الباحث منير الحجوجي يعيد تقديم حوار ماتيلد بانو: نحو بديل إيكولوجي للرأسمالية

فور تنمية. ترجمة الباحث منير الحجوجي

تتحدث ماتيلد بانو Mathilde Panot هنا عن الحلم الذي يحمله “الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد” (Nupes)، حلم “القطع مع عالم المآسي هذا”. ماتيلد برلمانية عن حزب “فرنسا الأبية” عن الدائرة العاشرة لمنطقة فال ـ دو ـ مارن. وهي مرشحة لأدوار طلائعية خطيرة في المقبل من الأيام.. لنستمع اليها وهي تفكر في مآزق عالمنا.

روبورطير: تخيلي أنك وزيرة للإيكولوجيا. ما هي الإجراءات الثلاثة الأولى التي ستقترحين على الجمعية العامة؟.

ماتيلد بانو: من أكبر الأشياء التي تشغلني حاليا بقوة مسألة الحق في الماء، ـ التي وضعناها من ضمن المحاور المركزية لحملتنا الرئاسية. وحتى فترة قريبة، حذرنا العلماء من أن حدا سادسا للكوكب، هو حد الماء العذب، تم تجاوزه. أول قرار سأتخذه هو العمل على أن أوفر الموارد المالية الضرورية، مليار أو ملياران من الأورو، حتى لا يبقى هناك، في الكوادلوب أو في مايوط، أشخاص بدون ماء وفي بعض الأحيان لمدة أسابيع كثيرة أو أيضا أشخاص يجدون أنفسهم مجبرين على أن يشتروا يوميا القنينات البلاستيكية. القرار رقم 2: تغيير النموذج الزراعي. فهذا النموذج مضر اليوم على المستويين الاجتماعي والإيكولوجي: هناك فلاح أو فلاحان ينتحران كل يوم أو يومين. ثلث الفلاحين عاجزون الأن عن العيش ب 350/400 أورو في الشهر، علما أن هذا النموذج الصناعي يفجر، وتحديدا بسبب استعمال المبيدات، سرطانات متكررة فضلا عن أفات كالسمنة والسكري. هناك كذلك الأضرار التي تلحق بالأنساق الإيكولوجية، والماء، والأراضي التي يتم تدميرها يوميا من طرف اللوبي الصناعي. القرار الذي سأتخذه سيتمثل في تسقيف الأثمان التي تخص المواد الأساسية، وتحديدا الفواكه والخضر، حتى يتمكن الفلاحون من العيش بكرامة. سأمنع وفورا “الكليفوساط” و”النيونيكوتينويد”، المبيدات التي تقتل النحل.

سؤال: وما هو القرار رقم 3؟.

جواب: سأبدأ بتغيير نموذجنا الطاقي. يجب الاشتغال على العفة الطاقية ـ قبل حتى أن نتكلم عن النووي وعن مفهوم المئة بالمئة طاقات متجددة. يجب أن نمنع مثلا اللوحات الاشهارية الليلية التي تستهلك من الكهرباء ما تستهلكه عائلة من اثنتي عشر فردا في السنة.

سؤال: في التاسع عشر من ماي قدم “الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد” برنامجه. ينوى الاتحاد تخفيض خمسة وستين بالمئة من انبعاثات الغاز الاحتباسي في أفق سنة 2030، والحسم لصالح حذف النووي، والاستثمار في طاقات جديدة متطورة جدا، فضلا عن التوجه الحثيث نحو العفة. كيف يمكن تقليص كل هذه النسب من انبعاث الغاز الاحتباسي؟.

