OCP

يوسف صبري يكتب : خطاب المنتصر

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية: صبري يوسف كاتب راي ،باحث بسلك الدكتوراه بعلم الاجتماع السياسي .

 

رسم عشية الامس خطاب الرئيس الجديد دونالد ترامب الخطوط العريضة لفلسفة حكمه، صفق له مناصروه داخل مبنى الكابتول حيث ادى اليمين الدستورية رفقة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن .
تستدعي الطريقة التي تداعى بها ترامب امام العالم اننا بصدد حالة معزولة لنظام قوي متميز عن البقية، وان الجميع كانوا يتابعون القادم (الجديد -القديم)الذي يفرض عليهم الانصات والمتابعة ، لان بلدانهم وشعوبهم واقتصادياتهمم ستتاثر طبيعيا باولوياته واهدافه وسياساته سواء في الشرق الاوسط وشرق اوروبا… وجيرانه الامريكيين وعلاقاته بالبلدان الكبرى الصين وروسيا .
اولى الملاحظات: ان دونالد مهتم بشكل كبير بواقع بلاده، تاريخها، ازماتها، رهانات الشعب الامريكي حول منصب الرئيس واهميته وليس رمزيته، وهنا يدفعنا الاهتمام الكبير للامريكيين بقيمة الانتخابات والفعل السياسي برمته وقيمته، ليكون بالنسبة لنا مناسبة لاستعراض ازماتنا/رفاهيتنا على ضوء ما حدث عشية اليمين الدستورية تلك ونحن نتابع التمرين الديمقراطي الكبير . كما ان ترامب لم يتلو نصا معدا او استرق فكرة او موضوعا بالسماع ممن هم خلفه وحوله، كان يحفظ عن ظهر قلب كل شيء عن وطنه ، دعك من كل ما كتب منذ ظهوره على المشهد العالمي، والادعاء بانه غير نخبوي (مثقف, عالم، خبير، اكاديمي)، فهؤلاء ليسوا دائما وجهاء لاي سياسة او تنمية او حل، ودعك كذلك من الكلام الذي رافق مقولات من قبيل ” نظام التفاهة” وغيره الذي تزامن و تحدياته للوصول الى القمة، لاقول :
“اعطني شخصية بكل زقاق صغير ، بهذا القدر من الالتزام والشجاعة والحنكة وبعد نظر في الافعال العمومية الصغيرة لنتغير نحن كذلك دفعة واحدة”، دعونا نحلم مع حلم هؤلاء بقرى وبلدات حيث تقديم مصلحة البلدة اولى من مصلحة الفرد الضيقة، بكل تاكيد هناك سؤال حول من اعاد هذا الرجل الى كرسي اعطاء الاوامر الأمريكية لبقية العوالم الماهولة ؟ الجواب بسيط: الانتخابات الشفافة و الادوار والنتائج ،ونظام براغماتي يعيد الاعتبار الى مفهوم الرفاه ونقباءه الواقعيين ، و بالمناسبة فهو الرئيس الثاني او الثالث من الذين عادوا للبيت الابيض لنفس المنصب من 47 رئيسا حكموا امريكا منذ القرن السادس عشر الى اليوم . وبالنتيجة فهناك معايير ومكونات للسمات الشخصية بالرغم من ما تعرض له من المحاكمات ومن المداهمات لبيته ومن الغرائب، وطباع شخصيته الجريئة ، عكس التزام الرؤساء السابقين امام شبح الدولة العميقة في امريكا التي يقولون انها تتشكل من مؤسسات امنية ومن الكونغرس والجيش والنافذين بمجلس الشيوخ ووزارة العدل ومؤسسات لها تاريخ طويل من التقاليد، التي تستدعي من القادم الجديد امعان النظر في قراراته والابقاء على مساحة واسعة لتدخل الدولة تلك ، مع ترامب كل شيء اخذ بعدا اخر، قاتل الرجل من اجل براءته، ومن اجل ما يؤمن به، وخرج منتصرا في انتخابات لا تاتي سوى من خلال صندوق انتخابات نظيف نزيه متعالي عن الفحشاء والمنكر بلغة الفقهاء .
الدرس الامريكي بالفعل يكاد يكون هو نفسه السمات الخاصة التي ذكرها ترامب بدون لغة خشب، حينما تحدث عن الحلم الامريكي والعصر الذهبي القادم ومبشرا به ، ودور الاكتشافات التي دشنها الامريكيون لفهم وجود الانسان على هذه الارض، وادوار الغربيين في عصرنة البشرية، والصعود الى الفضاء، و تميز مواطنيه في كل بقاع العالم من اجل الغاية نفسها، ومفاده بحسب لغة خطابه، ان الامريكي مصدر الهام وتفوق واعتبار على كل الاصعدة (هذا رايه وحقه ، كما لنا امالنا واراءنا فلهم هممهم وتوقعاتهم).
