من له مصلحة حذف وزارة الاتصال في زمن الثورة الهائلة لتكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال؟ وما مآل المهنيين والعاملين في القطاع؟
عبد الوافي الحراق
كثر الجدل حول مصير قطاع الاتصال بعد حذف الوزارة الوصية عليه، وتأججت التساؤلات والاستفسارات حول الجهة الراعية المحتملة، والمؤسسة العمومية المرتقبة، لاحتضان الأدوار التي كانت منوطة بالوزارة. وفي مقدمتها الدعم المالي العمومي. فثمة ظنون مرتجلة، تفيد أن جميع صلاحيات قطاع الاتصال ستؤول إلى اختصاصات المجلس الوطني للصحافة والنشر. وتكهنات أخرى ترى أن هذا الأخير، بحذف الوزارة الوصية ستضعف مهامه ويتعثر مساره. في حين ذهب البعض إلى أن مصالح وأقسام ومديريات وزارة الاتصال، ستتوزع على قطاعات حكومية موازية. والبعض الآخر يرجح فرضية إحالة تدبير قطاع الاتصال على كتابة الدولة لدى الوزير الأول، بما في ذلك الدعم العمومي المخصص له. وذلك استنادا إلى تجارب حكومية مماثلة سابقة. وهذا هو الرأي الراجح، والذي سيسري لربما حتى على وزارة المجتمع المدني.
وبالرغم من أن الحديث عن حذف وزارة الاتصال كان متداولا لأكثر من عقدين من الزمن، في الأوساط الحقوقية والسياسية والإعلامية، إلا أن إنشاء المجلس الوطني لم يكن سببا في محو هذا القطاع الوصي، بقدر ما أملته الظروف السياسية المصاحبة للتعديل الحكومي.
والحال أن المجلس الوطني منذ صدور القانون المنظم له رقم 90.13، كان السباق إلى حذف وزارة الاتصال من ناموسه المهني وقاموسه التنظيمي. حيث تحاشى حتى ذكر اسمها، في مواطن التمثيلية التشاركية المنصوص عليها في مقتضياته. إذ في الفقرة الأخيرة من المادة الرابع من قانون تنظيمه الذاتي، أكد بجلاء على أن : “الحكومة تعين مندوبا لها لدى المجلس”، دون ذكر اسم القطاع الوصي صراحة. وحدد مهمته بدقة تامة حيث “يعهد إليه (أي المندوب) بمهمة التنسيق بين المجلس والإدارة، (فحسب) ويحضر اجتماعات المجلس بصفة استشارية”. مما يدل على أن المجلس كان صريحا في استبعاد وزارة الاتصال من قانونه، وحذف بوضوح أية مسؤولية مشتركة تربطه بها. فهو لم يوجه لها خطاب التعيين حتى، والتمس من الحكومة (بدلا من الوزارة) تعيين مندوب يمثلها بصفة استشارية، لا أقل ولا أكثر. أي ليست له صفة العضوية ولا صلاحية المشاركة في صياغة واتخاذ قرارات المجلس.
ويتجلى الحذف في أكمل إطاره من خلال تشكيلة المكتب الإداري للمجلس، الذي يضم قطاعات وهيئات خارجة عن حقل الصحافة والإعلام. من قبيل السلطة القضائية، ونقابة المحامين، ومجلس حقوق الإنسان، واتحاد كتاب المغرب، والمجلس الوطني للغات والثقافة. وهي كلها تمثيليات لا تمت بصل لمهنة الصحافة. لاسيما وأن بعض هذه الهيئات لا تسمح بمنح بطاقات انخراطها لأي صحفي مهني في مكاتبها التنفيذية والإدارية، فبالأحرى العضوية. مما يثير فضول التساؤل حول ماهية ومغزى تواجد ممثلي هذه الهيئات الخمس داخل المكتب الإداري، لمجلس يعنى بالصحافة. في حين أن الأولى بهذه التمثيليات الخمس ضمن هيكلته التنظيمية، إلى جانب الناشرين والصحافيين، هي تمثيليات الوزارة الوصية و الوكالة المغربية للأنباء، والمركز السينمائي المغربي، والمكتب المغربي لحقوق المؤلف، والمعهد العالي للاتصال والإعلام، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.
ورغم أهمية وضرورة تمثيلية القطاع الوصي ودوره الأساسي في إثراء تجربة المجلس الوطني، إلا أن هذا الأخير ارتأى حذفه وعدم إقحامه في تنظيمه الذاتي. علما أن هذا المجلس في سنته الأولى لم يستطع الوقوف على قدميه، واستعان بممثلي وزارة الاتصال في عملية منح البطاقة المهنية. وربما السنة المقبلة قد يضطر إلى تعيين وإعادة توظيف عدد من الأطر الوزارية، الذين سيجدون أنفسهم بدون مأوى مهني بعد حذف وزارتهم.
