رئيسة شبكة القراءة بالمغرب نجيّة مختاري: القراءة سبيل الإنسانية لفك العزلة والسفر في عوالم بعيدة
فور تنمية
ضمن سلسلة حوارات تقترحها جريدة فور تنمية على زوارها مع مفكرين ومثقفين وأدباء ومن أجل فهم أكثر وأعمق للتغيرات التي عرفتها المجتمعات بعد تفشي جائحة كورونا .
نستضيف في الحلقة السادسة عشر من حواراتنا الأسْتاذة نجيّة مختاري رئيسة شبكة القراءة بالمغرب التي ترى أن القراءة أصبحت حاضرة مما يمكننا من الوقوف عند بعض التجارب الملهمة التي يمكن أن تستثمر في مثل هذه الأوضاع الطارئة.
مرْحباً بالأسْتاذة نجيّة مختاري رئيسة شبكة القراءة بالمغرب، أتقدّم لك بدايةً باسمي وباسم جريدة فور تنمية بالشكر الجزيل على قبول إجراء هذا الحوار معنا، وأوَدّ أن أَبْدأَهُ معك بتهنئتكم في شبكة القراءة بالمغرب على المبادرة القرائية الواعدة (اقرا في دارك). فَبأيّ معنى يمكن للقراءة (والكتاب)، أن تساعدنا في تحمّل هذا “الطارئ الصحّي”؟ وهل “الإصابة بوباء القراءة والكتابة” وقايَة من فوبيا “كورونا”؟
أشكر الجريدة الإلكترونية فور تنمية على هذا الحوار الذي يتفاعل مع الوضع الحالي في ظل الحجر الصحي على إثر وباء كورونا، وهو وضع يتسم بالفجائية غير المتوقعة بالنسبة للعالم أجمع، وبالتالي لم يكن هناك تأهيل لتدبير الأزمات الممكنة المترتبة عن هذا الحجر، وطبعا يختلف تدبر الوضع بحسب طبيعة القطاعات والمهن واختلاف طبائع الأشخاص ووضعياتهم الاجتماعية والمعرفية والنفسية… ومن المعروف أن القراءة يمكنها أن تلعب دور فك العزلة وإزاحة الضجر وإطلاق العنان للتماهي مع أحداث ومعارف وعوالم بعيدة عن جدران البيت والفضاء المحدد له، فهذا موتسكيو يقول لم يصبني حزن ما إلا وانتشلتني منه القراءة، وهو يرى في القراءة استبدال ساعات السأم بساعات من المتعة. ومع ذلك يمكن للقراءة أن تلعب هذا الدور بالنسبة لمن يمتلكها وسبق له أن مارسها وتذوق متعتها واستفاد من معينها، فماذا عن الأشخاص الذين يفتقرون إلى هذه الكفاءة؟ (وطبعا نحن دائما في دائرة المتعلمين).
إذا ترسخت القراءة وأصبحت سلوكا مندمجا في شخصية الفرد، وامتدت إلى كل مناحي حياته، بل قادته هذه القراءة إلى مهارة الكتابة، معناه أنه قد اكتسب رصيدا معرفيا ووجدانيا، وكون مواقف وميولات، وبنى فكرا نقديا يمكنه من حسن الاختيار، ودخل في حوارات افتراضية وواقعية مع مفكرين وأعلام وسير، واحتك بأساتذة الفكر واكتسب ذكاء العيش مع ذاته ومع الآخرين، وله استعداد للتكيف مع الصعوبات والمستجدات، بل هو يملك القدرة على التحول من وضع إلى آخر… أي يكون قد أصبح مؤهلا للتصرف السليم والعقلاني مع الطوارئ، كيفما كان وضعها، وباء كان أو جائحة أو حربا… وعموما تعد القراءة الحقة وقاية من كل الآفات، والقارئ الحق لاشك أنه يلعب دوره المنوط به في مثل هذه الظروف.
