OCP

نموذج الدولة الاجتماعية بالمغرب بين الرغبة والاشكالات.

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لفور تنمية : صبري يوسف كاتب رأي وباحث في سوسيولوجيا التنمية

 

تتجه الدولة المغربية الى إنتاج نموذج للدولة الاجتماعية أو دولة الرفاهية l’état- providence ومعناها : ضمان الكرامة والعيش الكريم للمواطنين على المستويات التي تتعلق بالجوانب الإجتماعية كالصحة والتعليم والسكن والحق في الوصول للخيرات، وإعادة التوزيع العادل لها وما يخدم مواطني الدولة على قدم المساواة بدون حيف جغرافي او مجالي . المفهوم أولا ،مفعوم” الدولة الإجتماعية” “ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية باوروبا ساعة ما عرف بسنوات الكساد الكبير world wide great depression, والذي تطلب من مختلف الدول التدخل من أجل تجاوز نتائج الكساد ،وخلق امكانات للحماية الاجتماعية للملايين من البشر .
السؤال او مجموعة الأسئلة في الحالة المغربية هي : لماذا تتجه اليوم الدولة إلى استنساخ هذا النموذج ذي الحمولة التاريخية الكبيرة بالنسبة للغربيين في فترة من تاريخهم ( بيسمارك ) المانيا 1870، بريطانيا عالم الاجتماع ( توماس مارشال ) ؟ هل للحاجة الملحة إلى “دولة للرفاهية” لان هناك أزمات صار الاعتراف بها واقع حال ،ام لان الدولة بنظرها هو” النموذج المثالي ” لمحاكاة التجارب ( الألمانية ، السويسرية ،الكندية ،الفرنسية ،الايطالية) في المقاربات الإجتماعية وتمثلها محليا؟ تم هل هناك وعي عند الفاعلين ( الجهويين والاقليميين) بالادوار من اجل تنزيل موضوعي فعال لمفاهيم الدولة الإجتماعية ،الذي اختارته الدولة في أعقاب السنوات الأخيرة ؟ بمعنى هل يستطيع الفاعلون السياسيون على مستوى التنظيمات الاجتماعيةformations de base المحلية الصغيرة والمتوسطة التنبؤ والتعبير عن اختيارات الدولة اتجاه مواطنيها من خلال مسؤوليتهم ؟ أقصد بذلك: هل يتوفر لدى رئيس جماعة قروية مثلا لتبسيط الفكرة، ورئيس مقاطعة ،ومجلس مدينة، ورئيس جهة ومجموعة جماعات ومجلس إقليم منتخب ، و جزء من المصالح الخارجية الإحساس والقدرة على الشعور بامكانيات ” الالتقاء” مع رؤية الدولة الاستراتيجية ؟
هل يستطيع رئيس جماعة أو ممثل للسكان استشراف نظرة الدولة للواقع والمساهمة من خلاله في تنزيل الدولة الإجتماعية؟التي لا تعني سوى الكرامة والتوزيع العادل للخيرات وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعويض ” ” اللاتكافؤ في الفرص” الذي لم تبرره التيارات الايديولوجية الليبرالية أو حتى الدينية بكون الفرد مسؤول عن تاخره وعن مبادراته او عن أقداره؟
ففي الحالة المغربية اليوم ومن يتابع الجهود التي تبدل ويراقب الشأن العام، يجد أن هناك فعلا اوراشا كبرى مفتوحة في كل اتجاه ، وان رغبة الدولة تجريب هذا الاختيار ليس مجرد ترف او اختيار مناسباتي، بل جاء لأن هناك فعلا واقعا فرض نفسه على الجميع .
وبالتالي فإن الفاعلين السياسيين الجهويين والاقليميين والمحليين يفترض بهم معرفة اختيارات الدولة أو ما يطلق عليه بالاتجاهات tendances في مجالات تدخلها التي تخدم في الختام المواطن، على مستوى قلقه الظاهر المترتب على وجود أزمات تشمل كل مفاصل حياته، ولا يمكن اخفاءها وهنا نكون أمام وضعيات اجتماعية هشة دائمة وليس موسمية ، بمعنى ان اختيارنا اليوم للدولة الاجتماعية أو دولة الرفاهية بحسب التعبير الانجليزي هو اختيار املته طبيعة المرحلة ( كورونا – الزلزال- الحراك النقابي- دستور 2011- المراتب الدولية على مستوى المؤشرات التي تتعلق سواء بجودة الحياة أو ما يتعلق بالتنمية عموما ). اقول هذا لأن الوعي بالازمات جزء من تدبير الحلول عادة.
في حقل التنمية عمليا ما تكون هناك مرحلة خاصة تسمي نفسها بالعوائق أو اكراهات التنزيل ،”تنزيل المشاريع “التي يتم تناولها ويقدم على ضوئها تقييم موضوعي حول حقائق النجاح ونسب الاخفاق ، نعتقد جميعا أننا اليوم في الحالة الراهنة المغربية هناك جهود وبرامج واوراش لاحداث التغيير أو احداث” حراك اجتماعي مهني, جغرافي عمودي صاعد” في كل إقليم وجهة , يحاول الإستجابة لمطالب السكان وانقاد متخلفو النظام الاجتماعي les rates du système ,من خلال توفير القانون اولا، تنزيل المضامين والمسوغات التشريعية، من أجل إمكانية اللعب ،واللعب هنا ليس ما نتوقعه من الكلمة معزولة ، وانما يقصد به تمرين القوانين والتشريعات والأطر والفعل والقصد التي تحمي كلها التنزيل من اساسه، تم هناك عملية التخطيط الاستراتيجي والتجديد والتنزيل والبرمجة ( المالية والإدارية والفنية التي يقوم بها الإنسان المؤهل علميا ومهنيا.
