احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
فور تنمية:فاطمة الزهراء الشايب
قصة
نلجأ للنوم أحيانا ليس طلبا لراحة، ولكن هربا من الواقع. عندما يؤلمنا التواجد في واقع نرفضه، نهرب منه، بل و هناك من يفكر في النوم الأبدي حتى لا يعود إليه. ظننت أنني باختياري هذا سأحقق راحتي النفسية، وأنام دون أن استفيق. إحساس رائع، ولكن الوصول إليه ليس ممكنا دوما. يستطيع التفكير في الحياة و التعمق فيها، أن يحررك من الواقع، الذي أنت فيه. الحياة صديقي صديقتي مسرحية كبرى أعجبتنا أم لم تعجبنا ذلك غير مهم، فقد دفعنا ثمن التذكرة مسبقا. بل، بتنا ممثلين فيها: لكل دوره وشخصيته فيها . ويسعدني أن أشارككم قصتي ودوري الذي لعبته في هذه المسرحية.
منذ أن بلغ عمري 12 سنة، حرمني واقعي من العديد من الحريات، يكفي أن أذكر منها حريتي في ارتداء أي نوع من الملابس، فرض علي أيضا الحجاب، كان الواقع يخيط لي شخصيتي، فبدا لي بمثابة سجن خارجي، يقف أمام ما كنت أريده. ناهيك عن السجن الداخلي، الذي يردد صدى السجن الخارجي: لا تقولي هذا… اجلسي هكذا …لا تفعلي هذا… الفتيات لا يخرجن، ابقي في المنزل… اخفضي صوتك: لا لا لا لا…. هذه اللاّ كانت تزعجني وتسجنني. الأكثر من هذا، والذي أثر على نفسيتي كثيرا، هو موت أعز صديق لي في هذه الدنيا . كان يعرف أسراري، وحاجياتي، وأفكاري و نقاط سعادتي وضعفي. كان يعرف كل ما يقلقني، وكنت ألجأ إليه حينما يضيق صدري. موته امام عيني في حادث سير المت قلبي كانت دماؤه تعمر الطريق… مشهد لا احب تذكره و استرجاعه لا زالت كلماته تعانق روحي، لا زلت أذكر كيف كان ينصحني، و يردني الى الطريق المستقيم. كان كل شيء بالنسبة لي: أمي و أبي و أخي، كان كل شيء، لكن القدر فرقنا… تركني في هذه الدنيا الكئيبة وحدي، لما انتقل إلى العالم الآخر، مررت بفترة عصيبة جدا، دامت سنة و نصف تقريبا، ولازالت بعض جروحها لم تلتئم بعد.
أقفلت على قلبي و نفسي لكي لا أتعلق بشخص آخر، كما تعلقت به رحمه الله. كلما استرجعت ذلك الحدث، تغرق عيناي في الدموع. في السنة الفارطة لما التحقت بالمدرسة الثانوية التأهيلية، تضاعفت مشاكلي وبدأت تضغط علي يوما بعد يوم: أخذت مني أمي الهاتف الذي كان و سيلتي الوحيدة للخروج من العالم الحقيقي. كنت أهوى العيش في العالم الافتراضي، و كلما أكون على الرصيف أتذكر ألمي في المدرسة. ورغم ذلك، أحاول أن أكون شخصية عادية، لا تظهر عليها أي مشاكل أو اضطرابات. كنت أظهر في صورة شخصية سعيدة، لكن في الحقيقة، فقد كنت أخفي شخصيتي الحقيقية الكئيبة وراء قناع الفتاة المرحة الشجاعة. فسعادتي شجاعتي وشخصيتي. في العطلة الصيفية أحسست باختناق وضيق كبيرين، بقيت في هذه المدينة الكئيبة لم أر عالما آخر كما يراه الناس. منذ وقوع الحادث أي ثلاث سنوات، لم أسافر قط، و كلما سمعت أن أحدا سافر خارج مدينتي، يقشعر بدني و أحس بإحساس غريب. حلمي أن أسافر يوما واحدا فقط بعد معاناتي، وحدي أو مع شخص يفهمني. لكن أظن أن هذا الحلم، لن يتحقق.
كنت أغبط كثيرا الطلاب الذين يمكثون في ”الداخلية“، بعيدا عن أسرهم، وأتمنى أحيانا أن أكون مكانهم للاستمتاع أكثر بحريتي وأنشطتي وقراءاتي..
تغيرت حياتي و تعقدت أكثر فأكثر، لدرجة أنني لما أسمع خبر وفاة أحدهم، أقول في نفسي الحمد لله على سلامته، لقد تحرر من مشاكل الحياة، لقد تحرر من هذا الواقع المؤلم، لقد أنعم عليه الله بالنوم الأبدي. كنت أتمنى لو أكون مكانه. كم حاولت من مرة أن أجهز على نفسي، لكن كان هناك دائما جزء ما بداخلي، يقول لي لا، أرجوك لا تفعلي، قد تتغير حياتك، لكن، كن أظن أن الأمر مستحيل، فهي دائما ما تؤول للأسوأ
كنت أقول في قرارة نفسي، أن لا أحد يكترث لأمري. لا أحد يهمه إن مت، أو عشت. لا أحد يكترث لي. و قبل شهر من انتهاء العطلة، فتحت حسابي في الفايسبوك، بعد أن حصلت على هاتفي المسلوب، و أصبحت الرسائل تتسارع و كل ما فيها هو: أين كنت كل هذه المدة؟ أين أنت، فقلت يا للعجب، أصبح لدي من يسأل عني، و ما استوقفني، هو اهتمام أستاذ اللغة الفرنسية لأمري، فبمجرد ما سمع بأنني لست في حالة جيدة، سأل عني، وحاول مساعدتي. هنا أدركت المثل الذي يقول تستطيع أن تجد الخير في الغريب أكثر من القريب رغم أن أستاذي ليس غريبا عني. لقد أرسل إلي أستاذي العزيز كتابا تحت عنوان ” الشمس في يوم غائم “، للكاتب حنا مينة. عالجني هذا الكتاب، وأنقذني من مأساتي، وغير وجهة نظري للعالم ونظرتي لنفسي علمني أن أستغل معاناتي لبناء شخصية قوية، و قررت بعد قراءتي له إبعاد فكرة الانتحار من ذهني نهائيا والتشبث بالحياة، وأقنعت نفسي أن الحياة قد تمنحني حقي في عيش أحداث سعيدة، تفرح قلبي كباقي الناس، لهذا اتخذت من القراءة رفيقة لي، وعمدت في هذه السنة إلى التسجيل في مكتبة المدرسة “بيت الحكمة”، لملء وقتي بقراءة الكتب، والانشغال بالأنشطة و المساهمة في تفعيل و خلق جو متميز في الحياة المدرسية، فشفيت من ألمي.