الباحث في الفكر والفلسفة رشيد البلغيتي العلوي يرصُد ارتباطات الفلسفة بأسئلة السلطة، والخوف، ومدن الوبَاء…
فور تنمية:
ضمن سلسلة حوارات تقترحها جريدة فور تنمية على زوارها مع مفكرين ومثقفين وأدباء ومن أجل فهم أكثر وأعمق للتغيرات التي عرفتها المجتمعات بعد تفشي جائحة كورونا .
نستضيف في الحلقة الـ 23 من حواراتنا الأسْتاذ الباحث في الفكر والفلسفة المعاصرة رشيد البلغيتي العلوي الذي يرى أن الحقيقة التي انجلت بسبب فيروس كورونا لها صلة بغياب الشرط الانساني للوجود، والذي يتمثل بحسبه في: الفكر والحرية للوجود في هذا العالم وهما الفكر و الحرية و تفريغ العالم من القيم الإنسانية بعدما انتصر منطق السوق و المال في إدارة الحُكْم لتمتد أزمة القهر الإنساني في عالم تفنن العديد في توصيفه و تسميته.
مرْحباً بالأستاذ والباحِث في الفكر والفلسفة رشيد البلغيتي العلوي، أتقدّم لك بدايةً باسمي وباسم جريدة فور تنمية بالشكر الجزيل على قبولك إجراء هذا الحوار معنا، وأوَدّ أن أَبْدأَهُ، بسؤالٍ عَن رأيِكَ فِي هذا “العالَم المختلِف” الذي أوقفَتنَا عليْه “كورونَا”؛ إذ الظّاهرُ أنّنا علَى مقربَة من اختبَارات حقيقيّة لذواتِنا وصبْرنَا علَى أنفسنَا وسيَاسَاتنَا، فِي حالِ استمرّت الحالُ علَى ماهيَ عليه.
تحية وتقدير متبادلين عزيزي الأستاذ عبد الواحد أيت الزين، والشكرُ موصولٌ لك على تهييئ وإعداد هذه الأسئلة، ولفريق فور تنمية على هذه الاستضافة عبر منبركم الإعلامي الجاد الذي نتمنى له مسيرة موفقة.
تفاعلاً مع سؤالك، قد نتفقُ جميعا أننا صرنا نعيش حالةً من القلقِ والارتباكِ والتوجسِ، أمام هذا الحدثِ الجَلَلْ المباغتِ لوجودنا وعالمنا. هذا المرضٌ العصيٌ عن الفهم، الذي حشر نفسه في حياتنا حتى صار يشغل بال الجميع ويفكر فيه كل كائن عبر المعمور. لِمَا له من قدرةٍ مخيفةٍ على الانتشار، يكاد يكون زئبقيًّا لا يمكن التنبؤُ بما سيكشف عنه. ليضعنا في معضلةٍ عسيرةٍ متعددةِ الابعاد سواء بعلاقتنا بالوجود والعالم أو بعلاقتنا مع ذواتنا والآخرين. إننا أمام عالمٍ أنهكتهُ الهشاشة بفعل تسيد الرأسمالية المتوحشة وتغليب منطق السوق على الرفاه الإنساني مع اتساع رقعة الفقر عبر العالم وانتشار الفوضى. خاصة مع وصول شخصيات استبدادية ديماغوجية تسير العالم. كما أفرز كذلك حالةً من الفراغ التي يمر منها العِلْم الذي سُخر لأغراضِ الهيمنةِ والتبعيةِ بدلَ خدمة الإنسانْ. وها نحن نلمس بشكل لا يدع مجالا للشك، الحاجة إلى باراديغم جديد في تعاطينا معه. لذا، التفكير في هذه الجائحة يجب أين يكون في كليته، بما هو تفكير في هشاشة الوجود الإنساني ككل، الذي تشكلت معالمه من مدة طويلة. وكل ادعاء بامتلاكِ وصفةٍ ما في فهم ما حدث وما سينجم عنه هو مجرد ادعاء صادرٌ عن هوى وأضغاث أحلام. كل ما نمتلكه هو هذا التراكمُ من الأزماتِ التي عرَّتها الجائحة والتي جعلتنا نواجه وجهها القبيح بعدما كنا نتجاهلها ولا نضعها موضوعا للتفكير.
أولى مواجهتنا المباشرة مع الكوفيد 19، والتي كان لها الوقعُ الكبيرُ على حياتنا هو الدخول فيما يسمى بحالة الطوارئ التي نسجت معالمَ حياةٍ مختلفةٍ عنا، لم نَأْلَفها، ولربما ستساهم لا محالة في وسم أولى معالم هذا الذي أَسميته بـ “العالم المختلف”. فبعد أن غزت وضعية الطوارئ المجال المؤسساتي والاجتماعي، وصرنا نعاينها في أبعادٍ مُتباينةٍ ترتبط بالأزمات إما بتدبير الكوارث الطبيعية أو حالة الحرب أو استنفار المخاطر والاضطرابات التي مست بعض الدولة، ها نحن اليوم في وقتنا الحاضر نعيشها في كل تجلياتها.