وهذا ما يدفع للاستفسار حول مصير هؤلاء الموظفين والأطر بوزارة الاتصال، البالغ عددهم حوالي 400 موظف وإطار. بينهم من قضى أكثر من 40 سنة في خدمة القطاع، وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها، عرضة للشتات والتيه. لا يعرفون أية وجهة سيولون إليها. يفكرون، يتساءلون، يتهامسون بنبرة العندليب الحائر. من تكون وزارتهم؟ هل سيتم إلحاقهم بوزارة الثقافة، التي تعاني نفسها من الاكتظاظ في مكاتب ودواليب إدارتها؟ أو سيتم توزيعهم على باقي مؤسسات الدولة؟ وكيف سيتم ذلك، والحكومة ستواجه نفس المصير مع باقي الوزارات التي تم إدماجها وحذفها؟ أم سيتم إحداث مندوبية أو مديرية أو وكالة عمومية، تعنى بالصحافة والإعلام؟
والواقع، أن عملية إعادة انتشار وتوزيع الأطر العاملة بالوزارة على قطاعات حكومية أخرى، وإن كان الأمر ليس بالهين، فإنه أهون من اشكالية مصير قطاع حكومي حيوي، تم حذفه بعد عمر تجاوز 60 سنة. دون دراسة أو تفكير أو خارطة طريق أو استشراف، لما قد يترتب عن هذا الحذف من تبعات وتداعيات، قد تسهم في تقويض سلطات صاحبة الجلالة، وعرقلة مسارها الانتقالي وتجويف تنظيمها الذاتي. فأي قطاع للاتصال والإعلام سيتم الحديث عنه في ظل بتر مؤسسة حكومية، تضع السياسات العمومية للقطاع؟ ومن الجهة التي سيخول لها دستوريا، استصدار مراسيم قوانين حكومية، وتفاوض البرلمان كسلطة تنفيذية في شأن التشريعات المرتبطة بالصحافة والإعلام؟ ثم إذا كان المجلس الوطني قد حصن نفسه من وصاية وزارة الاتصال، ولا يكترث لحذفها من خريطة الحكومة، فما مآل الهيئات المهنية الأخرى المنضوية تحت لواء القطاع؟ وعلى رأسها المركز السينمائي المغربي، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والمكتب المغربي لحقوق المؤلف، والمعهد العالي للإعلام والاتصال.
هذه الهيئات الحيوية التي لا يمكن أن تقوم لها قائمة، بما فيها المقاولات الصحفية، إلا بالدعم المالي العمومي للدولة، ومداخل الاشهار والإعلانات العمومية. الذي كانت تمنحه وتؤطره وتنظمه وزارة الاتصال، وتسهر على تقنين توزيعه، ومواكبة تنفيذه، ومتابعة تدبيره. فمن سيقوم بهذا العمل الحكومي المحض المسؤول، الذي يجمع بين تدبير الشؤون المالية والإدارية لهذا القطاع العمومي؟
حقيقة إنه الشتات بعينيه، الذي ينطبق عليه المثل القائل “جا يعونو على قبر الباه، تلف الفاس”، فبقيت الجثة معرضة للتعفن والتحلل. هذا هو واقع حذف وزارة الاتصال، التي أرادوا حفر قبرها فأتلفوا الفأس. والزمن الذي اختير لاغتيالها غير مناسب. فلو تم ذلك في عهد هيمنة صحافة الورق، قبل ظهور الرقمي، لكان الأمر مقبولا ومستساغا، ولعد انجازا ديمقراطيا. أما اليوم فقد تغير كل شيئا رأسا على عقب. وحولت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإعلامية. لا ديمقراطية ولا حرية تعلو فوق سطوة انعتاقها الرقمي وجموح تحررها الإلكتروني. إنها بحق، أعظم ثورة عرفها تاريخ الحضارة الإنسانية على الإطلاق.
وبالنظر لما قد تحدثه وسائل التواصل والاجتماعي والإعلام الرقمي والمعلومات الإلكترونية، وما تشكله من قوة عظمى تضاهي قوة السلاح والعسكر، فقد عدلت بعض الدول العريقة في الديمقراطية، وغيرها المصنفة تقدما وازدهارا، عن موقفها من مأسسة قطاع الاتصال والإعلام. حيث بدأت تدمجه ضمن اهتمامات استراتيجياتها الحكومية، وسياساتها العمومية المتعلقة بتكولوجيا الاتصال والمعلومات الرقمية. فثمة من أضحى يصنف وزارة الاتصال في مقام وزارة الدفاع. فما تحمله الكلمة الرقمية من قوة التأثير، والانتشار السريع، والقدرة على الاختراق واختلاق الإشاعات والأكاذيب، وتلفيق التهم والإدانات الباطلة، وإثارة الفتنة والكراهية والعنف والقتل، قد يعادل ما يتسبب به الرصاص والمدافع والصواريخ الحربية. فترويج كلمة امتلاك العراق للنووي، دمر البلد بأكمله. كما أن كلمة “طحن مو” التي تم الترويج لها على إحدى المنابر الإلكترونية المغربية، في قضية مقتل محسن فكري، كانت ستعصف بأمن البلاد والعباد. فمن له مصلحة حذف وزارة الاتصال، في زمن تحتاج فيه الأمم إلى صمام الأمان والحماية، ضد ويلات وجموح ثورة تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال؟