فور تنمية. صبري يوسف كاتب راي وباحث بسلك الدكتوراه بعلم الاجتماع السياسي والتنمية
اتركونا اول الامر نصرح بالاتي:
1ـ اننا ضد كل اشكال العنف المسبب للالم والمعاناة الجماعية والفردية التي لا تنتهي بمجرد الشفاء منها او نسيان وجع الفقد والموت، وان ما حدث منذ بداية حراك جيل Z من افعال هنا وهناك تسببت في تخريب وسائل الدولة ومؤسساتها واملاك الافراد والغير هو مناف للقانون ولا يسقط المسؤولية عن المخرب كان من كان.
2ـ كون المغاربة يحبون بلدهم وقد عبروا عن ذلك مرارا وتكرارا وعلينا جميعا ان لا ننسى ولا مرة بان التعدد في هذا البلد هو سر قوته، وان المغربي بطبعه كريم جواد يؤمن بثقافة الاعتراف، متسامح صبور يتحمل كل الظروف لانها من طباع الخير بالجغرافيا التي لها تاثير وتفسر بها “المجالات”، وهذا المغربي بالشمال والجنوب والشرق والغرب عاش صبورا متشبثا بوطنيته ولا ينازعه فيها احد .
3ـ ان كل المغاربة متيقنون وواعون بما فيه الكفاية ارتباطهم وجدانيا ووجوديا، بالملكية التي تقاسموا معها الم التحرير الوطني في الزمن المعاصر منه نحو فجر الاستقلال منه الى محطة “الجهاد الاكبر “لبناء وطن يسع كل مغربي كان وسيظل متشبثا بتوابث بلده، فهي بمنزلة شرعية الفرد بين أقرانه اذا خرج من اسرته الصغيرة نحو العائلة الكبيرة التي يتاسس حولها “مشروع “امة يحس فيها الفرد ب”الرضا الذاتي” والقوة الكامنة في الجدور والاعتزاز بالنفس الواثقة من انتماءها واصلها وفصلها.
4ـ ان المغرب يسعنا جميعا وعلينا مسؤولية حمايته والدود عنه والدفاع عليه والموت في سبيله واليقين بحدوده واتساعه والايمان بعدالة قضاياه واعياده ونبل مواطنيه وتسامحهم، وعراقتهم مصدر قوتهم وان هذه الوطنية تشكلها الاسرة والمؤسسات والدولة” بالممارسات والقوانين والدساتير والفعل” ليكون المغرب قويا بين الامم والشعوب بصورة الفرد الصحيح السليم المعافى المتعلم الوقور الاصيل… صورة يحملها اينما حل، وليكون نموذجا، تجسيدا وانعكاسا و سفيرا كما ينبغي الحال بالتمثيلية .
لكن وبطريقة “هيجيلية ” (ديالكتيكا) ما الذي يدفع اليوم هذه الحشود التي خرجت الى الشارع اذا كان هناك خراء ؟ تركت العالم الافتراضي منه نحو “اي موقع “بمطالب حقيقية، موضوعية، واقعية، ملموسة، جوهرية، مركزية، يحسها اغلب المغاربة، مع يقيننا اننا ضد كل سلوك او اسلوب او منطق يدفع الى العنف او الفوضى او اعوجاج في مسار المطالب الاجتماعية والاحتجاجات السلمية وكل ما ينص عليه الدستور ويحظ عليه ضمن تعاقدات الدولة والمواطنين.
لاقول ان جزءا من ازمة المغرب التي لا انوي استعراضها فالوقت لا يسمح، وانما دعونا نتساءل: هل فعلا لم ينجز شيء في هذا البلد طيلة 70 عاما على استقلاله ؟
الجواب هنا واضح: لقد استطاعت الدولة طيلة هذه الفترة ان تفعل الكثير، تعلمت اجيال الستينات، واشتغلت، وشيدت المعاهد والمدارس، وشاهدنا “طريق الوحدة “يشق بمشاركة ولي العهد ساعتها الملك الراحل الحسن الثاني كصورة رمزية لملحمة عرش وشعب وتعبيرا عن القادم، وفعلا استطاع المغرب الخارج من “قبضة “الاستعمار ان يتقدم الى الامام بخطى واثقة، فكان الزمن الجديد مليئا بالمنجزات وصار المغرب بالفعل قبلة للعالم ودولة للمؤسسات، كان دستور 2011 موقعة انتصار الضمير المغربي على نفسه بتوكيد للتعاقد الذي لم يسمح بالذهاب برجل واحدة الى الامام دون استمرار الوفاء “لثورة الملك و الشعب” بكامل الجسد، وعليه كان عهد الملك محمد السادس هو نفس عهد اسلافه، ان يكون المغرب للمغاربة وان يعيشوا برخاء تحت حكم الملكية مواطنين شجعان شرفاء لا يصلهم ضيم ولا يعترض سبيلهم قنط ولا حرج…لا يسمح الزمن بذكر ما قطعه المغاربة مع ملكهم طيلة 26 سنة من التحولات المهمة على كل المستويات.
