OCP

خالد مصباح يكتب: بصمات على درب الحياة: تأملات في النضال والتجربة الإنسانية

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية: بقلم خالد مصباح

الحياة ليست سوى سلسلة من المعارك، بعضها حقيقي وبعضها دونكيشوتي، تخوضها بعنفوان الشباب واندفاعه، لتكتشف لاحقًا أن كل خطوة، مهما بدت عبثية حينها، كانت جزءًا من بناء شخصيتك وتشكيل وعيك. في مراحل عمرية سابقة، وجدت نفسي في خضم تجربة نضالية، انطلقت من أحد أطياف اليسار المغربي، تحديدًا من الاتحاد الاشتراكي – اللجنة الإدارية الوطنية سابقًا، ومنها إلى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. كان هذا المسار مليئًا بالتحديات والدروس التي أضاءت لي دروب الفكر والسياسة.

اكتشفت من تلك التجربة أن اليسار المغربي لم يكن مجرد خطاب سياسي أو تنظير فكري، بل كان مدرسة للتكوين العميق، بأبعاد أيديولوجية واضحة، تُعلمك التمييز بين الأبيض والأسود وما بينهما من ظلال. لكنها، في ذات الوقت، تجعل طريقك ملبدًا بغيوم القلق والأسئلة المقلقة حول مستقبل الوطن وأجياله.

في موازاة ذلك، خضت تجربة حقوقية أثرت مساري بشكل عميق، من خلال انخراطي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، هذا الصرح الحقوقي الشامخ الذي لا يمكن الحديث عن مكتسبات المغرب الحقوقية دون الإشارة إلى دوره الرائد. من موقعي كفاعل في الجمعية، محليًا وجهويًا ووطنيا، تعلمت قيمًا إنسانية كونية، واكتسبت خبرة عميقة في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان. كان لهذا الإطار أثر بالغ في تكويني، حيث التقيت بأهرامات حقوقية تركت بصمتها في مساري، وعلمتني معنى الإيمان العميق بالدفاع عن الحقوق والتضحية في سبيلها.

ولأن العمل المدني لا يقل شأنًا عن العمل الحقوقي، كان لي شرف المساهمة في تأسيس جمعية حركة التويزة بابن جرير سنة 1993، والتي أعتبرها مدرسة مدنية شامخة. لم تتوقف مسيرتي عند التأسيس، بل استمر العطاء عبر انخراطي في جمعيات أخرى مثل جمعية الإقلاع الثقافي، حيث تنقلت بين العضوية والمسؤولية حتى حملت شرف رئاستها. كانت تلك الجمعيات متنفسًا وحيدًا للمدينة والإقليم، وفضاءً مفتوحًا لترسيخ قيم الثقافة والإبداع.

رغم المنعرجات الصعبة والعقبات الشاهقة التي واجهتها، كانت التجربة غنية بتعاون مشترك مع رفاق ورفيقات، أصدقاء وصديقات، صنعوا معي ذكريات لا تُنسى.

من هناك، انتقلت إلى العمل الحقوقي المؤسساتي، من خلال اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بمراكش آسفي، التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان. هذه التجربة فتحت أمامي آفاقًا جديدة، وعلمتني كيف أوازن بين واجب التحفظ المطلوب في المؤسسات الرسمية، وواجب التعبير عن المواقف الصادقة بشراسة عند الحاجة، دون التفريط في المبادئ أو التهاون في أداء المهام.

لم تكن مسيرتي خالية من الألم. رأيت الغدر والخيانة، وعانيت من الافتراء والتشهير. واجهت الظلم، أحيانًا كشخص، وأحيانًا كجزء من نضال أكبر. ورغم كل ذلك، تعلمت أن طعم الحياة لا يستقيم دون مرارتها، وأن جمالها يكمن في العمل من أجل قيم نبيلة وأهداف سامية.

أعتز بأنني لم أركن يومًا إلى الخيارات السهلة، ولم أتوانَ عن تقديم المساعدة لمن احتاجها، ما دامت في حدود قدرتي. قلبي دائمًا أبيض، طاهر من الحقد، صافيًا مثل اللبن، كما يقول إخوتنا في أرض الكنانة.

وفي النهاية، أعتذر على الإطالة لمن صادف هذه الكلمات. كنت أظن أنها ستكون مجرد خاطرة قصيرة، لكنها تحولت إلى رحلة تأملية في مسيرة لا أدعي كمالها، لكنها تجربة إنسانية تستحق التوقف عندها. “لهلا يحضر الشيطان بيناتنا”، كما يقول المغاربة دائمًا.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.