OCP

هذه هي “الجراثيم” التي قضت عليها فنلندا ليصبح تعليمها عموميا وجيدا

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اتخدت فنلندا قرارات حاسمة للنهوض بالتعليم. وكانت أول خطوة اتخذتها هي التخلص من “الجراثيم”، كما سماها الدكتور الفنلندي “باسي سالبرغ” حين قال: “إن أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم هي التخلص من الجراثيم “.

وهي في نظره ستة أنواع من الجراثيم: تكثيف المواد، كثرة الاختبارات والواجبات، إطالة أوقات الدوام، الواجبات المنزلية، الدروس الخصوصية، والمواد المعقدة.
وأكد سالبرغ أن هذه كلُّها أساليب قادرة على هدم أي نظام تعليمي يتكئ عليها، لأنها ممارسات غير تربوية من شأنها إرهاق الأستاذ والتلميذ معًا، وإضعاف عملية التعليم ككل.

فجرثومة تكثيف المواد هي إحدى أهم الجراثيم التي يتصف بها التعليم العقيم، وفق قاعدة التعامل مع الطالب بالكم وليس بالكيف؛ كم يحفظ من المعلومات؟ كم يتلقى من الحصص يومياً وأسبوعياً؟ كم يحل من الواجبات المنزلية؟ كم مرة يختبر؟ …بهذه المنظومة، أصبحنا نتعامل مع الطالب وكأنه خزَّان معلومات، أو كما أسماه باولوفريري بـ “التعليم البنكي” الذي يصوِّر المتعلمين كأنهم حسابات بنكية يتم إيداع المعرفة في أذهانهم من قِبل الأساتذة.

وهكذا يصبح الطالب خزان معلومات، حتى إذا جاء الاختبار أفرغها في الأوراق وخرج من القاعة وهو لا يكاد يتذكَّر شيئاً، لأنه أفرغ ما حفظ فقط من المعلومات. لقد وصفت فنلندا هذا الأسلوب بالجرثومة الخطيرة على التعليم لأنه يتعامل مع الطالب وكأنه مجرَّد خزَّان معلومات وليس ككائنٍ مفكِّرٍ له عقليته الناقدة، المحلِّلة، المتسائلة.

وطبقاً لمفهومها هذا فقد تخلَّصت فنلندا من أول الجراثيم. وفي هذا الصدد تقول مديرة مدرسة فنلندية: “لا يمكنك أن تتوقع استيعاب العقل إذا ظلَّ يشتغلُ متواصلاً دون راحة، لهذا فإنّ الحصص الدراسية في فنلندا مفصولة باستراحة لعب وترفيه مدتها ربع ساعة، يستريح فيها العقل ويتجدد فيها النشاط، ويتنوع فيها التفكير”.

وفيما يخص الجرثومة الثانية، التي تخلصت منها فنلندا وهي كثرة الاختبارات والامتحانات، فتشكِّل عاملَ خوفٍ ورعب للطلاَّب، بل ولأسرهم أيضاً لأنها مرتبطة بالمصير المستقبلي الذي يحدد اتجاه الطالب. هل يمكنُ أن نتصوَّر أن مصيرَ إنسانٍ يتحدد في غالبيته بحسبِ أوراق ولحظات بسيطة جداً من حياته في المدرسة؟ كيف كانت حالته حينها؟ مريضاً، أو قلقاً، أو خائفاً، أو يعاني من مشكلات أُسرية أو عاطفية. كل ذلك لا يهم فالمؤشِّر هو “الإجابة عن ظهرِ قلب”.

لم تقتنع فنلندا بمردود سياسة الاختبارات، لهذا حدَّدت دور المدرس الفنلندي في مساعدة كل طالب لفهم المادة داخل القسم، دون ملاحقة الطالب بالامتحانات الطويلة والقصيرة والمفاجئة، أو مواسم الرعب النهائية.

ورأت هذه الدولة النابغة في التعليم أنه إذا اطمأن الطالب في يومياته الدراسية، استطاع أن يفكر ويعبِّر ويتطور. أما التشديد والتهديد بالاختبارات، فله عواقب نفسية خطيرة، ابتداءً بمشاعر التوتر والقلق، مرورًا بالضغوطات الحادة، وصولا في حالات مؤسفة إلى المفاصلة بين التعليم أو الحياة، وكأن التعليم مناقض للحياة. إن أعظم ما تراه فنلندا في هذا الصدد هو أنّ دور المدرسة أكبر من أن تحكم على طالب من خلال ورقة، فهي ترى أن التعليم ليس للتقييم.