سيكون من المفيد جدا لنا لو استحضرنا دلالة مفهوم “الطوارئ “، في مقال له حول” La Rhétorique de l’urgence” ينبش الباحث الفرنسي ريمون بينيف Raymonde Bénévent دلالات و معنى “الطوارئ “فاللفظة الفرنسية «urgence» ذات الأصل اللاتيني “urgeo” الذي يفيد معناه العام ” الضغط” تحيل على صفة لما هو ملح وما لا يحتاج التأخير ويستدعي التصرف بسرعة، إنه ذلك الوضع الذي يتسبب في ضررٍ أو خطرٍ لا يمكن إصلاحه إذا لم يتم معالجته على الفور. مثاله ما نعثره لدى شيشرون في عبارة «l’occasion urge» ما يمكن ترجمته ب”الفرصة الملحة “التي تستدعي تصرف الحكيم في لحظته قبل مرور الوقت لتجنب الخطر، و قد نلمس بعدًا زمنيًا آخرَ لها كما هو عند هوراس الذي يربط الاحاح بالمثابرة أي الحاجة الملحة، للإصرار على مشروعٍ أو لحظةَ وعيٍ يقظ مستمر . وخلال سنة 1340 سيظهر مفهوم الطوارئ كاستعمال في المجال الطبي وسيبقى محدود الاستعمال إلى غاية القرن 19 حيث ستنشأ أقسام طبية خاصة تحمل نفس اللفظ.. وللإشارة هنا فالدلالة اللاتينية بقيت حاضرة في بعدها الزمني الذي يقتضي التدخل بشكل “مُسْتَعْجَلٍ” و “مُلِحٍ” وتحمُّلِ “الضَّغْطْ”.
إن غايتي من كل هذا هو بداية الدعوة إلى التفكير في مفهوم الطوارئ المتعدد الأبعاد والتحولات التي عرفتها دلالته، ثانيا تكمن غايتي الأساسية في النظر إلى هذا المفهوم الذي يبدو أنه متورط بشكل ما في رسم معالم ذلك الذي سميته “بالعالم المختلف”. فلأول مرة في التاريخ تجتمع دلالات المفهوم لتصف الحالة التي صرنا نعيشها اليوم.
قد أُثيرَ الكثيرُ من الجدلِ حول مسألة الطوارئ وأثارت نِقاشًا واسعًا لدى مختلف المهتمين سواء بأبعادها القانونية والحقوقية أو ما يتعلق بآثارها الآنية والبَعْدِية على الانسان والعالم. ما دفعت مفكراً كألان تورين يرى “أننا في عالم لم يعد كما كان”. ليس من الغريب أن تظهر أصواتٌ مشكِّكةٌ في إعلان حالة الطوارئ على غرار كتابات الفيلسوف الإيطالي جرجيو أغامبين صاحب كتاب “حالة الاستثناء الإنسان الحرام ” )التي استلهمها من المفكر كارل شميت موظفا عليها الأدوات التحليلية لأستاذه ميشيل فوكو ( حيث كانت الفرصةٌ سانحةً لتأكيد تصوراته ، بتوجيه سهام نقده إلى الحكومة الإيطالية مشككا في النوايا الحقيقية وراء إثارة الذعرِ و الخوفِ بسبب الحِجْر و اعتبرَ الأمر مبالغٌ فيهِ ، يخفي نوايا السيطرة التي تبحث عنها السلطة للهيمنة على المجال العام و التي عبر عنها بشكل صريح في مقاله “اختراع وباء ” .فالتهديد الحقيقي في نظره ليس هو المرض في حد ذاته بل “مناخ الدعر ” الذي تسببت فيه وسائل الاعلام و السلطات حول المرض بحيث فسح المجال لها لتقييد الحركة و التجمع و الاجتماع الطبيعي.
يبدو أن شيطنة حالة الاستثناء أو إن شئتم تفاصيل هذه المؤامرة الخفية كما تصوَّرها، مردُّها، الخوف من أن يتحول الأمر إلى ذريعة للمراقبة وأسلوب للحكم كما وقع في ألمانيا النازية. )للتوسع في الموضوع يكفي العودة إلى الفصل الخاص بحالة الاستثناء كنموذج للحكم خاصة الصفحات 41-42-43(. تخوفٌ لا ينكرُ مشروعيَّتهُ الفيلسوف النمساوي سلاوفوي جيجيك لكنه يراه متماديا في المغالاة و التهويل و اعتبره متطرفاً و تعبيراً عن موقفٍ يساريٍّ يُهوِّلُ من قراءة و تفسير الوقائع ،صحيحٌ أن تدابير الحجر الصحي تحد من حريتنا حسب جيجيك، لكن بدل أن ننزع نحو تفسير مغرض لن يفيدنا في شيء ولن يبدد حقيقة التهديد الذي نشعر به، وجب بالأولى العمل على إظهار الصورة التي يتم فيها سوء استعمال السلطة على غرار ما فعله جوليان أسنج، ويضيف أن حالة الوباء و ما فرضته من طوارئ أعطى دفعة جديدة من التضامن المحلي والعالمي وبيَّنت بشكل ملموس الحاجة إلى السيطرة على السلطة نفسِها.