نحن اذن متفقين حول كل المحطات المهمة من تاريخ البلد، الا الامس وخروج الشباب و الشكوى في كل واد حول انتكاسة المرفق العام بالصحة والتعليم و انتشار الفساد…ماذا حول من ربيع عربي عام 2011 يفترض ان يكون حسم معارك شتى في كل ما يتصل بحياة مجتمع يبحث عن الرفاهية، والتنمية، والدولة الاجتماعية؟
و هنا ساتوقف قليلا، حول عدم استيعابي لهذه المفاهيم الثلاث جملة و تفصيلا، لا يسعني كباحث في العلوم الاجتماعية سوى التساؤل اذا سلمنا بوجود هذه الاليات (الرفاه، الاجتماعي، التنمية) لنهضة المجتمع، لكن عندي سؤالين :
+ من سينزل هذه المفاهيم او الاليات على وجه الارض ؟
+ وكيف ؟
فقد لقيت صعوبة جمة دائما في فهم خطوات للبناء كان غالبا ما يقف خلف عدم الوفاء بها غياب نخبة سياسية عصرية وطنية! من اصغر جماعة توجد على راس الجبل الى القبة التشريعية، طبعا ليس الجميع على متن نفس الرحلة من “الاحكام المسبقة”، لكن يجد الباحث في احكام القضاء وخصوصا “المجالس الجهوية للحسابات” وما تنتجه المؤسسات الوطنية و الدولية من دراسات وتقييمات ونتائج وترتيب اننا دائما بالخلف الذي ليس وراءه سوى الحافة، واننا علينا التسليم بان هناك أطرا جيدة، سياسيون جيدون، اساتذة جيدون اطباء جيدون، روح جيدة في كل مكان من تحمل المسؤولية السياسية، لكن غلب (السواد البياض)!
معلوم ان الانتخابات بالمغرب تنتج شروط وجوبها بالخيار الديمقراطي الذي يسمح للجميع بالتنافس، لكننا لم ننتج بتنافسنا نخبة وطنية عصرية، وطنية تواكب كل تعقيدات” الاجتماعي”، وطنية لا ترضى بمجرد تقرير او كلمة او اشارة تمس هيبة فرد وأسراره وعائلته ووطنه…!
اعتقد انه علينا العودة الى انتاج نخبة جديدة، ومدونة انتخابات جديدة والوثوق في حب المغاربة لعرشهم وبلدهم، وانهم يستحقون الافضل، نحتاج الى مدرسة تشبه يوم اخذنا استقلالنا ، وسبحنا ضد كل الظروف لتأطير البشر في البوادي والارياف، نحتاج الى ضمير لا يوجد الا في مدرسة قوية تضمن تكافؤ الفرص(لا على اساس قبلي، او عرقي او جاه او سلطة)، لانني والكثيرون معي يشاطرونني هذه الرؤية : اذا اسندت الامور الى غير اهلها فانتظر الفقر والجهل والعار والبؤس …عندما يمسي سياسي فقير ويصبح غنيا بدون محاسبة فانه سيؤثر على قوت الغير وعلى جهود الدولة وعلى مؤشرات الازدهار وعلى ترتيبنا بين الامم. وعلى مفهوم “انا والغير” …!
ارجوكم نحتاج الى نخبة(ادارة وسياسة) عصرية وطنية مسؤولة تخاف على نفسها الوصم والفضيحة وعلى مواطني بلدها من الجنون والحروب والشتات، فهناك دائما سبب اولي “لايبنز” لكل الظواهر، نحتاج الى ضمير للعدالة والواقعية بصرف النظر عن قراءة النتائج فهي والأسباب وجهان لعملة واحدة اسمها “الازمة “.
.