كيف تقيّمون واقع القراءة في أيّام هذا الحجر الصحّي أستاذة؟ سمعنا عن نفاذ كتب ومجلات بأكملها في أوربا حين دخولها حالة الطوارئ، فماذا عن المغرب؟
من الصعب الحديث عن تقييم واقع القراءة في هذه الأيام المعدودة من الحجر في الوقت الحالي، ونحن لا نعرف متى ستعود الأمور إلى وضعها الطبيعي، ومع ذلك نحن في شبكة القراءة بالمغرب بصدد تجميع معطيات مهمة للغاية عن القراءة والقراء والكتب المقروءة تشكل أرضية أو قاعدة بيانات تصلح لدراسة وافية وعلى عينة لا بأس بها من القراء، وكل ما يمكن ملاحظته من خلال منابر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أن القراءة اصبحت حاضرة مما يمكننا من الوقوف عند بعض التجارب الملهمة التي يمكن أن تستثمر في مثل هذه الأوضاع الطارئة، وتطور فيما بعدها أيضا لأنها فد أبانت عن نجاعتها، ومن هذه التجارب:
لاحظنا مبادرات عديدة احتلت لديها القراءة موقع الصدارة، وبالخصوص الروايات التي كان موضوعها الأوبئة مثل peste Albert Camus La التي حققت المرتبة الثالثة من حيث المبيعات في فرنسا ناهيك عما بث من قراءات مسموعة لها، نفس الأمر يقال عن الرواية البوليسية Pandemia Franck Thilliez التي صدرت سنة 2015 على إثر وباء إيبولا. وجريدة Le monde اقترحت على قرائها لائحة ب 18 كتابا من مختلف الأجناس ولمختلف الأعمار لمواجهة الضجر الذي يمكن أن يسببه الحجر الصحي… كما بثت العديد من البرامج عن بعد اتخذت موضوعا لها الكتاب الذين كتبوا عن الأوبئة عبر التاريخ مثل الطاعون والكوليرا على سبيل المثال: la grande librairie
بلدنا هو أيضا لا يخلو من بعض المبادرات نبدأ بأول مؤسسة تختص بقضايا الكتاب والقراءة وهي المكتبة الوطنية التي اشتغلت على مساهمتها في التخفيف من آثار الحجر الصحي، حيث أعلنت في بوابتها الرسمية عن مجموعة من البلاغات تفيد إمكانية النسخ عن بعد للطلبة والباحثين في حدود ما يسمح به القانون، وعملت على نشر باقات إلكترونية متنوعة تعرض للعموم وبالمجان كتبا من مختلف التخصصات بصيغة PDF وكتبا مسموعة ومجلات متخصصة تحت شعار: “احميو بلادكم، بقاو في داركم، المكتبة تزوركم”
مبادرة شبكة القراءة بالمغرب:
شبكة القراءة هي جمعية متخصصة في القراءة: ترسخها وتحفز عليها، وتبحث في سبل الترويج لها، مستهدفة مغربا قارئا، وقد فكر أعضاؤها من بداية فترة الحجر في استغلال هذا الظرف أحسن استغلال فأطلقت برنامج قرا_في دارك والمبادرة صدرت من فرع كلميم لشبكة القراءة تحت شعار: (اكعد في دارك، قرا كتابك) وتبنتها الشبكة على الصعيد الوطني، وللإشارة أن هذه المبادرة هي فقط شكل جديد لتنزيل برنامج القراءة في المؤسسات التعليمية الذي لم يعد ممكنا تنفيذه بشكله المعتاد، لهذا فهو يحمل نفس الفقرات: الاحتفال باليوم العالمي للشعر، تحت شعار (الشعر يجمعنا)، وأنجزت فيه بطاقات تنشر قصائد شعرية لشعراء معروفين ولشعراء شباب. وكذا بطاقات لقراء بصحبة الكتاب الذي يقرأونه للتحفيز على القراءة، بالإضافة إلى التشجيع على تسجيل فيديوهات حول قراءاتهم. كما أن الشبكة استغلت وسائل التواصل الإلكتروني لبث حلقات تكوينية عن بعد لتعزيز القيادات الشبابية. وكان إحياء اليوم العالمي للكتاب مناسبة أيضا للمزيد من التحفيز والتوجيه وتنظيم القراءات، حيث أطلقت الشبكة نداء وطنيا بهذه المناسبة، واختارت له عنوان أدب الرحلة، وللمزيد من تيسير القراءة اقترحت الشبكة لائحة من الكتب في الموضوع وعززتها بروابط إلكترونية تساعد القراء على تحميل كتب بصيغة PDF ودعت فيه إلى تهييء فيديوهات عن الكتاب الذي يقرأ في أدب الرحلة.
