في حوار لفور تنمية مع الأديب المغربي مصطفى لغتيري:.. جيل Z كسر الصورة النمطية وأثبت أنه وريث القيم النضالية للمغاربة.

فور تنمية

في زمن التحولات المتسارعة التي يعيشها المغرب والعالم، يبرز جيل جديد يثير الكثير من التساؤلات حول وعيه وهويته وموقعه من القيم والثقافة. إنه جيل Z، الجيل الذي وُلد في أحضان الثورة الرقمية، وتشكل وعيه في فضاءات التواصل الاجتماعي، بين الصورة والفيديو، وبين الانبهار بالعالم والانشغال بأسئلة العدالة والكرامة.
حول هذا الجيل، وموقع الأدب والثقافة في وجدانه، وحدود تأثير المدرسة واللغة في تكوينه، كان لنا هذا الحوار الخاص مع الأديب والروائي المغربي مصطفى لغتيري، أحد أبرز الأصوات السردية والفكرية في المشهد الثقافي المغربي المعاصر، الذي يرى أن جيل Z رغم ولادته في زمن العولمة الرقمية، ما زال يحمل في داخله توقاً إلى الحرية والكرامة، ووعياً جديداً يفرض قراءته الخاصة للواقع.
في هذا الحوار، يتحدث لغتيري بعمق عن علاقة هذا الجيل بالأدب والقراءة، وعن التعدد اللغوي الذي يعيشه، كما يقف عند القيم التي فقدها والأخرى التي أفرزها، وعن دور المدرسة والتكنولوجيا في تشكيل وعيه الجديد، لينتهي برسالة إنسانية مفتوحة إلى شباب اليوم، يدعوهم فيها إلى التسلح بالمعرفة والإيمان بالحوار كقيمة عليا للتغيير.

 

حاوره : خالد سلامة

 

س. كيف ينظر الأديب مصطفى لغتيري إلى جيل Z في المغرب من حيث وعيه الثقافي والفكري مقارنة بالأجيال السابقة؟

لغتيري :  باستثناء التسمية التي تبدو غريبة، والتي بالمناسبة تمنح هذا الجيل بعدا كونيا، لأنها تربطه بانداده من مواليد نفس الفترةة في العالم أجمع، والتي قدر ما بين 1997و 2007، فإن هذا الجيل هو امتداد للاجيال السابقة التي عرفها المغرب، والتي كانت دوما تواقة للحرية والاستقلال ومعانقة أفق افضل خاصة فيما بتعلق بالمطالبة بالحياة الكريمة، فهذا الجيل رغم ولادته وترعرعه في خضم الثورة الرقمية، التي هيمنت على كل مجالاتةالحياة، لقد اثبت أنه ظل ملتصقا بالواقع، يحاول بطريقته التنبيه إلى الاختلالات التي طالت الشأن العام وخاصة فيما يتعلق بالصحة والتعليم، هذا الأمر الذي جعل منه جيلا يكاد يكون بعيدا عن الإيديولوجيا بالمفهوم التقليدي، وإن كانت هناك بعض التيارات الإبديولوجية من اقصى اليسار أو المحافظين المتشددين حاولت الركوب على موجته، لتحقيق بعض المكاسب السياسية.

 

س. في رأيكم، هل ما زال الأدب قادراً على التأثير في وجدان هذا الجيل، أم أن وسائط التواصل الجديدة سحبت منه البساط؟

لعتيري :طبعا لا يمكن فصل الادب عن ما يستحد في العالم من مستجدات بما فيها وسائط التواصل الجديدة ، التي تبقى رغم اهمبتها وخطورتها، مجرد وسائل، بينما المحتوى الذي تتضمنه، يمكن شحنه بمضانين مختلفة منها الأدب طبعا، ولا ننسى ان هذ الجيل الذي خرج للشارع خاصة في بداية الاحتجاجات هو جيل متعلم، يتقن اللغات العالمية، وقد اظهر فصاحته في التعبير عن مطالبه، بما يعني أن الأدب حاضر بقوة في تكوينه، وإن كان قد توسل في التعبير عن نفسه بلغات اخرى بالإضافة إلى اللغة العربية ، وفي ذلك غنى ثقافي لا ريب فيه. ومن نافل القول إن الأدب لا يمكن أن يغيب عن أي حركة احتجاجية، لأنها في حاجة ماسة إلى الحجاج والإقناع، ولا يتحقق ذلك ويصبح في المتناول إلا عبر التشبع بالأدب والفلسفة والعلوم الإنسانية عموما، فلا حركة احتجاجية تنجح دون ثقافة، وإلا سقطت في المحظور، اقصد العنف، وقد بدا ذلك واضحا حين خرج في الموجة الثانية للاحتجاجات بعض الشباب محدودي التعليم، الذين كانت لغتهم الاحتجاجية هي العنف.