ربما ما تحاشاه جيجك في رده وحاول استدراكه فيما بعد هو التاريخ السيء للسلطة وأثرها الأخلاقي في تدبير حالة الطوارئ وهو ما انتبه إليه هابرماس بإثارته معضلةً أخلاقيَّةً متسائلا كيف أفضت حالة الاستنفار الطبِّيِ إلى ضربِ وانتهاكِ المساواة العامة بين الناس بتحيُّزِ عنايتها الطبية للشباب على حساب المسنين؟ وتساءل هنا عمن هذا الذي يمكنه أن يُفاضِلَ بين حياة انسان وانسان آخرَ ويعطي لنفسه حق اتخاد قرارِ الحياةِ أو الموت؟ صحيح أن هابرماس تفهم حالة الطوارئ وتقبلها لضرورة حماية الحياة أولا وأخيرا طالما تلتزم بمبادئ الدستور، لا أن تتحول إلى فرصةٍ للإجهازِ على صوت المعارضة كما هو الوضع ببلاد المجر.
عُصارَةُ القول، لا بد أن تداعيات حالة الطوارئ حتى بعد رفعها سيكون لها وقع كبير على وجودنا وعلى حياتنا بشكل عام، عَلَّنا مقبلين على عالمٍ مختلفٍ نحن فيه في أمس الحاجة إلى إعادة الاعتبار للعلم وأنسنته والمصالحة مع وجودنا وإعادة الدفء لعلاقتنا مع الغير ومع العالم وإعادة الاعتبار لدولة الرفاه فقد كشفت الجائحة الدور المغيب للدولة، الذي يجب ألا يبقى طارئًا بل هو من صميم مشروعية وجودها.
أيّ فهمٍ يمكِن أنْ تفتحنَا عليه الفلسفَة لما يجْري أستاذ رشيد، أم أنّ “الفلسفَة” (المنيرفا) لَم يحِن زمَن طيرانهَا بعْد؟
دعني أبدأ بالجزء الثاني من سؤالك، فيما يتعلق بالفلسفة “كمنيرفا”، وما إن كان ميعاد طيرانها قد حان وقته. بدون شك أننا بهذا السؤال نضع موضع قدمنا داخل الفلسفة الهيجيلية إن لم يكن في وسط الرَحى التي جمعتْ لنا عُصارة فلسفته. وقد لا نختلف أنه من خلالها حدد مهمة الفلسفةِ والفيلسوفِ. يقول في آخر كتبه “أصول فلسفة الحق ” ” فحين ترسم الفلسفةُ لوحتها الرماديَّة: فتضع لونًا رماديًا فوق لونٍ رماديٍّ، فإن ذلك يكون إيذانا بأن صورة من صور الحياة قد شاخت …لكن ما تضعه الفلسفة من لون رمادي فوق لون رمادي لا يمكن أن يجدد شباب الحياة ولكن يفهمها فحسب. إن بومة مينرفا Minerva لا تبدأ في الطيران إلا بعد أن يُرخي الليل سدوله”. إن هذا الحضور الرمزي للبومة بما هي “منيرفا” فيه ما فيه على حد تعبير الأثر الصوفي، إنه يقوِّضُ بشكل ما الوعي السائد حول هذا الطائر والصورة الذهنية التي تشكلت عنه، فبخلاف السرديات المتقدمة عن هيجل خاصة القروسطوية التي رأت في البومة رمزاً للشؤم والخراب والنجاسة وإيذانا للموت وغيرها من الصور الذهنية التي ربما تجد جدورها في السرديات التراثية القديمة كمزمور داوود في كتاب العهد القديم. نجد هيجل يعود إلى البومة بما هي منيرفا في رمزيتها اليونانية محافظا على شعريتها لكنها مشفرة بنفس الأسلوب الذي اعتاده لتتحول إلى رمزٍ للفلسفة.