في مقابل هذا كله اؤمن أن اكراهات الدولة الإجتماعية ليس في الرؤية الأفقية ، وإنما في الوعي بفلسفة الدولة على المستوى القاعدي ،اي:الآلية التي يمكن بها مس المواطن الذي يعيش على الهامش في الجماعات والاقاليم الاكثر هشاشة ؟! من سيمتلك نفس هم الدولة مركزيا ليقول نعم إنني واع تمام الوعي بما يتوجب فعله محليا، وساشتغل وفق إرادة تريد تنزيل مفهوم الدولة الإجتماعية من اجل ان يستطيع “متخلفو النظام الاجتماعي” في اي نقطة الإحساس بالكرامة والانتماء، وهو يتلمس ذلك في جودة الصحة والماء والسكن والتعليم والحماية الاجتماعية وغيرها…
اردت أن اطرح هنا الاشكال المركزي وهو : كيف يمكن لمؤسسة المنتخب بأي جغرافية باعتبارها فاعلا رسميا اختبار مهامها والتماهي مع رؤية الدولة لتحقيق التأثيرات المرجوة في تراب جماعة اينما وجدت ؟
أعتقد أن زلزال الحوز بيين بالملموس أن هناك وعيا يتجلى في الازمات، وهو وعي جماهيري شعبي عاطفي ،مكتف،مختلط .لكن الحاجة غدا هي إلى مجتمع مدني قوي ممارس ،مختص مؤسساتي ،يمكنه أن يلعب أدواره المنوطة به دستوريا ووفق القوانين والأنظمة ( الجهوية والاقليمية والجماعية).
فالفاعلون الذين بامكانهم ارساء “دولة الرفاهية” وجعل المغرب الممكن ( تقرير الخمسينية) ممكنا ، واقعا وليس طموحات هم الفاعلون الرسميون والغير الرسميين . وفي هذا نحتاج إلى مجتمع مدني يمكنه أن ينقل الوعي بالمرحلة نحو مراقبة مدبري الشأن المحلي إلى تنزيل موضوعي لدولة الرفاهية، التي لا تعني سوى أن هناك أزمات وأن الحل للخروج منها لتمس التنمية لكل مواطن فرد، جماعة ،مدينة، قطب… هو هذا النموذج الذي جرب في ألمانيا (بيسمارك) وجرب في انجلترا وسويسرا ا ،كندا وفرنسا وايطاليا والهند والبرازيل، وجرب في الدولة الرومانية قرونا إلى الخلف وكانت له وجاهته “الماكرو “.
من يتابع المشهد المغربي يدرك لتوه، أن هناك رؤية وفلسفة اشتغال تريد القفز بالبلد إلى الأحسن ( كأس العالم 2030- مراجعة مدونة الاسرة- المؤتمرات والندوات الدولية المهمة – اعمار الحوز – السجل الاجتماعي – دعم الأسر المعوزة- بناء وتشييد الكثير من المؤسسات والبنيات الحيوية في قطاعات الرياضة والتعليم والصحة والطرق والتكنولوجيا ،وتفعيل مضامين الدستور ) كله يوحي بأن هناك رغبة كبيرة من أجل تخطي عقبة”التفاوتات المجالية “والتفاوتات الاجتماعية ” وتحقيق “مبدأ العدالة الاجتماعية والمجالية وتحقيق “الانصاف التنموي” على أساس جهوي تضامني ( دستور 2011) متوازن ،ليشعر الجميع بدفء الوطن ، مواجهة التحديات، مزج الروح الليبرالية بالقيم الدينية التي ترفع عن الفرد أحيانا حيف تحمل مسؤوليته في قدره وواقعه واتهامه بكونه نتاج جهوده الخاصة لاغير وليس لأن غياب شروط وجوب هي التي منعته التسلق والرفاه الاجتماعيين، والحلول بدل هذا الحكم محل دولة لا تلوم أحدا على واقعه، بل تحمي الجميع للوصول الى الخيرات الجماعية الوطنية، حتى لا يبقى احدا خارج مركب النجاة الذي يحمي الضعيف والقوي في الانتماء للوطن والاستفادة من امكانياته وليس اللجوء ل ( سفينة فوكو ) …
الفكرة المركزية والجوهرية جيدة وتنم عن حسن النوايا والاحساس بالمواطنين ( الرعايا) واشراكهم بات واضحا ، إنما شكوكي الظاهرة والتاوية تحرمني هذه الأمنية وتقول لي: أين لنا بالذين يمتلكون نفس هذا الاستقلال والاستقبال الجيد للتوجهات والاشارات جهويا ومحليا ،بعيدا عن الاصطفاف السياسي الضيق ، والعوالم المصغرة microcosmes الحرجة كذلك، والمصالح الفئوية وحالات اللاوعي، وتغييب شرط ربط المسؤولية بالمحاسبة المعجل النفاذ ؟ لأنه ومنذ بداية التفكير في الوجود وصل البشر الى منطقين لا ثالث لهما للوفاء بالالتزمات :اما القواعد الأخلاقية او القواعد القانونية ،ففي غياب الاولى علينا استدعاء الثانية وباقصى سرعة لحماية “التعاقد الاجتماعي” اللازم لمصلحة للجميع.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.