“الحاج محمد الرزكي: أسطورة الصمود في معركة محاميد الغزلان ضد البوليساريو” – الحلقة 1 –
فور تنمية . ذ عبد العالي بلقايد
كان ذلك في عام 1988، حين كنت طالبًا في منطقة تكونيت، أدرس في زاوية سيدي صالح، إحدى أعرق الزوايا في دائرة زاكورة، والتي عُرفت بصلاحها وعلمها. لم تكن هذه الزاوية مجرد مكان للتعليم، بل كانت شاهدة على تاريخ عريق ارتبط بالدولة العلوية. فقد كان مؤسسها من أوائل الذين استقدموا الشرفاء العلويين إلى منطقة درعة لتعزيز مكانة الدولة وتمكينها في المنطقة.
بعد أن نال مؤسس الزاوية الإجازة من شيخه سيدي عبد الصادق، بدأ في التدريس بزاويته بتافيلالت، ثم انتقل إلى تكونيت حيث عمل على ربط الوشائج بين الدولة والقبائل، لا سيما قبيلة أيت عطا، المعروفة بقوتها وبأسها. ولإنجاز هذه المهمة، رافقه عدد من الشرفاء العلويين، الذين شكلوا قوة تربط بين القبائل والدولة.
تلك المقدمة كانت ضرورية لأروي لكم حكاية لقائي مع الحاج محمد الرزكي، الرجل الذي واجه البوليزاريو في سنة 1980 ببطولة أصبحت أسطورة في محاميد الغزلان. وكان هذا اللقاء من خلال بوصوف عبد اللطيف، ابن حيّنا في ابن جرير، والذي ينتمي إلى عائلة الحاج محمد.
الحاج محمد الرزكي، إلى جانب شقيقه الحاج لحسن وأخ لهما غير شقيق كان يمتلك نُزُلًا (Auberge) في المحاميد، كانوا جميعًا من أبرز وجهاء قبائل محاميد الغزلان، ومن حكمائها العارفين بأسرار الصحراء وخباياها. هذه السمعة المرموقة التي اكتسبها الحاج محمد لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة أفعال بطولية سجلها التاريخ بحروف من ذهب.
أتذكر تلك الليلة التي قادتني إلى منزل الحاج محمد. كان الرجل قد أصابه مرض جعل الناس يتوافدون عليه للاطمئنان عليه، وقد حظيت بشرف تناول العشاء في بيته. وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث، حضر إلى المنزل “الكومندان” المسؤول عن تجريدة الوحدات، وهي القوة المسؤولة عن مراقبة الحدود والأراضي المتاخمة لها. كما حضر رئيس المجلس القروي لتكونيت، الذي كان في ذلك الوقت من قبيلة أيت عطا.
ما أثار انتباهي في تلك الأمسية هو التقدير الكبير الذي حظي به الحاج محمد من جميع الحاضرين. الجميع كان ينظر إليه باحترام شديد، ولم يكن ذلك غريبًا؛ فهو الرجل الذي قاد مجموعة من رجال محاميد الغزلان، مستعينًا بعناصر من الحرس الملكي الذين صادف وجودهم في عطلة بالمحاميد آنذاك، لصد هجوم عنيف شنته عناصر البوليزاريو.
بشجاعة وبأسٍ، واجه الحاج محمد وأبناء المنطقة مرتزقة البوليزاريو، معتمدين على خطط دفاعية بدائية ولكن فعالة. لم تكن لديهم إمكانيات كبيرة، ولكن إرادتهم كانت أقوى من أي سلاح. استطاعوا أن يبثوا الرعب في صفوف العدو، مما جعل المرتزقة يعتقدون أنهم أمام قوة لا يمكنهم تجاوزها.
الحاج محمد الرزكي لم يكن مجرد رجل عادي. كان رمزًا للصمود والشجاعة، وأيقونة من أيقونات الصحراء التي حفظت كرامة الأرض وعزتها. تلك الأمسية كانت بالنسبة لي نافذة على فصل من تاريخ محاميد الغزلان، فصل كتبه رجال بسطاء بإرادة لا تُقهر، ودفاع مستميت عن وطنهم.