جواب: أولا، ان ما يحدث تاريخي تماما: لا أحد كان بإمكانه أن يعتقد قبل بضعة أشهر فقط بأننا سنتفق على برنامج مشترك للحكم. يجعلنا هذا البرنامج نومن بقدرتنا ـ ونحن نحقق الأغلبية في الانتخابات التشريعية ـ على الحكم معا مستفيدين من العمل الضخم الذي بذلناه لنفهم بعضنا البعض، لنفكك خيوط الاختلافات التي تنخرنا. ان مسألة خفض انبعاثات الغاز الاحتباسي حيوية جدا. الشيء الأول الذي تتفق حوله كل القوى التي تشكل “الاتحاد” هو أننا نرغب كلنا في أن نخطط، أن نستعيد برمطر الزمن الطويل، ذلك المتغير الذي يطابق النسق الحي ـ لأن الطبيعة هي بالذات الحلقات الطويلة. يجب الخروج من دكتاتورية الزمن القصير الذي تفرضه السوق. على التخطيط أن يكون ديموقراطيا، ويشرك مواطني بلدنا، حتى يمكن الحسم في الخيارات بشكل جماعي. لن نفرض الأشياء مثلما يحدث مع السوق، حيث الغالب أن الأكثر فقرا هم من يتعذبون في حياتهم فيما تستمر الشركات العابرة للجنسيات في القيام بما يحلو لها. ان ما يجب أن نقوم به هو أن نغير عميقا في النسق عوض أن نضع أهدافا نقوم على الدوام بتأجيل تواريخ تنفيذها بسبب أننا لا نحققها. أهمية التخطيط أنه يسمح بالعمل بإشراك البلديات، المواطنين، الأجراء، وتحديدا عبر لجان النظافة ولجان الأمن واللجان المسؤولة عن ضمان شروط العمل التي نسعى لنعيدها الى الخدمة ـ بعدما تم تدميرها في الفترة الرئاسية السابقة وتلك التي سبقتها.
سنكون في حاجة الى تعبئة شعبية كبيرة حتى نغير نموذجنا الإنتاجي. الأمر يخص أيضا قطاع البناء، الذي هو واحد من أكبر القطاعات تلويثا في بلدنا. فالإسمنت مثلا ينتج ستة بالمئة من الانبعاثات العالمية للغازات الاحتباسية.
سأخذ مثالا بعيدا شيئا ما حتى يفهم الكل. شيبام مدينة يمنية يسمونها “مانهاتان الصحراء” لأن الناس قبل عقود بل قبل قرون شيدوا فيها عمارات من سبع طوابق من التراب النيء. في دبي شيدوا عمارات من الزجاج والاسمنت المسلح. النقطة المشتركة بين المدينتين أن الحرارة فيهما تكون في الغالب في حدود 45 درجة، لكن في شيبام لا نكون في حاجة لمكيفات، لأن الحرارة الداخلية هي حرارة معتدلة حتى مع وجود حرارة مرتفعة في الخارج. دبي هي النقيض المطلق لشيبام، إذ يجعل الزجاج والاسمنت من الضروري جدا وضع المكيفات بشكل مكثف الى درجة أن حرارة المدينة ارتفعت ب 6 درجات في 30 سنة، لأن الكل يقوم بإلقاء الحرارة الى الخارج حتى تبقى الحرارة الداخلية عند مستوى يمكن تحمله. هذا مظهر واحد من مشروعنا لخلق مناصب شغل من أجل الصناع التقليديين الذين سيتعلمون كيف يستثمرون بشكل أفضل المواد التي يتوفرون عليها محليا. سنقوم بتحويل النسق عبر التكوين، عبر الاستثمار العمومي، ولكن أيضا عبر إطلاق طلبات عروض حتى لا نجد أنفسنا دوما مع شركات بويغ، ايفاج وفنشي… (عمالقة الصناعة الفرنسية. المترجم).
هذا جزء من العفة. يتوجب أيضا أن نعثر على وسائل أخرى لنقلص من استهلاك الطاقة.

هدفنا انشاء قطب عمومي للنقل والطاقة. لقد قاد الانفتاح على التنافسية، سواء في مجال نقل الأشخاص أو البضائع، مباشرة نحو الكارثة. 9 بالمئة فقط من بضائعنا يتم نقلها عبر السكة الحديدية. نريد أن نوفر الوسائل للسكة الحديدية حتى نوقف تغول النقل عبر الشاحنات. 48 ألف شخص يختفون سنويا بشكل مبكر في بلدنا بفعل تلوث الهواء.

سؤال: أنت تطرحين هنا رقما مثيرا جدا: خفض 65 بالمئة من انبعاثات الغاز الاحتباسي في أفق 2030، الذي هو موعد قريب جدا. هذا شيء راديكالي.

جواب: هذا ما يقوله العلماء.

سؤال: هل وضعتم تصورا مفصلا حول مساهمة كل إجراء على حدة في تحقيق هذا الهدف الطموح جدا؟.