يحدد هيجل مهمة الفلسفة بكونها ” أن نفهم ما هو موجود ” إنها تعبير عن زمانها ،”فمن الحمقِ أن يتصور امكان تجاوز الفلسفة لزمانها الخاص ” لذلك فهي ” تنحصر فيما هو كائنٌ” ، إذ لا تتعلق الفلسفة بنسج الأوهام و الابتعاد عن واقع الحياة العملية إنها الحياة و هنا أستعير عبارة إمام عبد الفتاح إمام “نفسها معبرٌ عنها في صورة عقليَّةٍ ” .ثمة رأيين شائعين في فهم مهمة الفلسفة و هو ما جعلنا نصادف أكثر من هيجل في فهمنا للواقع : هيجل المحافظ الخنوع وخادم للسيد كما قال بوبر و غيره حيث اتهم بحماية النظام الأبوي و المعايير الاجتماعية السائدة في عصره و هي التهم التي يلصقها اليوم البعض لل”مفكر” كخادمٍ للنظام ، وبين هيجل الذي فتح عين الفلسفة على الواقع بعد أن اكتمل و تشكل باعتبار الفلسفة فكر لاحق أو فكر ثانٍ .إذ لم يسعى إلى تشييد نظام معين بل إنه يرسم حالة اجتماعية معينة بعد أن تجاوزها الزمن بوعي ثام . وفي تعليق طريف للفيلسوف جيجيك عن الأمر يقول: “عندما يكتب هيجل أن أي نظام تاريخيٍّ محددٍ لا يمكن فهمه إلا بعد أن ينتهي وقته، هل تعتقدُ أن هيجل مغفلاً ولا يعرف أن نفس الوصف من الممكن أن ينطبق على كتابه، «فلسفة الحق»؟ هيجل لا يرسم نظاماً ويفرضه كشكل اجتماعي محدد، بل هو يرسم حالة اجتماعية بعد أن تجاوزها الزمن بوعيٍ تام. حالنا اليوم يشبه فلسفة هيجل تماماً، أكثر بكثير من ماركس”. فالوضعُ كان رهيناً بشروطٍ تاريخيةٍ ارتبطت بتقهقر واقع ألمانيا الباهت مقارنة مع فرنسا وبريطانيا كقوتين عرفتا ازدهارا مهما آنذاك، دفعت هيجل إلى الدعوة إلى النظر في هذا الواقع وفق شروطه المادية والتاريخية التي أنتجته، بعيدًا عن النظرة السطحية والعشوائية التي تعتمد على الصدفة والأهواء بل نظرة واقعية هي نظرة العقل.
بهذا المعنى تزدهر الفلسفة في خضمِّ الأزماتِ والمحنِ كالتي نعيشها. لهذا فهي تُسائل حالتنا الوجودية اليوم أكثر من أي وقت مضى ومطالبةً في فهمِ واقعِ الهشاشة الذي نعيشه وحالة الطوارئ التي غدت السمة المميزة التي يعيشها العالم. هذا من جهة، من جهة ثانية أظن أن الفلسفة وحدها قادرة على إعادة صياغة وطرح سؤال ما الإنسان؟ بما يتعلق بوجوده في العالم وعلاقته بالطبيعة وإعادة الاعتبار إلى العلم الذي يبدو أنه يعيش أحلك أيامه. هذا ما تفتحنا عليه الفلسفة إيذانا بتحليق طائرنا المحبوب.
عرّى “الوبَاء” لحْمَ العَالَم، وكشَف بعْض مواطِن قُبْحِه. لنأخُذ علَى سبيلِ المثَال ما يجْري في الو،م،أ من ملاسنَات قويّة مُحرّكُهَا الأسَاسيّ الخوْف من الانهيَار الاقتصَاديّ، حيْث قَد تبدُو بالنسبَة لرجُل مرِيضٍ بالحِسَابَات الاقتصاديّة مثل دونالْد ترامْب أنّ تهْديد حيَاة بضْعَة آلاَف من النّاس، بلْ وموتُهم صفقَة عادلَة بيْن “الموت” و”الحيَاة”، والذِي يختصرُه ترامْب في تحْريكِ السّوق والمحافظَة علَى الاقتصَاد. إلَى أيّ حدّ أستَاذ رشيد يمكِن –في ظلّ هذا الوضْع- أنْ نطمئِن لوعُود فلسفيّة بانبثَاق “نزعَة إنسانيّة” جديدَة، تعيدُ للإنسَان قيمَه بعد أن سلبَها منه السّوق ونظامُه؟
في رد مماثل على هذا السؤال، أي ما يرتبط بـ “نزعة إنسانيَّةٍ “جديدة، يتساءل فيلسوف الوجود و الزمان مارثن هايدجر: كيف يمكننا أن نعطي من جديد “معنى” لكلمة “النزعة الإنسانية “؟ فهذا السؤال يقول هايدجر ” يؤَشر على الرغبة في الحفاظ على نفس الكلمة ” وهنا أعيد صياغة سؤاله إذا ما كان ذلك ضروريا. حتى لا نقع فيما أسماه “ديكتاتورية الاشهار” التي تُقرِّرُ ما هو قابل للفهم وما هو خلاف ذلك ينبغي التخلي عنه واقصاؤه. وكذلك في رأيي ألا يتحول استعمال الألفاظ إلى ابتذال كما هو شائع الآن. إن مسؤولية الفيلسوف تقتضي أن يحذر ” الطوارئ ” وألا ينجر وراء ” الاستعجالِ” و “التسرعِ” فأحيانا يجب أن يحسن الانصات، لا إلى ما تمليه الوقائع الطارئة و ما يستجد فقط بل أن يصغيَ إلى نداء الوجود لنا لإعادة التفكير في هذا الذي سماه هايدجر “الهم ” Le « souci » .