س. كيف تفسرون علاقة جيل Z بالقراءة في زمن الصورة والفيديو السريع؟

لغتيري :  بالنظر إلى المستوى التعليمي لجيل زيد وبالقدرة التعبيرية التي يمتلكها، أظنه جيلا متعلما و قارئا، وبالطبع يبقى هذا الجيل متأثرا كثيرا بالصورة والفديو، ففي هذا العصر، لم يعد أحد بمنأى عن هذا التأثير، وهذا الأمر ليس سلبيا بالكامل، بل يمتلك كثيرا من الإيجاببات كذلك، فلا يخفى على أحد أن الصورة اكثر إقناعا من الكلمة المكتوبة، والصورة المتحركة، أقصد الفيديو، لها قدرة كبيرة على التأثير السريع والآني، وبالطبع لا بد من التذكير بأن هناك خطورة كبيرة في التعامل مع الصورة والفيديو بدون تحقق من المصدر، في عصر اصبحت الفبركة والخداع سلعتين رائجتين عبر العالم. المهم إن هذا الجيل يمتلك التكنولوجيا وهي سلاح خطير يمكن أن نجعله في صالحنا جميعا إذا تم احتواء هؤلاء الشباب وتأطيرهم والاستجابة لمطالبهم المشروعة.

س. ما موقع اللغة العربية في حياة هذا الجيل الذي يعيش تعددية لغوية رقمية مكثفة؟

لغتيري :  لا يخفى على أحد ان هناك منافسة قوية بين اللغات في اكتساح عقول الشباب وقلوبهم، والتحولات العميقة التي يعرفها المجتمع والعالم بأسره تساهم في هذا التنافس، فهناك دول تستثمر بقوة من اجل انتشار لغتها كما هو الشأن بالنسبة للغة الانجليزبة، التي نجد مراكز ثقافية ولغوية رسمية وخاصة كثيرة، تروج لها بشكل كبير، وبطرق حديثة مغرية، كما أن العولمة والهيمنة الامريكية العالمية تساهم في تنميط الذوق وعولمة التعبير، لذا نجد الشباب مغرمين باللغة الانجليزية، يوظفونها في شتى تعابيرهم الفنية وخاصة الغناء او الشعارات الرياضية خاصة في كرة القدم، لذا اضحت الحظوة عند الشباب لهذه اللغة التي غدت هيمنتها ظاهرة للعيان في المؤسسات التعليمية على سبيل المثال، بحيث يقبل عليها التلاميذ بقوة. وهذا امر إيجابي طبعا إذا ما تم التعامل معه بكثير من العقلانية، واستثماره للانفتاح على ثقافة الغير، دون التفريط في اللغة الغربية واللغة الأمازيغية، وهما اللغتان الوطنيتان الرسميتان للدولة.
انبهار الشباب باللغات العالمية لا ينفي اهتمامهم باللغة العرببة كذلك .. هذا ما نلمسه عند بعضهم في كتاباتهم وحواراتهم المكتوبة على الخصوص المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي، مع ظهور قوي للغة العامية الدارجة كذلك، التي اخذت تفرض نفسها تدربجيا.