جواب: سيتكفل مجلس التخطيط بهذا المؤشر، فضلا على مؤشرات أخرى. علينا أن نخرج من مؤشر الناتج الداخلي الخام وننفتح على مؤشرات تخص التربية والصحة. ان لم نعتمد على مؤشرات أخرى فلن ننجح قط في تحقيق التغيير الذي نريده. لدينا سيناريوهات يمكن أن نعتمد عليها، وتحديدا السيناريو الموسوم ب”نيكاواط”. لقد قام هذا السيناريو بقياس، وفي كل قطاع على حدة، حجم الانخفاضات في الانبعاثات التي لابد لنا من الوصول اليها. هناك أشخاص من وزارة الانتقال الإيكولوجي يشتغلون معنا، أشخاص اعترفوا لنا كيف أنهم غارقون في التعاسة بسبب وزارة حصلت على الميدالية الذهبية في حذف أكبر عدد من مناصب الشغل على مستوى كل الوزارات. نتوفر أيضا على أعمال “اللجنة العليا للمناخ”. نعتقد أيضا أن لدينا كامل القدرة للقيام بهذا العمل. إذا ما حددنا لأنفسنا سقفا أدنى مما حذر منه العلماء، فسننطلق مرة أخرى بشكل سيء تماما. هل الوصول الى هذا الهدف معقد؟ طبعا. هل سيقود هذا التوجه نحو قطائع قوية جدا؟ طبعا. لكننا نعرف أن هذه القطائع ضرورية جدا. عندما نرى الجفاف الذي قد يتفاقم ويمكن أن يطرح مشاكل كبرى في الشهور القادمة، فالقول بأننا لا نتوفر على الوقت الكافي للفعل لن يظل بلا عواقب. اذن، هل يمكنني أن أحدد لك النسبة المئوية التي سنشتغل عليها في كل قطاع؟ لا. بالمقابل، أعرف أين يتوجب أن نبحث عن المعلومة. لدينا مجموعات عمل. وسنكون مستعدين لتنزيل كل هذه الأمور.

سؤال: ألا يدخل هذا الخفض الراديكالي في انبعاث الغازات الاحترارية في تعارض مع النمو كما هو مطروح اليوم، أقصد نمو الناتج الخام الداخلي؟. سيقول الاقتصاديون وخبراء البنك المركزي الأوروبي بأنكم ستكونون هنا عند مستوى نمو ناقص 2 بالمئة؟.

جواب: لابد أن نخفض بشكل حاد من استعمال الموارد الطبيعية. لهذا السبب نقترح أن ندبج القاعدة الخضراء في نص الدستور، أي فكرة “ألا نقتطع من الطبيعة الا ما يمكنها أن تعيد انتاجه، وألا ننتج نفايات أكثر مما يمكنها تحمله”.. أنا متيقنة من أن النتائج التي يمكن أن يقود اليها تدبيج هذه القاعدة دستوريا ستكون باهرة جدا وذلك على مستوى كل المشاريع التي يمكن لنا اقتراحها. يمكننا أيضا أن نوقف وفورا بعض المشاريع. أما في ما يخص المؤشرات، فيتوجب القيام بتغييرها دون تردد. اليوم تحفرون ثقبا، بعدها تقومون بإغلاقه، وها أنتم حققتم نموا في الناتج الداخلي الخام !. هذا ليس له أي معنى اطلاقا.

سؤال: لكن الشخص الذي قام بحفر الثقب حصل على عمل وتلقى أجرا خلال كل مدة الحفر؟.

جواب: لدينا أمور سنجعلهم يقومون بها أهم من هذه التي ذكرت !. تعتبر “وكالة البيئة وضبط الطبيعة” أنه في حالة ما إذا قمنا بتغيير نموذجنا الطاقي، فسنخلق تقريبا مليون منصب شغل (في أفق 2050). في المجال الفلاحي، نحن نتموقع الأن عند مستوى يقارب 300000 منصب شغل جديد. وفي ما وراء النقاش نمو/خفض النمو، سنستعمل التخطيط لإدارة البلد وفقا لما سنرصده من حاجيات. هذا يعني أنه إذا ما أردنا أن نضمن الحق في الماء، علينا أن نوفر ناسا يعملون على القنوات المائية. إذا ما أردنا أن نخرج من المبيدات، علينا أن نخلق على الأقل 300000 منصب شغل قروي. إذا ما أردنا أن نسير في طريق البناء الإيكولوجي، علينا أن نخلق مئات الألاف من مناصب الشغل في القطاع. علينا أيضا أن نخلق مئات الألاف من مناصب الشغل في مآوي الأشخاص المسنين الذين لا يستطيعون تدبير شؤونهم بأنفسهم، ولكن أيضا في المستشفى العمومي وفي أماكن كثيرة لنتمكن من ضمان أفضل عناية ممكنة بالبشر.