وبشكل شمولي ولتغطية شهر رمضان اقترحت أربعة أجناس من القراءات موزعة على أربعة أسابيع، وهي: أدب الرحلة، والكتاب الفكري، وكتب حول القراءة، وأخيرا الروايات عربية وعالمية. وقد لقيت هذه المبادرة إقبالا كبيرا من طرف القراء من كل جهات المغرب، وما زالت بطاقات القراءة والفيديوهات التي تدور حول القراءة ترد على صفحة الشبكة على الفيسبوك.
ما رأيك في تعاطي وزارة التربية الوطنية مع مسألة القراءة؟ ماذا مثلا لو أنّها أبدعت بدورها مبادرات مؤسسية لتشجيع القراءة، من خلال مسابقات أو مبادرات إبداعية أخرى؟
إن ظروف الحجر الصحي فرضت على وزارة التربية الوطنية مهمة جسيمة جدا مع إغلاق المدارس واتخاذ استراتيجية استمرار الدراسة عن بعد، وهي تجربة جديدة لم تكن في الحسبان، ولا الموارد البشرية مؤهلة لتنفيذ هذا النوع من التعليم، ولا التجهيزات متوفرة لدى كل من الأساتذة والتلاميذ، وهنا كانت الانطلاقة مما هو متوفر من تجارب فردية، وتنسيق مع المركز المغربي الكوري لتعليم التكنولوجيا الحديثة، والتكوين الذاتي… إذن في البداية كان الهم الأول للوزارة هو ضمان سير التعليم عن بعد، ولا شك أن هذه التجربة ستخرج بنتائج طيبة وستستثمر لما بعد الحجر، ومع ذلك وكما بدأنا نلاحظ على مواقع التواصل الاجتماعي أن الوزارة أطلقت “مسابقة مغرب الغد” تحث فيها تلاميذ الجذع المشترك على المسابقة في التباري على أحسن رؤية لمغرب الغد، كما تم استغلال مناسبة إحياء اليوم العالمي للكتاب لإطلاق حملة حول القراءة وإعداد فيديوهات حول ذلك فأصبحت تطالعنا بطاقات لتلاميذ مميزين قدموا قراءاتهم بشكل رائع. والعديد من التلاميذ أيضا قدموا قراءاتهم في برنامج “كتاب قريتو” الذي ينشطه الإعلامي محمد سليم على قناة 2M ، كما أنجزت وصلات وأغان موسيقية عن بعد. وكلها تجارب قابلة أن تطور مناهج التعليم فيما بعد الحجر إذا ما عملت الوزارة ومبادرات الأكاديميات إلى تعميمها ووفرت لذلك التجهيزات والكفاءات اللازمة.
بين “الوباء” و”الكتاب” علاقات شتّى، من أبرزها أن الوباء لم يغب عن بال الكتّاب، وقد كان في أحايين عديدة “موضوعاً” للكتابة؟ هل ثمّة من مؤلفات وكتابات ينصح بها في هذا الباب؟
هذا الموضوع هو موضوع الساعة قدمت العديد من الصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي لوائح من الكتب والروايات التي تتحدث عن وباء ما وبالأخص الكوليرا والطاعون كوقائع تاريخية، مثل الطاعون لألبير كامي، والحب في زمن الكوليرا، كما أن هذا الموضوع شكل مادة للعديد من الروايات التي تدخل في الخيال مثل العمى لساراماغو .