الحقيقة التي انجلت بسبب فيروس كورونا هو غياب الشَّرطَ الإنسانيِّ للوجود في هذا العالم وهما الفكر و الحرية و تفريغ العالم من القيم الإنسانية بعدما انتصر منطق السوق و المال في إدارة الحُكْم لتمتد أزمة القهر الإنساني في عالم تفنن العديد في توصيفه و تسميته .إنك تشعر باللاَّجَدْوَى، وأنت تتابع رئيس الوزراء البريطاني يخاطب أبناء جلدته أن ينتظروا فقدان أقرب الناس إليهم و هو ما تم بشكل فعلي في العيديد من الدول فرنسا ، إيطاليا ، أمريكا إيذانا بانسحاب الإنسان من الوجود و الانتصار للواقع، واقع الهشاشة أقصد ، الذي صار أكثر أهمية من الوجود الإنساني . وما التصرفُ البشِعُ من احتقار الآخر والنظر إليه بدونية والدعوة إلى جعله فأرَ تجاربٍ إلا تعبيرًا عن نزعةٍ مريضةٍ لا زالت تعاني من نزعة التفوق والتفكير بمنطقٍ خارج إنساني.
لكن السؤال المطروح هنا ما هو المدخَلُ الممكن إلى نزعة إنسانية جديدة تخلِّصُنا من هذا “الهَمّْ “؟ كيف لنا أن نفكر في “إنسيةٍ ” خارج منطق القرون الوسطى والإنسان “الخليفة”؟ “إلى إنسية ” تعيدنا إلى الإنسان بما هو إنساني، ليس إلى نظرة التَسَيُّدِ والتفوُّقِ بل تعيده إلى مكانه في قَلْبِ الفكر، إلى إنسان لا يُنظر إليه “كبهيمة شغل ” متحررًا من قبضة السوق والاستهلاك، كامل الوعي بالعيش المشترك والمصير المشترك، لا يتسابق وراء قَرصنةِ شَحناتِ المواد الطبية ويتهافت نحو الأسواق لتكديس الطعام والشراب منتصرا لحوانيته وتغدية النزعة العدوانية بداخله. بمعنى آخرو بلغة هايدجر “أن يكون إنسانا لا همجيا خارج ماهيته “.
يجب علينا أن ننتبه إلى ما يحذرنا منه هايدجر، فكل تفكير في “إِنْسانَوِيَّةٍ جديدةٍ” قد يسقطنا في “إنسياتٍ “مُعَدَّةٍ سَلَفاً، سواءٌ بعلاقة الإنسان بالطبيعة أو بالتاريخ، والعلم أو بالعالم، أي بالوجود كُلِّيَةً. وبالتالي نسقط في نزعة ميتافيزيقية جديدة. ما من شأنه أيضا أن يجرنا في كل مرة نحو صياغة لغة تبريرية من “جدوى الفلسفة “.
بالنسبة لفيلسوف الوجود والزمان “إن الوجودَ يَنتظرُ دائما من الإنسان أن يَذْكرهُ، باعتباره جديراً بأن يفكِّر فيه حيث يحقق “انْوِجَادَهُ” وتنفتح كَيْنُونَتَهُ في نورِ “الوجود”. لهذا يرى في هودرلين نموذجاً أكثرَ أصالة مما تستطيع أن تحققه دعوات “النزعة الإنسانية ” فهي عاجزة عن كَشْفِ وجوده لأنها تَحُولُ دون طرح سؤال علاقة الوجود بالإنسان متجاهلةً إياه. هنا نفهم أن يكون “الوجود والزمان “بالمعنى الهيديجيري ضد كل نزعة إنسانية. لكن ليس بالمعنى الذي يحجب عنه الانفتاح على ما هو إنساني. إنها مقتضى عبارة “جوهر الإنسان وجوده”.
لذلك من باب المسؤولية الملقاة على عاتق الفيلسوف و هي “مسؤولية إيطيقية وفكرية وتاريخية ” يكون كل تفكير فلسفي مشروط بمهمة الفلسفة باعتبارها “مسؤولة عن الوجود الحقيقي للإنسانية بالصيغة التي عبر عنها الفيلسوف المغربي عبد العزيز بومسهولي في مقاله عن “الفيلسوف وسؤال الأنسنة والأرضنة ” فاهتمام الفلسفة بالإنسان يختلف عن باقي الحقول المعرفية لكونها تبحث عن “الكيفية التي يحقق فيها الإنسان وجوده على الأرض ” مستجيبةً “لنداءِ الإنسان بما هو إنسان ” لذا فالفلسفةُ مسؤولةٌ بهذا المعنى عن “تَخْليصِهِ من “الهمجيَّة والبربرية ” لتمنحه قيمةً في وجوده و حياة جديرة بالتقدير . وبالنظر للوجود المشترك لن تكون أي “إِنْسِيَّةٍ ” جديرةٍ بالاهتمامِ إلَّا من حيث هي عُبورٌ نحو الغَيْرِيَّةِ بنَزْعِ ” السيَّادة المفرطة عن الإنسان وإعادته إلى حجمه الطبيعي ” يقول بومسهولي. وبالتالي تكون كذلك تعبيرا عن أخلاق المسؤولية لكونها “وضع كل أَنْسَنَةٍ بما هي اكتشافٌ لمعنى الإنسان فينا انطلاقاً من الآخر ” وتبقى مستحيلة ومتعذرة طاما تنزع نحو الاختزال والإخضاع.