سؤال: في فرنسا هناك حاجيات حقيقية على مستوى السكن. كيف يمكننا أن نبنى ونمنع في نفس الوقت هذا الزحف الاسمنتي الذي يستمر بإيقاع مرعب في بلدنا؟.

جواب: نعم، يجب بناء مساكن. ولكن قبل ذلك، يجب أولا أن نصادر إذا تطلب الأمر ذلك ـ أو أن نقتحم بالقوة ـ ملايين المنازل الفارغة في بلدنا. يعتبر “معهد الاحصاء والدراسات الاقتصادية” أن هناك 3 ملايين منزل فارغ. ثانيا: يجب أن نفرض على المكترين أو الملاك أن يتحملوا مسؤولياتهم في موضوع رخصة الكراء. ان كان منزلكم لا يصلح للسكن، فليس لكم حينها الحق في كرائه. هناك أيضا ملف تأطير المنازل: لا يمكن أن نتحمل في بلدنا أن يكون هناك ناس يبذلون نسبة جهد أكبر مما يمكنهم تحمله. نسبة الجهد هي الجزء من الأجر الذي تخصصونه للكراء. أعرف عائلة في الدائرة حيث انتخبت (في ايفري ـ سير ـ سين)، الأم معوقة، والأب عامل نظافة. نسبة الجهد المبذول هي 126 بالمئة. هذا يعني أن هؤلاء الناس مدينون ب 15 ألف أورو. الأجر الذي يحصلون عليه لا يكفي اذن لتغطية تكاليف الكراء. هناك أيضا مصاريف الأكل. الأمر غير قابل للتحمل. الأمر الأخير يخص البناء. لا يجب أبدا أن نمس المناطق الرطبة والمناطق الفلاحية في بلدنا. هذه أمور سنمنعها تماما. هذه من الأمور التي دبجناها في برنامجنا المشترك.

سؤال: لا يجب أن نمس المناطق الزراعية؟ كيف؟.

جواب: لم يعد من الممكن فعل ذلك.

سؤال: حتى وإن تعلق الأمر بمركب كهروطاقي؟.

جواب: هذا يتوقف عما إذا كان من الممكن التراجع عن مثل هذه الأمور بعد إطلاقها أم لا. أنا مع ألا نمس من الأن فصاعدا الأراضي الزراعية.

سؤال: أين سنبني اذن؟.

جواب: في المناطق المقفرة. هناك سؤال يطرح على هذا المستوى وهو ليس بالسؤال الهين. كل الناس الذين يشتغلون جديا على المسألة يقولون بأنه لم يعد من الممكن تحقيق مئة بالمئة طاقات متجددة في مدينة كبرى كباريس والضواحي. هل تعلمون مدة الاستقلال الغذائي لباريس والضواحي؟.

سؤال: ربما أسبوع.

جواب: ثلاثة أيام. الغريب أنه وعلى العكس تماما مما ينبغي القيام به ننطلق في مشاريع كمشروع “أوروباسيتي”، الذي تم لحسن الحظ توقيفه، وبقيت هناك للأسف قضية المحطة المبرمجة فوق الأراضي الأكثر خصوبة لفرنسا. اذن، نعم، يجب وقف كل هذه الأمور. ان مسألة إعداد التراب الوطني تطرح بشكل جدي تماما.

سؤال: كيف ستتصرفون، مثلا، فيما يخص المشروع الكبير المبرمج على هضبة ساكلي التي تتوفر هي أيضا على أراضي فلاحية رائعة، وهو المشروع الذي يشمل كثيرا من الجامعات، وكثيرا من مراكز البحث، وكثيرا من المقاولات التي تقضم كل يوم من مساحات الأراضي. المشروع أطلق قبل سنوات. هل ستوقفون المشاريع في طور الإنجاز؟.

