OCP

تاملات رمضانية فلسفية في زمن كورونا :يَقِينٌ…في فضَيلَة “الحيْرَة”

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عبد الواحد أيت الزين

لاَ يقينَ أمَامَ الحيَاة وأحجيَاتهَا إلاّ اللاَيقِين..

لدَيْكَ قصَص عنْهَا، وسرديّات تعُود إليْهَا لتشكّل تصوّرَك بشأْنهَا، لكنّها، ومهْما بدَت لكَ “اعتقادَات راسخَة” فإنّها لا يمكِن أن تشكّل “حقيقَة الحيَاة”.

أن يؤمِن الجميع، ويعتقد الجميع في “تصوّر ما”، ليس ذلك معناه أنّه وجهُ الحقيقَة، وأن ماعداه عاداهُ. يثبت التّاريخ نفسه، أن “الجمْع (الجْمَاعَة)” عابدُ هواهُ لاغيْر، وأنّ “المنبوذين” وحدهم من قدّمُوا للإنسانيّة “حقائقَ” مَا.

إنّ حقائِقكَ هيَ افتراضَاتُك المفضّلَة كمَا خالَ كونديراَ.

مَن يُتعِب نفسَه بدعوَة النّاس إلى ما فيهِ، اعتقاداً أنّه “الحقّ”، يذهَل عَن حكْمَة اللّه في خلْقِه: إنّ الطّريق إلى الحقّ، بعدَد أنفَاس الخلْق…

وبَعدُ، تمسّك بشكيمَة “الشكّ”، زورَق نجَاةٍ مِن “حرُوب اليقِين”…فلولاَ اليقينُ ما عَاش الوهْم ولا عمّر..

“وأمّا اليقينُ فلا يقينَ وإنّما أَقصَى اجْتهَادي أن أظنّ وأحْدسَا”..

“يكادُ الإنْسَانُ لاَ يولَدُ إلاّ و”كسوَةُ النّجَاة” مهيّأةٌ خيُوطُ نسجْهَا: من أيْن أتيْنا؟ وإلَى أين ذاهبُون؟ لمَ هكذاَ، وليْس كمَا كذا؟ كيف صار هذا، وتشكّل كذا؟ ما الذِي يكُون بعْد كلّ هذا، وما الذي كان قبْل ذلك؟ كلّها خيُوطٌ منفلتَةً، تشدّ “آلَةُ نسيجٍ” عظيمَة، بعضها إلى بعْضِ، لتَخيطَ بهَا “المعْنى” (معْنى العالم، ومعنى الإنسان، وما يتعلّق بهِما)، ليْسَ مهمّاً انضباطُهَا لمنطقٍ عقلانيّ مَا، لكنّ المهمّ هوَ طمأنَة الإنسَان أن عبُورَه ليس هو حضوره الوَحيد في العالَم.

إنّ دهْشَةَ الإنْسَان الأولَى (براءَة الطّفل) من كلّ ما يكْتشفُه أمَامهُ، تقْبرُهَا “إرادَات جوَاب” واثقَةٍ من ظفرِهَا بمعْنَى الوُجُود، والحيَاة، والموت، والمصِير، فيُصبحُ “السّؤال” عن ذلكَ فتيل فتْنَة بمَا يشكّل العَالَم ونسيجَه. لربّمَا، يُشكّل “النّسيَان” مقبَرَةً لِضحَايَا نَسْج العالَم وإلبَاسِه كساءً مَا؛ ولربّمَا كانَ “اليقينُ” أقسَى تَابُوت بشريّ للسؤال. مَاذَا لَو كانَ “الشكّ” نفسُهُ لباساً للعَالَم والإنسَان؟ لمَ يجْري الإنسَان بحثاً عن “نظامٍ” ما (معقوليّة) للعَالم وأشيَائِه؟

ألاَ يمكِنُ أن يشكّل “اللاّنِظام”، و”العَبثُ” نظَامَ معقوليّة بدورهِ؟ ماذَا لَو بقيَت إشكالاَت “الوجود، والحياة، والموت، والمصير، والألم” وغيرها على عذريّتَها دونَ “اقْتحَام نظاميّ” لها؟ فيكُون “تعْليق” الحُكْم بشأنِهَا جوابُهَا ومعْناهَا.

وحْدهَا السّرديّات الدّينيّة، منَ ضمنَت للإنسَان “زاداً مريحاً”، فِي مواجهَة قلَقِهِ؛ وتسييجُ هذهِ السرْديّات بمَوانعَ تُبعدُ عنهَا المساءلَة، أسهَمَ كثيراً في صوْن “صحّتهَا” والمحَافظَة علَى “رشاقتهَا” رغْمَ مَا قَد يتسرّب إليْهَا أحياناً من تعَب ووهَن”.

“إنّك عَاشِقٌ لحَال ولسْت عاشقاً لي، وإنّكَ لتدورُ حولِي أملاً في حالٍ ما”،
مولانا، مثنوى، ص 136

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.