من يقول بأن الأمر مستحيل هو شخص يتحدث عن نفسه ليس الا.. تذكروا قصة الثعلب الذي فقد ذيله وحتى لايظهر بمظهر العاجز/المخصي الوحيد وسط جماعة الثعالب بدأ يقنع الجميع حتى يقطعوا أذنابهم.. مستقبلنا في الانصات لمن يحملون هم الوطن مثلما تحمل الأم هم رضيعها… التاريخ لن يرحمنا… عندما يرى التاريخ أنك لست في مستوى الفرص التي يعرضها فانه سريعا ما يطوي الصفحة، أي، بعبارة دروينية، يرمي بك الى ركن سحيق من مزابله العظيمة…
10- إذا أردنا قراءة احتجاجات جيل Z كـ نص اجتماعي/ثقافي، فما هي رسالته الأعمق التي يوجهها إلى المغرب الرسمي والشعبي؟
منير الحجوجي: ان عالم 2025 ليس هو عالم العشعاشي/أوفقير/الدليمي/البصري والشلة الشهيرة.. الجديد هنا هو أن الشباب لايسكنهم الغول في الوعي/اللاوعي.. الشباب ليس لهم كوابح في اللاوعي.. وهذا ما يجعلهم غير مرتعبين في عرضهم السياسي: المغرب/الوطن لا الاستراتيجيات الأوليغارشية.. الحب لا الاستراتيجيات الهمجية.. من السهل أن نرى أننا أمام عرض/نص سياسي/ثقافي بامتياز..
11-هل يمكن أن يشكل جيل Z مدرسة جديدة في المواطنة، تعلّم المجتمع السياسي والمدني أن الاحتجاج ليس فقط مطلبًا بل أيضًا تربية جماعية؟
منير الحجوجي: لا أريد من السلطة أن تكون تلك الذبابة التي لايمكن اقناعها بأن حقل الورود أفضل من المزبلة.. في انتظار هزة وعي أنطولوجية على مستوى الأعلى، أدعو جيل زيد الى أن يكونوا هم النموذج الذي يرغبونه، أدعوهم الى العمل من أجل أن يمنحوا أحسن صورة لكل متردد في الالتحاق بالمغامرة الجديدة.. على حركة جيل زيد طمأنة المغاربة حول هويتها، مشروعها.. يجب على شبابنا أن يجعلوا المغاربة يحسون بالأمان معهم، يحسون أنهم سيربحون مع الجيل الجديد.
ليسمح لي بهذا الرجاء في النهاية.. عليكم شبابنا الرائع الحذر من التحول الى فاعل يقوم بما يقوم أي فاعل منتشي بانتصاره.. من حقكم أن تغيروا مغربا لم يعد بل لم يكن أبدا في مستوى الأحلام.. يجب فقط أن تحذروا من المنظورات البوليسية/العروية التي نجتر في قلب لاوعينا التاريخي.. تغيير العالم/المغرب من أشد المهام تعقيدا.. ليس فقط لأن العدو شرس.. لا.. المشكل يوجد أيضا في مكان أخر.. عليكم التفكير في هذا السؤال: كيف يمكن تغيير النظام دون أن نعيد انتاج النظام؟.. واعادة انتاج النظام هي عندما نضع نظاما “جديدا” يقوم بما يقوم به أي نظام: القبض على البشر، قمع الرغبة، محاصرة السيولات/الدفقات، التفردات.. لا معنى لثورة تعيد للساحة نفس الترتيبات.. التراتبيات.. نفس آلات القمع.. الرهان ليس في رد الاعتبار.. ليس في سحق من يسحقون.. الرهان في ايجاد نسق للجسر، للاحتواء، للارتواء.. المشكل ليس في النظام الحالي.. المشكل في “النظام” القادم..