OCP

محمد بوخار يكتب : من أيام سيدي مول الواد الجميلة. 1

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية. محمد بوخار

مرت نحو ساعة بعد الضحى، حين تردد دوي البارود فجأة، فاختلجت ملامح اسعيد، واضطرب قلب جوزيفين، أما سالم فقد بدا فرحا عندما انطلقت زغاريد النساء، وعلا توسل الرجال: ” يا جاه النبي… “، فأسرع في اللحاق باسعيد وبجوزيفين، وسار معهما صعودا وسط الزحام، إلى أن انتهوا إلى صعيد مستو انبثت فيه جلاميد بيضاء، تسرح في ظلها النعاج وتقفز فوقها الحملان، ولاحت من علوه قبة ضريح سيدي مول الواد وسط السرادق والخيام، تنتصب وراءها مرتفعات تمتد حتى واد أم الربيع.
أيام جميلة استيقظت في ذهن اسعيد، وذكرته بالسنوات الأولى من شبابه، عندما كان يقطع مسافة نصف يوم من الدوار الذي يسكن فيه، ليحضر الموسم راجلا مع شلة من الأصحاب. لم تكن تهمهم زيارة سيدي مول الواد، أو خوارق عيساوة، أو ألغاز المجاذيب، بقدر ما كانت تستهويهم حلقة الجيلالي المداح، ذلك الرجل الخمسيني، الذي كان يتجمع حوله الكبار والصغار بعد العصر، وهو واقف في وسط الحلقة بجلبابه الصوفي البسيط، يمسك بيديه دفا مربعا، لينقر عليه نقرات خفيفة برؤوس أنامله، قبل أن يضعه فوق جراب له على الأرض، ثم يحمل عصا رفيعة يلوح بها في الهواء وهو يصيح: ” يا سادة يا حضار … صلوا على النبي المختار … ” فترتفع أصوات المتفرجين: ” الله يصلي عليك أ رسول الله… ” ثم يستأنف: ” زيدوا في صلاتو ” ، فيزيدون الثانية والثالثة، إلى أن يرفع يده، ويشرع في إتمام قصة سيدنا علي مع رأس الغول: ” بعد الذي كان في قديم العصور والأدهار، بين سيدنا علقمة وشميشة بنت الخُمَيِّيسْ المشهور برأس الغول الجبار، نكمل اليوم حكايتنا لما جرى وصار، لهذا الكافر على يد سيدنا علي المُكَرَّم المغوار… ” ثم يلوح بعصاه مرة أخرى: ” صلوا على النبي…” وترتفع الأصوات أعلى من المرات الأولى: ” الله يصلي عليك أ رسول الله… الله يصلي عليك أ رسول الله… ” ويبدأ الجيلالي المداح في سرد القصة إلى أن يقول: ” … تقدم سيدنا علي نحو رأس الغول و دعاه إلى المبارزة، فاغتر الكافر بنفسه، وأقبل فوق فرسه يختال في درعه، ثم صاح صيحة عظيمة، وكر نحو سيدنا علي الذي عاجله بضربة من سيفه ذو الفقار، فشق رأسه وجذعه إلى قسمين. بهت كبار جيش الكفار، وهجموا كرجل واحدعلى سيدنا علي الذي رفع سيفه البتار، فصلى كبر، ثم اخترق الصفوف، فتطايرت الرؤوس عن الأعناق، وفر العدو وولوا الأدبار… “.
كان الجيلالي المداح أثناء ذلك يصيح وينادي، يتقدم ويتأخر، ويجعل من عصاه تارة سيفا يهوي به جهة اليمين وجهة الشمال، وتارة حربة يرميها في الهواء. وكان اسعيد يحلم، ويتمنى لو كانت له قوة سيدنا علي، وله سيف مثل ذي الفقار…
أما بعد العشاء، فكانت تقام فرجة أخرى، يرتفع فيها عزف الكمان وإيقاع ” الطعريجة “، مصحوبا بتأوهات الشيخة في خيمة ” الرمى “. فيأخذ اسعيد وأصحابه مكانهم إلى جانب رجال وفتيان آخرين، يفسحون لهم مكانا حيث يكونون قريبين من الشياخ، ليصاحبوهم في الغناء بالنقر على أي شيء يجعلهم يتماهون مع عيطة النيرية التي كانت تفتتح بها الفرجة، فيرددون كلماتها مع الشيخة التي كان صوتها يعلو تأثرا وحماسة، يجعل حتى بعض من تجاوزوا الستين، يكادون يفقدون صوابهم، فيهبون واقفين لينزعوا عمائمهم، ويرمونها في الهواء، وهم يصيحون: ” وا مرحبااااا بكم أ الرحامنة… “.

مقتطفات من رواية ” إسبيرانزا “.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.