في السيَاق نفسِه، يطرَح سؤال السلْطَة في علاقتها بالفرْد والمجتمع، وثمّة إشَارات (في الصّين مثلاً) إلَى استثمار مذهل للتكنولوجيَا اليوْم في بنَاء أسُس مجتمعَات رقَابَة، تتغلغل فيها السلطَة لتحكُم قبضتهَا على أنفاس النّاس. يفتحُنا هذا الوَضع على أطروحَة فلسفيّة رئيسَة وهيَ أطروحَة مِيشيل فوكُو، وما تضمّنتْهُ من إحالاَت إلَى مجتمعَات الرّقَابَة، والسلطَة الحيويّة التي لا تقتصر على تدبير الشأن العام، بل تتجاوزه إلى “الحميميّ” كذلك. في هذا السياق، تلجأ سُلطَة السيَاسَة إلى استعمَالٍ مخاتِل لسلطَة المعرفَة لاسيّما في زمَن الهلَع الذي قد يشعله وبَاء مثل كورونا، كيف يرى الأستاذ رشيد هذه العلاقة بين المجتمع والسلطة في زمَن مرَض “الحيَاة”؟ هل ينبغِي علينا حقّا أن نخشَى سلطَة ما بعْد “كورونا”، لأن المرض الذي يقتلُنا قد يكُون علفاً لهَا؟
لقد أرخى شبح ميشيل فوكو ملامحه على فهم جائحة كورونا، خاصة فيما يتعلق بـ “المراقبة والعقاب”، ولعل فيما ذكرته آنفا حول جدل السلطة والتحكم و التضييق عن الحرية الذي أثير بين أغامبين و جيجيك و غيرهما يندرج تحت طائلة فهمنا للسلطة. إننا بحاجة إلى عمل جبار يستدعي فريقا بحثيا لتحليل وفهم آليات التحكم والسلطة، حيث لا تقف عند عرض الأفكار وطرحها وإعادة ما قيل، بل يكون من صميم اشتغالها تشريح السلطة في الخطاب الفوكوي واختبار منهجه الأَركيُولُوجِي بالكشف عن الكيفية التي تشكل من خلالها الانسان من خلال “ميكروفزياء السلطة “. علينا أن نعي ونحن نحاول تحقيق هذه المهمة العسيرة أن الأمر لا يتعلق بتحرير خطاب على السلطة بل بالأحرى مساءلة الأنظمة والآليات التي من خلالها يتم انتاج الخطاب السلطوي وكيفيات المحافظة عليه وتكريسه خاصة في زمن الوباء والعزل الصحي، للإجابة على سؤال فوكو كيف للوباء القدرة على ابتلاع فيزياء الانضباط والاخضاع؟ إنه بمثابة الزمن الذي يتحقق فيه حلم السلطة بالانتشار والتوسع بل هو الكيفية التي تَتَحَقق المراقبة الشاملة.
يبدو أن هناك مؤشرات لحدث بَانُوتِيزْمِي جديد سبق لفوكو أن وضع معالمه في حالة العزل الصحي إبان زمن الوباء بفرنسا أواخر القرن 17 من خلال الفصل الثالث من كتابه المراقبة والعقاب. حينها كانت الإجراءات أكثر تشددا من الآن وتصل لتطبيق عقوبة الإعدام لكن لا تختلف من حيث الكثافة الرمزية لخطاب السلطة وأدوات الإخضاع. فنحن أمام حدث بانوبتيزمي جديد وفق المعنى الذي وضعه فوكو ألا وهو نظام الرقابة الشاملة الذي تستدعي فيه السلطة جهازها التأديبي وتقوم بتعيين السلطات المحددة على الفرد أولا ومن خلاله على الجسم الاجتماعي ككل.
يتطلب منا الحديث عن الفرد وعلاقته بالسلطة فهم التراكم التاريخي لعلاقة السلطة بالجسد وتشريحه على الطريقة الفوكوية.. إننا أمام تفاصيل يصعب الإمساك بها دون فهمنا لسلطة الخطاب وأدوات اشتغاله. إذ لم تسلم أدبيات الحداثة والتنوير التي أرادت الانتصار لحرية الفرد أن تتحول هي نفسها عائقا يحول دون تحريره، فالفردانية هي أحد سمات الليبرالية واعتدنا على أن نرى في الفرد مرادفا للحرية. لكن في الحقيقة الأمر غير ذلك بالنسبة لفوكو، لم يعد كذلك لسبب أساسي يفسره بكون الفرد ليس من يعارض السلطة بقدر ما أنه هو من أصبح الهدف المميز لها.
