OCP

الباحث السوسيولوجي د الايبوركي يكتب عن مظاهر النفاق الاجتماعي خلال رمضان

1

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لفور تنمية. د عمر الايبوركي

تنتشر مظاهر النفاق الاجتماعي خلال رمضان، والكل يصر على الظهور بمظهر المتدين، رغم أنه يرتكب المعاصي، فما هي أسباب ذلك؟

النفاق الاجتماعي سلوك جماعي سائد في المجتمعات العربية والاسلامية، وهو ناتج عن الشخصية الانفصامية التي تستجيب لمؤثرات الحياة بوجهين مختلفين، يتجلى ذلك في تناقض بين الباطن والظاهر. ويمكن ارجاع سبب هذا السلوك الى نوع التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد في مجتمعه، ومن خلال تمثلاته للتدين. فهو يتربى على تقديس بعض الطقوس الدينية حفاظا على دوره ومركزه الاجتماعيين فقط، ولكن سلوكه الجوهري تتحكم فيه متغيرات اقتصادية وثقافية بعيدة عن جوهر دينه. ففي المجتمع المغربي نلاحظ ان الصيام من الطقوس المقدسة لا يتم التسامح مع من يتظاهر بالإفطار مثلا على الرغم ان نسبة الصائمين مرتفعة اذا قارناها بعدد المواظبين على الصلاة والتي هي فريضة اساسية في الاسلام. كما ان فئة من الناس قد لا تؤدي الصلاة الا في شهر رمضان، وما يفسر هذه الظاهرة هو امتلاء المساجد بالمصلين في شهر رمضان دون الأيام الأخرى…
وبناء عليه يمكن فهم السلوكات المناقضة لواجبات الصيام بل تلك التي تتعارض مع مبادئ الدين الاسلامي كالتسامح والعفو والمحبة والتعاون، فلا غرابة ان ينتشر العنف والجريمة، وترتفع نسبة الدعارة خلال هذا الشهر لأن المحرك هنا هو اللاشعور الذي يتحكم في سلوك الشخص أكثر ما تتحكم فيه الواجبات الدينية والأخلاقية….

هل تسامح المجتمع مع هذه الفئة والاعتماد على”عين ميكة”، من أسباب استمرارهم في هذا النوع من النفاق؟
أعتقد ان السلوكات الفردية اصبحت تتحكم فيها متغيرات خارج عن المجتمع، بل متغيرات تمارس ضغطا على ذات الفرد نفسه الذي لم تعد المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة توجهه نحو مبادئ المجتمع المسلم، بل تتحكم فيه قوى الاستهلاك التي تنشر العلاقات التدميرية بين افراد المجتمع الواحد، وهذه من الأسباب الدافعة الى استمرارية العلاقات المتناقضة او ما نسميه النفاق الاجتماعي. قد يتحرك اللاشعور الديني خلال شهر الصيام وتطفو على مستوى السلوك بعض المظاهر من الورع والتقوى، ولكن سرعان ما يعود الفرد الى سلوكه اليومي الذي يدفعه الى الغش، والعنف والشتم تجاه الآخر، وهذا ما يدعى بالترمضينة عند المغاربة، وهي حالة سلوكية وبيولوجية يخرج صاحبها عن نطاق المقدس الى المدنس بسبب الامتناع عن التدخين أو التعاطي للمخدرات بالنسبة للمدمنين مثلا. فالنفاق الاجتماعي على مستوى السلوك هو القاعدة والأصل واما الامتناع عن الرفث والفسوق فهو الاستثناء…
كيف يمكن القطع مع النفاق “الرمضاني”؟
لا يمكن القطع مع النفاق الرمضاني الا بتأهيل الفرد اجتماعيا وثقافيا عن طرق التنشئة التي تساهم فيها كل المؤسسات من الأسرة الى المدرسة، وخاصة وسائل الاعلام التي تصدرت الدور البارز في توجيه السلوكات، وتحديد الاتجاهات الفردية. وهذه العملية تتطلب تنشئة أجيال على احترام المبادئ السامية للدين الاسلامي كما كانت بعض المؤسسات الدينية كالزوايا التي تربي الاجيال الماضية على التدين الأخلاقي والعلاقات الانسانية. غير ان التحولات المجتمعية بفعل التطور التكنولوجي، وانتشار التطرف بكل انواعه الانحرافية أجج مثل هذه الظواهر التي تنشر الكراهية والتباغض بين أفراد المجتمع الواحد حتى في شهر الصيام الذي يبقى مقدسا على مستوى المظاهر والاستهلاك، واما التصرفات فتبقى بعيدة كل البعد عن قدسية هذا الشهر…

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تعليق 1
  1. عبد الواحد بلقصري يقول

    التحية والتقدير للاستاذ العظيم ايبوركي
    مقال متميز ينم عن رصد اجتماعي قوي لظاهرة النفاق الاجتماعي في رمضان التي كما اكدت استاذي تعبر عن انفصامية شخصية المواطن المغربي وبدن تنشئة اجتماعية حقيقية ووعي مجتمعي بأنماط ثقافية رائدة لا يمكننا خلق مواطنة فاعلة
    دام قلمك استاذي الكريم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.