جواب: نعم.

سؤال: ستزعزعون بهذا الشكل أشياء كثيرة على الأرض؟.

جواب: نعم، سنفعل ذلك. لكنك قد تكون ربما رأيت شيئا مسني بقوة، إنهم الشبان أصحاب الدبلومات خريجو مؤسسة “أكرو باريس طيك” الذين قالوا لحظة تسلم شواهدهم بأنهم لا يريدون أن يساهموا في هذا النسق المخرب للكائن البشري وللأنساق الحية. ربما رأيت هؤلاء الطلبة الخمسة عشرة من خريجي المدارس العليا للأساتذة وهم يشرحون كيف أنهم هم أيضا لا يريدون المشاركة في نسق يقود البشرية والكائنات الحية نحو الفناء العام.

سؤال: في نفس الوقت، مئات المهندسين الشبان سيشتغلون في مقاولات صغرى، في الذكاء الاصطناعي، وهم يحلمون بتطوير هضبة ساكلي…

جواب: لدينا برنامج جدي، كما أن الخمس سنوات التي قضيناها داخل قبة الجمعية الوطنية منحتنا ولازالت نوعا من ثقافة تدبير الشأن العام. ثم لديكم قضية المتخيل. عندما نتحدث الى الناس نحس أن الكثيرين يشعرون بالنصر برفقة “الاتحاد الشعبي الإيكولوجي الاجتماعي الجديد”. يبث الاتحاد لدى كثير من الناس الأمل، بالفعل، بأن عالما أخر ممكن. يعيد هذا الفكر أيضا تشكيل المتخيلات.

لماذا اقترحنا كل هذا العدد الكبير من القوانين حول مسألة الاشهار؟ لأن الاشهار يبهر المتخيل. إذا كان ماكرون يقول بأن حلم كل شاب هو أن يصبح مليارديرا، فأنا لا أعتقد من جهتي بأن حلم شبان هذا البلد أن يصبحوا مليارديرات. كثير من الناس يعتبرون الأخرين أخوة لهم ويرفضون أن يعيش كل هذا العدد من الناس في تلك الدور المتسخة، يرفضون أن يكون ثمانية مليون شخص ملزمون بأن يتوجهوا الى مؤسسات المساعدة الغذائية من أجل الأكل اللائق، يرفضون أن يعيش 10 مليون فقير في بلدنا في وضعيات في بعض الأحيان مخلة كليا بالكرامة. على مثل هذه الأمور يقف أيضا مشروعنا.

سؤال: هل يشبه هذا الحلم، مثلا، حلم السفر الى الفضاء، كما يطرحه إلون موسك؟.

جواب: لا. هذا ليس حلما.

سؤال: هو اذن متخيل تستثمرينه في حشد الطاقات؟.

جواب: طبعا. لنأخذ الشبان أصحاب الدبلومات خريجي المدارس العليا. عادة، عندما تكون وضعيتكم الاجتماعية مريحة، فإنكم تميلون الى أن يستمر النسق الذي يوفر لكم مثل هذا الرفاه. مهم أن نرى كيف أن هذا الأمر يختفي في مثل هذه الفضاءات. كثير من الناس تعبوا من أن نقول لهم باستمرار بأن ليس هناك بديل أخر في البلد. لقد وصلنا الى لحظة بدأ فيها الكثير من الناس يعتبرون تغيير النسق مسألة حياة أو موت. ان ما يهم الكثيرين ممن يعانون في بلدنا هو أن نتحدث عن مشاكلهم فيما يخص الصحة العقلية، الشروط المادية، المداخيل، التربية. بالنسبة للكثيرين فكرة القطع مع عالم المآسي هذا هي ما يجعلهم يحلمون.

سؤال: يأمل الاتحاد خلق 300000 منصب شغل فلاحي. عدد الفلاحين في تناقص منذ عدة عقود. كيف يمكن خلق مناصب الشغل الفلاحية هاته؟ بأي تمويل؟.