هذه السلطة على الفرد هي وريثة سلسلتين من الممارسات الطبية مكافحة الجذام ومحاربة الطاعون. يذهب الباحث Laurent Bachler في دراسة له حول الفرد والسلطة أن الجذام وَلدَ يوتوبيا سياسية تقوم على استبعاد جسد المريض خارج المدينة وهي من صميم فكرة “المجتمع النقي” بينما الطاعون وإن كانت طبيعته الوبائية توسع رقعة الانتشار والعدوى بخلاف الجذام، غير أن الإجراءات المتخذة في تدبيره ترتكز على آلية المراقبة الشاملة والتي يبدو أنها طوباوية لمجتمع أكثر انضباطا من هنا نفهم كيف ان السلطة لم تعد تؤثر في الناس باعتبارهم مواطنين بل كأفراد وهو ما يشرحه فوكو بإسهاب فيما أسماه بالسلطة الحيوية. إن حالة داميان “جسد المحكوم عليه ” وزوال التعذيب لحساب ما يمكن تسميته “بِأَنْسَنَةِ العِقَاب ” وبالتالي الاتجاه نحو فكرة المراقبة الشاملة التي سيكون موضوعها الأساسي جسد الفرد. حيث تسمح السلطة بتطبيق آلياتها الانضباطية في أدق التفاصيل على الجسد “المفرد”. إن المستهدف هنا وفق التشريح السياسي للجسد هو الفرد.
أمام هكذا وضع الذي وصفته بزمن مرض الحياة، وجدنا انفسنا مع كورونا في عمق توصيف ما سيصير عليه الفضاء المشترك زمن الوباء الذي فرضته البانوبتيزمية كآلية للرقابة حيث تم حصر المدن و ضواحيها، وأغلقت منافذ المدينة و تم تقطيع المجال الحضري بشكل يتناسب مع ألية التحكم تلاه تقطيع للأحياء و جعل تنظيميا و إداريا تابعة لسلطة محلية مكلفة بالرقابة المستمرة و تمتد عملية التفتيش بدون توقف مع إنزال أمني غير مسبوق ترتكز حوله آلية المراقبة و هي مزدوجة رقابة المراقب و رقابة المراقب . إنه ليس حجرا صحيا فقط إنما له صلة بالخوف والذعر.
ما يمكن قوله على لسان فوكو يرمز الوباء للفوضى سواء من حيث شكله الواقعي أو الخيالي إن ما يجمع بين الإجراءات الطبية والسياسية هو الانضباط فوراء الاستعدادات الطبية يتجلى وسواس العدوى وسواس الخوف من الانتفاضات والتمرد والتشرد…وغيرها من الحالات التي تنعش زمن الفوضى حيث كل فرد سجين في قفصه لا يحق إخفاء المرضى أو الموتى ولا حتى تأبينهم. كما يتم اعتماد الاشراف والإحصاء ولتفقد اليومي ورفع التقارير عن حالة “جسد الفرد ” المريض و “المعافى ” والتي هي موضوع “العزل” إنه فضاء مغلق مقطوع خاضع للمراقبة يحشر الفرد في مكان مناسب يشل من حركته وتنقله.
مع كورونا ستغيب بعض اشكال الصرامة و الانضباط الكلاسيكية ، لكن ستحل بدلها اشكال جديدة لا تختلف من حيث قوتها و رغبتها في السيطرة كما فعلت الصين التي هاجمت بيوت المرضى ، و إدا كان البابنوتيك PANOPTICON البينتهامي (نسبة إلى بينتهام)، يقوم في هندسته البنائية على حلقات يتوسطها برج للمراقبة على شاكلة “السجن الكبير ” الذي عمم فوكو شكله و آلياته الانضباطية على مؤسسات السجن و المستشفى و المدرسة و العمل تحقيقا “للجسد الطيع ” الجسد الذي يُلَعَب و يكتف و يُدرب و يُطوع و يَستجيب للمهارة و التكاثر يكون برنامج البانوبتيك الجديد في حالة كورونا تجسيدا لحضيرة بشرية يتم تدجينها بسلطة خفية لا تسمح فقط في متابعة و عزل الفرد بل أيضا تشاركه حميميته و تكتف من أبراج المراقبة حوله لأجل الإحكام على سلوكه و استعماله كآلة . فالتكتيف الرمزي لأبراج المراقبة أخذت تزيد من انتشارها و ترسبها في ذاكرة الفرد خد مثالا على ذلك الحضور الرمزي للقايد في الذاكرة الجمعية لدى المغاربة رغم ان دلالته كمتصرف لدى السلطة يختلف عن ماضيه ، أنظر كذلك لما يحدث على شبكة الانترنيت التي تحضر فيها تمفصلات السلطة و قوتها الرمزية في لاوعي الفرد ، ينضاف إليها السلطة الرقابية على الرأي و حرية التفكير والسعي نحو تكميمها .هكذا يمكن تعميم نموذج البانوبتيكي “كأسلوب في تعريف علاقات السلطة بالحياة اليومية للناس ، فضلا على أنه يعطي للفكر سلطة على الفكر . إن الهيكلة البانوبتية هي عامل زخم بالنسبة لأي جهاز سلطوي فهي تؤمن له الاقتصاد في المواد وفي الأشخاص وفي الوقت، كما تؤمن له الفاعلية بواسطة طابعها الوقائي “خاصة في زمن الوباء.