شارك الرجل حماسه وفرحه الشعب من وراء الكاميرا، وقاسمهم كذلك احلامهم، رغبتهم، انتصارهم ،تفوقهم، شرعيتهم ومشروعية الفعل الديمقراطي السليم، الذي يجعل بتقديري النموذج السياسي الامريكي مبهرا، دفع نبيلا فرنسيا وعالم اجتماع كبير ليس الا “اليكسي دو توكفيل ” ليكتب بلا كلل عن تلك الديمقراطية الامريكية بشغف الاوروبي الذي دهش بدولة كانت فوق التوقع منتصف القرن التاسع عشر حينما زارها.
كان لقاء ترامب وسط حضور من عائلته واقاريه وحكومته ومعاونيه ونجوم العهد الجديد الكوني للتكنولوجيا “الون ماسك”، لتتضافر الجهود مرة واحدة ،قائلة بان الفرد بالنتيجة هو كائن سياسي وان الحق في هذا الممارسة ليس مكفولا فقط للذين وحدهم يشعرون بالغبطة نفسها وهم يتموقعون هنا و هناك، او يحاولون خلق زمن سياسي لهم بالتدريج بمواهب او بدونها ، فالون ماسك نجم كبير على مساحة صار يشيدها، كاغنى رجل وكمصمم ومطور ودماغ بشري مبتكر يشارك هو الاخر نفس حلم الامريكيين الذي قال عنه ترامب”حلم يؤمن بتحقيق المستحيل” . ماسك جزء من ولادة جديدة سيجتمع فيها المال والسلطة وبدون ريبة ولا شك ولا خوف من ذلك” الزواج” . فقط لان الامريكي باعتقادي تجاوز اللحظات او امتحانات الانسان العادي كما معضلة رهانات الفاعلين بدول العالم الثالث حين الجمع بين “القوتين” الذي يحيل على الاغتراب ، بينما ليس مبرر هذه الهوة التعلمات او الثقافة او ماشابه، وانما نظام متكامل من المعايير تحدث عنه عالم الاجتماع الامريكي “تالكوت بارسونز” في” النظام الاجتماعي” قبل عقود .
لا اقول كل هذا هنا من اجل تشريح واقعنا بوسيلة او مقاربة امريكية عزاءا لنا حول خسائرنا اليومية على مستوى الاحساس اولا ، وهو شيء اساسي ومهم ،فالحواس هي المدخل للفهم، و نحن بعد لم نشغل هذه الحواس تلقائيا لنتاكد من سلامتها بالفعل ، ثانيا اردت من هذه المقالة ان انقل القاريء نحو جمال اخر ومشاهدة نموذجية واشباع( طوباوي) ليس الا ,لانه لا مجال للمقاربة او المقارنة او التنزيل كما نفعل مع الاوروبيين الذين نتبعهم دارا بدار ونعلا بنعل، مستشهدين بانجازاتهم ونظرياتهم وطروحاتهم بحكم اننا ملتصقون بهم بشيء من التاريخ والجغرافيا والدينامية، فهم بالامس كذلك كانوا امام التلفاز يستمعون بامعان، وستتكلف جامعاتهم وخبراتهم في اللغة وتحليل الخطاب وعلم النفس والانثربولوجيا والاقتصاد والسياسة والتيكنولوجيا والصناعة والتجارة والفلسفة لفهم السيد ترامب ، كلهم طبعا كانوا مشدودين لخطاب رجل ينتمي للحلم الامريكي بعيدا عن الجميع، بقاراته ومياهه وزمن اجتماعي وسياسي وثقافي وروحي يكاد يكون نقيضا للموجود على مستوى الاسرة الدولية التي تتحرك بين امكنة سلخت فيها تحولات من العالم القديم …اعتقد ان اخذ وقت قصير لمشاهدة وسماع حديث ترامب بكل محتويات التواصل البصري بينه وبقية الكرة الارضية مهم لاستخلاص عبر كثيرة حول مفاهيم عدة ودلالاتها من قبيل : الوطنية، النبل، الاستقامة، التضحية، الفهم، القوة، الشرعية والمشروعية ،الدولة، الحرية الديمقراطية،الانتخابات، تكافؤ الفرص، بل لسماع نتاج خال من الضعف والتقهقر واللامعنى، ويتجاوز بالاكيد كل الترهات السياسية الكامنة في العدم واللايقين .

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.