جواب: نعم، ما حصل هو أننا خلقنا فلاحة دون فلاحين. كان هذا هو هدف البرامج التي تم تمويلها بمدخرات السياسة الفلاحية المشتركة. وهذا الأمر هو ما قاد نحو الخراب الذي نعرفه جميعا. وبقدر ما نرفع من عدد الهكتارات بقدر ما نسير نحو فلاحة تستعمل المبيدات بشكل مكثف.
نحن نريد قلب كل هذه الأشياء. نريد فلاحة مكثفة لكن يجب أن تنزل هذه المرة على أيادي الفلاحين. انه الطريق الوحيد للخروج من نموذج يستعمل المواد الكيميائية كيفما اتفق. أول شيء يجب فعله هو الاهتمام بالفلاحين. نقترح تجميد ديون الفلاحين المطحونين، مع تحويل فلاحتهم، وخصوصا عبر منع المزارع/المعامل، أي تقليص مساحة المزارع.
ثاني شيء هو أن نعيد توجيه المال، وتحديدا المال الذي يذهب الى السياسة الفلاحية المشتركة، نحو تكوين الشبان ومساعدتهم على الاستقرار العائلي في أماكن اشتغالهم. بهذا الشكل نأمل في خلق 300000 منصب شغل فلاحي جديد ـ وربما أكثر. سنتصرف هنا أيضا حسب الحاجيات.

أتعرفون أن واحدا من الأسباب التي تجعلني لا أقلق كثيرا على هذا المستوى هو أننا هنا، في هذا الحوار، بصدد وصف تحول شامل في النسق. هناك دوما مقاربات، خبرات نستند عليها في صياغة تصوراتنا. دعت “الكونفدرالية القروية” ـ وهذا أمر تاريخي ـ للتصويت على “الاتحاد”. لم يقع مثل هذا الأمر إطلاقا في السابق. ويمكنني أن أؤكد لكم أن هناك ناس في “الكونفدرالية القروية” يعرفون بدقة ما يجب فعله. جون بلاتيست أيرو، من “جمعية الحق في السكن”، يعرف هو أيضا ما يجب فعله. يمكنه أن يكون وزيرا ممتازا للسكن. ها أنتم ترون أن فكرة الحكومة التي نود طرحها تقوم على حركة قوية جدا، حركة نقابية، جمعوية، ناس سيساعدوننا في تحويل النموذج.

نريد في الأخير أن نوقف اتفاقات التبادل الحر التي يتضرر منها المزارعون أولا، سنتجه كذلك نحو حمائية إيكولوجية سطرناها هي أيضا في برنامجنا الحكومي المشترك.

سؤال: لكن في الجهة المقابلة، هناك ناس يملكون ما بين شقتين الى ثلاثة، ناس يشترون ما يحتاجون من المواقع الفاخرة، ناس مشهورون، من مثل هافاس وشركائهم، وهؤلاء سيقومون بكل ما في وسعهم لمنعكم من تنزيل خططكم. مسألة أخرى وهي أنكم تأتون في سياق يعرف وضعية اقتصادية معقدة، مع عودة ملحوظة للتضخم. ستجد بلدان أوروبية صعوبة في دعمكم أو في البقاء على الحياد.

جواب: أنت تتحدث عن الناس الذين يملكون ثلاث شقق أو ما شابه. نعم، هذه أقلية بإمكانها أن تسمع صوتها بقوة. لكنهم لا يشكلون الا خمسة حتى عشرة بالمئة من الساكنة الفرنسية. اذن، لا يمكننا فعل ذلك الا بتعبئة مكثفة للساكنة. هناك أمثلة عن قطائع قوية جدا تمت بفضل تعبئات قادها طلبة شيدوا منازل مؤقتة للناس.

سؤال: ما هي هذه الأمثلة؟.

جواب: أفكر في الشيلي، خلال فترة الرئيس ألندي، الذي سيتم اغتياله ثلاث سنوات بعدها. كان ألندي يقول: “التاريخ هو تاريخنا والشعوب هي التي تكتبه”. يجب أن نعي بالتغيير الذي حصل في الشيلي: فلاحون استعادوا الأراضي بعدما عاشوا الاستعباد لفترات طويلة. وكان هناك شبان يأتون إليهم نهاية الأسبوع ليقدموا لهم يد المساعدة في زراعة أراضيهم. منازل بنيت بسرعة في كل مكان ليتمكن الكل من أن يحصل على سكن في انتظار إيجاد حلول أكثر استدامة. باختصار كانت هناك تعبئة مكثفة للمجتمع. لن نصل الى إحداث التغييرات المرجوة مع وجود قوى قوية جدا في الجهة الأخرى إن لم نقم بتعبئة شعبية قوية جدا.