لهذا أكيد سيكون للجائحة آثارها سواء على الفرد أو المجتمع بل أيضا على السلطة ومنظومة العلاقات ككل لعلنا مقبلين على إثارة قضايا سياسية وأخلاقية ستعيدنا إلى صلب قضايا الانسان المعاصر ما يرتبط بحريته وأمنه بالإضافة إلى إعادة مساءلة المؤسسات التي عززت الشعور بالخوف والذعر لدى مواطنيها معبرة عن عجزها في تطويق الأزمة.
الملاحظ أستاذ رشِيد أنّ “الحجر الصحّي” في المغرب، قد استنهَض العديد من المبادرات الثقافيّة الجادّة، التي حوّلت منصّات التواصل الاجتماعي إلَى “أغورا عموميّة” للنقاش والتفكير، ومن هذه المبادرات ما تقوم به حلقة منيرفا للبحث الفلسفي، باعتباركم واحدا من أعضائها، ما هي ملاحظاتكُم في هذا الموضوع؟ وهل يمكن حقّاً أن تشكّل هذه المبادرات بديلاً ثقافيّاً في حالِ بقيَت الأوضاع كما هيَ؟ هل تشكّل هذه “الحيوية الفكرية” في عالم افتراضيّ (أضحَى واقعيّاً) علامَة علَى “تنوير عموميّ” صار يزاحِمُ أكثر فأكثَر الكثير من “النزعَات النكوصيَة”؟
بداية أشكر اهتمامك بالحلقة ومبادراتها بيد أن أعمال الحلقة لم تخرج عن السياق المتفق عليه مبسقا وتعاقدت من خلاله مع متابعيها الذين يشاركونا هم اسماع صوت الفلسفة جنبا إلى جنب باقي الأصوات مع الحفاظ على المسافة التي تسمح لنا بقراءة ما يقع. وهنا اسمح لي بتصويب أراه ضروريا بخصوص القول بأن حلقة مينيرفا واحدة من المبادرات الجادة التي استنهضها الحجر الصحي يفتقر للضبط. لأن الحلقة تستكمل برنامج أنشطة موسمها الثقافي بالاكتفاء بالبث المباشر، لتعذر استمرارها في تنظيم لقاءاتها بالقاعات العمومية والبث المباشر كما فعلت منذ تأسيسها سنة 2015. ذلك أن الحلقة كانت تعمل على طول عدد الأنشطة التي نظمت، ومن بينها عدد من المحاضرات، على بثها فعاليات أنشطتها مباشرة على الفضاء الافتراضي عبر صفحتها على الفيسبوك، لتخول لكل من لم يتمكن حضورها فيزيقيا أن يحضرها افتراضيا سواء داخل المدينة أو عبر البلاد أو أينما كان. أما حول القول إن الحجر الصحي حول منصات التواصل الاجتماعي إلى آغورا عمومية للنقاش والتفكير فهذا لا يمكنه إلا أن يكون أمرا جيدا ومرغوبا فيه متى تحقق وحصل، والتي بدون أدنى شك وجب تثمينه، اما وانك تقر أن الحلقة كان لها، بما هي مبادرة ثقافية جادة، نصيب منه فهذا يعني أن الحلقة سائرة في تحقيق المهمة التي رسمتها لنفسها والتي من أجلها تأسست. ولكن دون أن تضع لنفسها هدف أن تكون بديلا ثقافيا. خصوصا وأن الحلقة تراهن على إخراج الفلسفة من المجال الأكاديمي إلى الفضاء العام قصد ترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان وتشجيع حرية الفكر والابداع والتجديد باعتبارها الخصائص المميزة للديمقراطية التي تضمن الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. بما يسمح لنا للإسهام بعقلنة الوجود البشري وجعله ينحو إلى خيارات سليمة، لذلك تهتم الحلقة بتثمين المتن الفلسفي المغربي والعربي وتدعم الحوار الحر بين الاتجاهات المعارضة في سبيل نشر ثقافة الاعتراف بالاختلاف وقبول الآخر ونبذ العنف.