س. هل ترون أن المدرسة المغربية ما زالت قادرة على أداء دورها التربوي في تنمية الذوق الأدبي لدى الشباب؟

 

لغتيري :  ادت المدرسة المغربية منذ نشاتها ادوارا مهمة بخصوص الهوية، والانفتاح على عالم متحرك لا يهدأ، وإبراز كفاءات وطنية ساهمت في تطوير البلد، ومنها من وجد ضالته في المهجر فبنى هناك مستقبله، لكن المدرسة لوحدها لا يمكن النجاح في كل المأموريات، فهناك متدخلون مختلفون ومتعددون يجب ان يقوموا بادوارهم سواء على المستوى لمحلي أو الجهوي اوالوطني، حتى لا يفقد الشباب الامل في المستقبل،فيسقطون في العدمية والتخريب، الدولة مسؤولة بقسط كبير في تأهيل الشباب وإدماجهم في سوق الشغل، والاهتمام بالقطاع الاجتماعي وخاصة الصحة والتعليم والتشغيل، ولعل هذه المجالات الحيوية التي تعاني من الازمة هي التي اخرجت الشباب للاحتجاج في الشارع. فالمدرسة رغم العلل والمؤخذات تساهم في تخربج عدد من الشباب الذي يصطدم بالبطالة والأفق المسدود، وهذا ما يجعله يفقد الثقة خاصة مع طغيان اقتصاد الريع، الذي ينتشر في كثير من القطاعات مغلبا الولاء والزبونية والمحسوبية على الكفاءة والجدية والإخلاص في العمل.

س. ما هي أبرز القيم التي فقدها جيل Z في نظركم، وأي قيم جديدة أفرزها هذا الجيل ويجب فهمها لا مقاومتها؟

 

لغتيري :  أعتقد أن لكل جيل جديد قيمه التي يتبناها من خلال احتكاكه بالواقع وبالعالم من حوله. فوعيه بذاته وبمحيطه وبالتراث الثقافي الذي يحكمه، يجعله يتموقع تجاه الذات والآخر فكريا واجتماعيا وسياسيا، ومن ثمة فالقيم التي يتشبت بها أي جيل غالبا ما تكون وليدة تفاعلات متعددة ومعقدة، لكنها عموما لا تنسلخ عن إطارها الواقعي مهما حاول الهروب بعيدا، وإلا عاش فيما يسمى بالوعي الشقي، أو الوعي المستلب، ولعل ميزة هذا الجيل أنه اصبح اكثر واقعية وارتباطا بواقعه المباشر، فالشعارات التي رفعها خلال الاحتجاجات تبرز أنه تخلص إلى حد ما من بعض الشعارات الطنانة، وانه انشغل بالقضايا المباشر التي تهمه كمواطن والتي تجعل حياته افضل.
اظن أن القيمة التي يجب ان يتشبث به هذا الجيل هي قيمة الحوار، والإيمان بأن الوعي وبناء الذات مقدمة لبناء المجتمع بشكل سليم وقوي.

س. كيف ينعكس حضور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في الإبداع الأدبي الراهن؟

لغتيري :  لا يمكن للإنسان أن يقف ضد التطور، لذا عليه أن يكيف حياته مع المستجدات، وجعلها عامل قوة وإضافة جادة إلى عمله، لهذا نجد الأدب كباقي مجالات الحياة الحيوية لم تشح بوجهها عن التطور الحاصل في مجال التواصل والرقمنة، فقد استفاد منها للترويج للإنتاجات الأدبية، والتواصل مع دور النشر ومع القراء في مختلف البلدان، من خلال الكتاب الرقمي، كما أن الأدب خطا خطواته الأولى نحو توظيف التطور التكنلوجي الرقمي من اجل إنتاج أدب تفاعلي، يسعى إلى ان تكون بعض نصوص ابنة شرعية لهذا العصر، بل وتم الانفتاح كذلك على الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بتوظيف الصور والرسوم والباقي المؤثرات، التي تمنح النصوص ابعادا فنية جمالية وأخرى دلالية، والأهم من ذلك أنها لا تجعل الأدب يشعر بغربة مضاعفة تجاه المستجدات الحديثة، التي راهن البعض على انها ستصيب الإبداع الأدبي في مقتل.