التعبئة ممكنة. لماذا؟ لأن الأثمان ترتفع بشكل دراماتيكي: أكثر من أربعين بالمئة في ثمن العجائن في سنة واحدة. الناس في حالة اختناق. اذن إما أن نحول النسق لنمكن الناس من العيش بكرامة، أو أن الغضب سيتفجر.
تتحدث عن أثمان الكهرباء. لقد قامت البرتغال واسبانيا بتجميدها. هذا مثال عن رفض الخضوع. ماذا قالت اللجنة الأوروبية؟.. “نحن نتفهم الأمر”. معنا أيضا أمل أن يتفهموا ما سنقوم به. لأننا سنطبق البرنامج الذي سيكون الفرنسيون قد صوتوا عليه. سنبدأ بتجميد الأثمان حتى يستطيع الناس أن يتنفسوا، سنرفع الأجور، سنحدد التقاعد في ستين سنة، وسنسير في تنزيل تدابير إيكولوجية.

عندما تمكنون الناس من استعادة مستوى عيش كريم، فأنتم تمكنون آلة استهلاكية فاضلة من العودة للاشتغال. لن يشتري الناس أي شيء مطروح على الطريق فقط بسبب أنهم عاجزون عن شراء شيء أخر، لن يشتروا منتوجا غالبا ما يكون مقصوفا بالهرمونات والمبيدات. أنتم تمكنون هنا الناس من شراء منتوجات صحية. سنوات السبعينيات، كانت العائلة تصرف تقريبا 10 بالمئة على الصحة و20 حتى 30 بالمئة على الأكل. الأن تصرف 10 على الأكل و20 على الصحة. وأنا لا أتحدث هنا عن أولئك الذين تخلوا عن التطبيب لأنهم لا يستطيعون القيام بذلك. اذن، نعم، سنضع مزيدا من الأموال في التغذية حتى يستهلك الناس بجودة عالية.

سؤال: ماتيلد بانو، لنتخيل أنه في 24 يونيو، سيفشل مرشحو/ات الاتحاد في الحصول على الأغلبية. ستظل السيدة اليزابيط بورن وزيرة أولى. وستكونون أنتم في المعارضة. كيف ستتصرفون وفق هذا السيناريو؟.

جواب: أولا، إذا ما صوت الناس بكثافة سيمكننا حينها أن نكون في الدور الثاني في كل الدوائر تقريبا. ما أريد أن أفهمكم هنا هو أنه بقدر ما تكون التعبئة قوية، بقدر ما تكبر الحظوظ للحصول على فريق أغلبي في الجمعية الوطنية يسمح بتشكيل الحكومة الجديدة، حكومة الاتحاد الشعبي يكون جون ـ لوك ملنشون وزيرا أولا فيها وبالتالي بتنزيل برنامجنا.
الأمر الثاني. سنة 2017، حصل ايمانويل ماكرون على الأغلبية المطلقة في الجمعية العامة بنسبة 32،5 بالمئة من الأصوات وطنيا. استطلاعات الرأي تقول بأننا نوجد الأن في حدود 29 و36 بالمئة من نوايا التصويت. أعلم ما يقال حول استطلاعات الرأي. لكني أقول ذلك لأفهمكم بأن هناك امكانية لحسم الأمور لصالحنا. أعتقد أيضا أن العنف الذي يوجه ضدنا دليل اضافي على الارهاب الذي يمكن أن يمارس في حقنا.

أما إذا فشلنا، فسنقوم حينها بعملنا كبرلمانيين في المعارضة. سنكون في الغالب الفريق المعارض الأكبر في القبة. وسنقوم بما قمنا به خلال 5 سنوات ولكن بعدد أكبر من البرلمانيين. أدعو كل هؤلاء الذين تابعوا ما قمنا به في الجمعية الوطنية خلال 5 سنوات في الوقت الذي لم نكن نتوفر فيه الا على 17 برلمانيا من أصل 577، قلت أدعوهم الى أن يتخيلوا ما يمكننا فعله عندما يكون عددنا أكبر ب 3 مرات، أربع مرات، خمسة عشرة مرة..

سؤال: 15 مضروبة في 17.. هذا رقم سيكون أقل قليلا من الأغلبية..

