أزمة الأحزاب في الرحامنة: من يقود التغيير في ظل ترهل سياسي وتشرذم تنظيمي؟
فور تنمية
في مشهد سياسي يتّسم بالركود والتجاذب، يشهد إقليم الرحامنة أزمة متفاقمة لا تقف عند حدود حزب الأصالة والمعاصرة، بل تكشف هشاشة البنية الحزبية ككل، وعجزها عن قيادة التغيير أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من الفعالية السياسية والتنموية. فالأزمة التي عبّر عنها رئيس جماعة سيدي عبد الله، عبد الحق فائق، لم تكن سوى رأس جبل جليد يغطي تحته واقعًا حزبيًا مأزوما تغذيه الولاءات الظرفية، وغياب الرؤية، وتفكك التنظيمات.
ما يحدث اليوم داخل “البام” ليس استثناءً، بل يعكس صورة أوسع لأحزاب فقدت زمام المبادرة، وتحولت إلى هياكل انتخابية تشتغل بمنطق المناسبات، بعيدة عن نبض المواطنين وهمومهم اليومية. فحين تصبح الوعود الانتخابية حبرًا على ورق، وحين يكتشف المواطن أن “البرامج التنموية” ما هي إلا عناوين بلا مضمون، تتهاوى الثقة في الأحزاب وتتسع الهوة بين الناخبين وممثليهم.
تجميد المنسقيات، وتهميش الطاقات الشابة، والانغلاق أمام النقد، كلها مؤشرات على أحزاب عاجزة عن ترميم بيتها الداخلي، فكيف لها أن تدير شأنًا عامًا أو تواكب طموحات ساكنة تبحث عن الحد الأدنى من الكرامة والخدمات الأساسية؟
التحول المعلن من “البام” نحو حزب الاستقلال، كما لوّح به عبد الحق فائق، يطرح سؤالاً عميقًا: هل الترحال السياسي اليوم هو حلّ فعّال، أم مجرد إعادة تدوير لنفس الفاعلين في عباءات مختلفة؟ فقد أثبتت التجارب أن تغيير اليافطة الحزبية لا يعني بالضرورة تغييرًا في أسلوب العمل أو في طريقة التعاطي مع قضايا المواطنين. الترحال الذي لا يصحبه نقد ذاتي حقيقي، أو قطع مع منطق الريع الانتخابي، يظل خطوة تكتيكية لا تتجاوز حدود التموقع والمصالح.
في خضم هذا الانسداد، يغيب السؤال الجوهري: من يحاسب المنتخبين على وعودهم؟ أين هي آليات التتبع والمساءلة؟ لماذا تتحول الولاية الانتخابية إلى مجرد مرحلة انتقالية نحو وعود جديدة، بدل أن تكون فرصة لإنجاز ما تم الالتزام به؟ لقد آن الأوان لتحويل النقاش من صراعات حزبية داخلية إلى محاسبة علنية، تُلزم كل منتخب بأن يبرر مواقفه ويكشف للرأي العام المحلي ما تحقق وما لم يتحقق.
ما يحتاجه إقليم الرحامنة – كما سائر مناطق المغرب – ليس مجرد تبادل للمواقع بين الأحزاب، بل وعيًا سياسيًا جديدًا، قوامه الشفافية والمحاسبة، وربطه الفعل السياسي بالنتائج لا بالشعارات. فالإصلاح الحقيقي لا يبدأ من “التحكم في المجالس المنتخبة” بل من إصغاء صادق لنبض الشارع، ومن قرارات تضع المواطن في قلب الفعل التنموي لا على هامشه.
في ظل الأحزاب المترهلة والتشرذم التنظيمي، تبقى الحاجة ماسة إلى نخبة سياسية جديدة، تُجيد التواصل، وتملك رؤية، وتتحمل مسؤولية اختياراتها أمام الساكنة. لأن التغيير لا يُصنع بالتصريحات وحدها، بل بالفعل الميداني والمحاسبة الجادة.
وخلاصة القول فالأحزاب السياسية في الرحامنة وغيرها تعيش أزمة مشروعية وثقة، والرهان اليوم ليس في من يغادر حزبًا أو ينضم لآخر، بل في من يستطيع أن يقنع المواطنين بالفعل وليس بالكلام. أما من لا يستطيع أن يفي بوعوده، فمكانه ليس في مقاعد التسيير، بل في خانة المحاسبة الشعبية. وهذا هو مربط الفرس.