احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
لفور تنمية: عبد النبي أشطبي
كيف يمكن تفسير و تأويل النص الديني ؟ و من يحق له أن يقوم بهذا التأويل ؟ هل هم الفلاسفة و التنويريون أم رجال الدين و فقهاء البلاط ؟ ما هي ضريبة عدم إهتمام النخبة المثقفة بمعركة اﻹصلاح الديني ؟ إلى أي حد يمكن أن تصير هذه المعركة مدخلا لبناء مجتمعات حداثية متحضرة متشبعة بقيم التنوير؟
هذه بعض اﻷسئلة التي تشكل مدخلا للتفكير في قضية مصيرية إسمها اﻹصلاح الديني بالمنطقة العربية، و هي مصيرية بالفعل كون المعطى الديني شكل و لا يزال معطى غاية في الحساسية ﻷنه قابل لﻹستثمار في كل اﻹتجهات الممكنة سواء تلك التي تقود للتقدم و التحضر أو تلك التي تؤدي لكل أشكال اﻹنحطاط و التأخر الحضاري و التاريخي..
في هذا السياق يمكن القول أن العديد من المفكرين الحداثيين المعاصرين في المنطقة العربية إرتكبوا أخطاء جسيمة عندما أهملوا المعطى الديني الموروث و مركزين بالمقابل على التعريف بمفاهيم الحداثة من عقلانية و حرية و تقدم كما تم بناؤها داخل التربة الغربية..
هذا اﻹهمال كانت ضريبته غالية الثمن ذلك أن المنظومة الدينية سقطت بين أيادي حولتها إلى سلاح خطير يرفض كل أشكال التحديث الفكري و الاجتماعي و السياسي و حتى اﻹقتصادي.. يمكن تقسيم هؤلاء إلى فئتين رئيسيتين:
-رجال السياسة : و هم المستفيد اﻷكبر من خلال استثمار العنصر الديني لبناء مشروعية مزيفة لحكمهم المستبد المطلق عبر ما يسمى بمقولة الحق اﻹلهي التي لا تخفى خرافيتها اليوم إلى أبعد الحدود.. و ما يساهم بشكل فعال في نجاح هذا المشروع السياسي الديني هم غالبية فقهاء الدين الذين يفسرون النص الديني على هوى الحاكم لا بمنطق الحق و العقل..
-عامة الناس: و هم الفئة التي تختزل المنظومة الدينية في عادات و تقاليد تصبح بقوة التكرار مقدسة لديهم و تضعف بالمقابل كل أشكال التفكير النقدي و العقلاني، و هو ما يتيح صناعة عقول ساذجة و طيعة يسهل السيطرة عليها و تخويفها.
لقد تقوت و تعززت مكانة و حجم الفئتين السابقتين ليس فقط نتيجة عوامل ذاتية و تاريخية، بل إنما أيضا نتيجة عدم إدراج معركة اﻹصلاح الديني ضمن أولويات العديد من المفكرين التنويريين المعاصرين في المنطقة العربية.
و كنتيجة لذلك بدا المشروع الحداثي معزول الموقع، محدود الثأثير و ضعيف الفعالية، بل إنه ظهر ربما كعنصر غريب دخيل على مجتمعات يحضر فيها ثقل التاريخ و الموروث الديني بقوة.
يبدو أن المشروع التنويري في المنطقة العربية خصوصا في بداياته لم يستلهم وصية الفيلسوف إبن رشد و التي مفادها أن النص الديني لا ينبغي أن يفسر إلا من طرف الفلاسفة و العقلانيين و البرهانيين وفق قاعدة”إذا خالف النص الديني العقل وجب تأويله” ، و بناء على هذه القاعدة الفقهية الهامة فهؤلاء يمتلكون اﻷدوات العقلية و المنهجية التي تمكنهم من إدراك باطن اللفظ و ليس فقط ظاهره…
يبدو أن هذه الوصية الرشدية المقدمة في القرن12 لم تجد الصدى الجيد لها في الفكر العربي المعاصر رغم بعض المحاولات المتميزة( مشروع اﻷستاذ محمد عابد الجابري مثلا).. لذلك قد لا نبالغ عندما نقول أن اﻹنحطاط و التأخر العلمي و السياسي و اﻹقتصادي الذي تشهده اليوم المجتمعات بالمنطقة العربية اﻹسلامية من بين اهم عوامله هو إهمال معركة اﻹصلاح الديني بشكل عام و تهميش الوصية الرشدية السالفة الذكر على وجه التحديد..
اﻷسئلة العريضة التي يمكن طرحها بهذا الصدد كثيرة و منها : إلى متى سيبقى النص الديني الموروث حكرا على الغوغاء من سياسيين نصابيين و فقهاء محتالين؟ ألسنا اليوم في حاجة ملحة إلى مفكرين دينيين تنويريين يقدمون قراءات حداثية للنصوص الدينية و يقودون مجتمعاتنا الى المصالحة مع تاريخهم و مع القيم التنويرية التي بفضلها تقدمت علينا بقية الشعوب المتحضرة؟