جواب: نعم. ما سنقوم به هو أننا سنحاول أن نقف في وجه كل محاولات ماكرون لمزيد من الإضرار الاجتماعي والإيكولوجي ببلدنا. وبطبيعة الحال، لن نقوم أبدا بالمعارضة دون أن نطرح الاقتراحات البديلة. سنستمر في أن نبين بأن هناك بديلا في بلدنا، وبأن هذا البديل مرغوب فيه، وبأنه جدي ومحضر له جيدا.

سؤال: لا تعتقدين بالتالي بأن ماكرون قابل لأن يتطور؟.

جوالب: لا. لقد عايشته بما فيه الكفاية لأفهم أنه يمارس الحكم بشكل فردي، وتحديدا في مجلس الدفاع خلال فترة الكوفيد التي تم تدبيرها بمنطق أسرار الدولة. ماكرون هو المسؤول عن 32 شخص فقدوا أعينهم خلال تظاهرات السترات الصفراء، عن 5 أشخاص فقدوا أيديهم، عن موت السيدة رضوان، عن رفض تنوير الرأي العام حول قتلى العنف البوليسي كأداما طراوري وأخرين، عن حذف ضريبة التضامن على الثروة، عن رفض القيام بأي شيء لصالح المناخ. ليس لدي أي أمل في أن يقرر ماكرون، الذي حكم ب ومن أجل الأغنياء، أن يسير في اتجاه سياسة أخرى.

سؤال: مؤخرا وقع سيريل ديون، جون ـ مارك جانكوفيتشي وأخرون نصا مما جاء فيه: “لابد من القيام بتكوين الوزراء في الحكومة على الرهانات المناخية والإيكولوجية”. هكذا سيعرفون ما يقع على هذا المستوى وسيتغيرون.

جواب: انهم على علم بما يجري. التقارير موجودة بما فيه الكفاية. تذكروا “الميثاق المواطن من أجل المناخ”. لقد وصل الميثاق الى نفس ما كنا نقوله في برنامجنا ـ مع بعض الاستثناءات القليلة. لأنهم أنصتوا الى ما يقوله العلماء. وفي الأخير قامت الحكومة بنسف اقتراحات الميثاق. هم اذن يعرفون جيدا ما يفعلون. لقد فضلوا أولا أن يحموا أصدقائهم الأغنياء وأصدقائهم في الشركات متعدية الجنسيات. أقترح أن نعوضهم لا أن نكونهم.

سؤال: الحملة الانتخابية شيء صعب. هناك الكثير من العنف اللفظي، تحديدا في حق النساء. كيف تعيشين الأمور كامرأة منخرطة في العمل السياسي؟.

جواب: نحن نحاول أن نصد كل ما يرغب ماكرون في تمريره. شخصيا، قام برلماني من حزب ماكرون بسبي ونعتي ب”السماكة” وأنا في طريقي الى المنصة. فحصل ـ وهذا أمر لم يقع أبدا في السابق ـ على مخالفة. وأعتقد أن هذا هو الشيء الوحيد الذي سنتذكره عن المدة البرلمانية لهذا الشخص. مهم جدا اذن ألا نسمح بمرور أي شيء كيفما كان، وأنا أقوم بهذا العمل ليس فقط لشخصي، ولكن لأن النساء أصبحن أكثر عددا في الحقل السياسي من ذي قبل، ومع ذلك يجب، وباستمرار، أن نبدع هويتنا كنساء نمارس السياسة.

أنا فخورة الى حد ما بالفترة التي قضيناها في القبة مع النساء الأخريات من فريقي. لقد شكلنا نوعا ما نماذج، ليس بشخصياتنا، ولكن بسبب أننا برهنا بأنه من الممكن أن نكون في الوقت ذاته نساء وفاعلات في الحقل السياسي، أن نكون نساء بطرق مغايرة.

معروف عني أني أتكلم بشكل واضح وشفاف. النعوت المستعملة في حقي هدفها إبعاد النساء خارج السياسة، السب طريقتهم ليقولوا لنا بأن مكاننا ليس هو السياسة. نحن الأن في قلب السياسة. وسنبقى هنا، أحبوا ذلك أم كرهوا. انها الطريقة الفضلى للرد عليهم.

 

Comments (0)
Add Comment