س. هل يجد الكاتب المغربي صعوبة في مخاطبة هذا الجيل الذي يعيش في عوالم رقمية وسرعات غير مسبوقة؟

لغتيري :  لا يمكن في هذا الصدد تجاهل صراع الأجيال، فلكل جيل مفاتيح للتواصل، وقد لا يفك شفرتها بسهولة الجيل الذي سبقه او الجيل الذي يأتي من بعده، هذا معطى لا بد من أخذه بعين الاعتبار في مقاربة معضلة التواصل مابين الأجيال، لكن مع ذلك يمكن البناء على أرضية مشتركة تجمع  مختلف الأجيال، من خلال التركيز على نقط الالتقاط، والتي يمكن حصرها في الانتماء لنفس الوطن ولنفس الفترة الزمنية، التي يعيشونها راهنا، ولنفس الواقع، بالإضافة المعاناة من نفس المشاكل وإن كان لكل جيل رؤيته وتصوره وفلسفته. وأظن أن ميزة الكاتب أنه يمتك الادوات التي تساعده على الفهم والاستبعاب والتواصل مع مختلف الأجبال ومقاربة معظم القضايا ، وأه هذه الأدوات عدم الركون إلى الأحكام المسبقة، والمراهنة على المرونة الفكرية، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل، واعتبار هؤلاء الشباب تجسيدا لهذا المستقبل، التي يعتبر الكاتب نفسه مجرد جسر للمرور إليه. من هذا المنطلق يحاول الكاتب التواصل مع الجيل الجديد من باب الإيمان بالمصير المشترك لوطن، نسعى جميعا ليحقق التنمية والعدالة والعيش الكريم للجميع، أما الطريقة فتختلف حسب الرؤى والمرجعيات، وقد يكون في هذا الاختلاف غنى، وفرصة لكسب طرق جديدة ومبتكرة لتحقيق الأهداف بعيدا عن الدوغمائية والشوفنية والتعصب لفكر جيل على حساب جيل آخر.

س. إلى أي حد يمكن اعتبار جيل Z فاعلاً في التغيير الثقافي والاجتماعي بالمغرب؟

لغتيري :  جيل زيد تجربة جديدة من الصعب الحكم عليها نظرا لحداثتها  وهي بالطبع تحتاج إلى وقت لتقييمها سلبا او إيجابا، لكن ما يهم ان هذا الجيل عبر عن رأيه ورفع صوته وأسمعه للجميع، وكسر بعض الكليشيهات التي ألصقت به من قبيل التسطيح الفكري والتفاهة والفراغ الروحي وعدم المسؤولية، لقد برهن هذا الجيل أنه وريث شرعي للاجبال السابقة المثقفة والمناضلة من أجل غد افضل. ويكفيه ذلك فخرا. كما يسجل له أنه حين احس بالخطر يحدق بالوطن تراجع عن تصلبه، وفتح باب الحوار في الوقت الذي شجب فيه العنف وأدانه، كما أنه لم يسمح للأجندات المشبوهة أن تستغل حماسه وفورة نضاله.
لكل ذلك أوجه تحية خاصة لهذا الجيل، الذي أتمنى ان يتحقق في عهده ما لم تستطع الأجيال السابقة تحقيقه خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية.

س. ما رسالتكم لهذا الجيل بصفته جمهوراً محتملاً للأدب المغربي الحديث؟

لغتيري :  بحكم إيماني العميق بالتطور، وبأن الإنسان يمضي قدما نحو أفق افضل، خاصة اذا ما امتلك المعرفة والإرادة، أعتبر شخصيا أن الأجيال اللاحقة بما فيها جيل زيد هي بوابة التقدم بهذا للوطن، لذا اتمنى ان يتسلح هذا الجيل بالمعرفة، والانفتاح على ثقافات العالم المختلفة، مع المحافظة على ثوابت الهوية الوطنية، التي ابدا لن تكون في الانغلاق والجمود الفكري، بل تعانق أفقها الإنساني الرحب، المتسبت بالقيم الكونية كالحرية والديمقراطية واحترام الحقوق الفردية والجماعية والإيمان بالتعايش وقبول الاختلاف، لكل ذلك ادعو هذا الجبل إلى المزيد من القراءة، باعتبارها الوسلة الفضلى لامتلاك المعرفة، كما أن الحوار الجاد والمتواصل، عبر كل الوسائل المتاحة هو الكفيل كما قلت سابقا إلى ترسيخ القيم ذات البعد الانساني وخاصة الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

Comments (0)
Add Comment