الجرثومة الثالثة هي إطالة ساعات الدوام، وتعني إنهاك الطالب ذهنيا وإرهاقه جسديا، مما يتسبِّب في ضعف التركيز لديه، خاصةً إذا ارتبطت إطالةُ الوقت بحشو المعلومات الذي يسبب إهدار الوقت وزيادةِ الملل للطالب والمعلم.

لقد رفعت فنلندا شعار “تدريس أقل، تعلم أكثر” وهو ما يعني تقليل وقت التدريس مع تعلم أكثر، لأنها ترى أنّه لا توجد علاقة بين زيادة أوقات الدراسة والتفوق، بل على العكس من ذلك، إذ لوحظ أنّ الدول التي يتفوق طلابها كانت تقلِّل من ساعات دوامها الدراسي. في حين الدول التي أظهرت تدنيا في مستويات طلبتها هي التي كانت تعتمد على زيادة ساعات الدراسة.

كما أنها ترى أن الفكرة القائلة بأن تقدم الطالب تعليميا مرتبط بزيادة عدد ساعات الدراسة، هي مجرد خرافة. لهذا طبقت فكرة التقليل في ساعات الدراسة، فأصبح الطلاب هم الأقل مكوثًا في المدرسة، وخلت البيوت الفنلندية من الدروس الخصوصية، وأصبح المعلمون الفنلنديون يقضون ساعات تدريس أقل من البلدان الأخرى. وصار الطالب الفنلندي هو الأقل قلقا، كما أن المدرسة الفنلندية تفوقت عالميا خلال سنوات قليلة.

الجرثومة الرابعة هي الدراسة المنزلية وحل الواجبات وعمل الأنشطة في البيت، حيث ترى فنلندا أن للطالب الحق في الاستمتاع بوقته خارج وقت المدرسة، وأن له الحق في قضاء أوقاتٍ مع أسرته بدلا من تمضيةِ الوقت في حل الواجبات والأنشطة مما يتسبب في عزل الطالب اجتماعيا وعاطفيا عن أجواء الأسرة. ولهذا عواقبه النفسية والعاطفية على الطالب. لذلك فإنه لا بد أن يمنحَ كل جانب من جوانب الحياة حقَّه من الاهتمام والرعاية والعناية حتى ينشأ الطالب بشخصية متوازنة.

الجرثومة الخامسة هي الدروس الخصوصية، إذ أنّ وجود الدروس الخصوصية لها عدة تفسيرات مختلفة أو متحدة، وهي إما لأن الطالب لا ينال حقَّه في الفصل الدراسي بسبب كثرة الطلابِ، أو عمق المعلومات وتفاوت مستوى الذكاء، أو لأنَّه لا يركز انتباهَه في شرحِ المعلِّم اتكاءً على الدروس الخصوصية، أو لأن المعلم لا يبذل الجهدَ المطلوب لإيصال المعلومة حتى يترك مساحة للاستفادة الشخصية من الدروس الخصوصية.

لهذا تتضاعف أوقات الدراسة على الطالب فيصبح كل يومه دروساً، يأتي من المدرسة مرهقا، ثم ينضمُّ لقافلةِ الدروس الخصوصية وهذا ما يسبب له الإرهاق الجسدي والذهني. إلا أن السبب يعود في نهايته إلى النظام التعليمي الشائع.

وتهم الجرثومة السادسة المواد المعقدة التي لا ينتفع منها الطالب لأنّها لا تنفعه في واقعه أو في ميوله واتجاهاته. وهي ما يطلقُ عليها الدكتور الفنلندي “باسيسالبرغ” وصف “المعرفة المعزولة”. ويعني بها المعلومات التفصيلية التي لا يتداولها إلاَّ أهل التخصص الدقيق. ومن المؤسف أنّ هذه المواد مغرقةٌ بالتفاصيل المسهبة التي لا يحتاج لها الطالب في دراسته فهي تضيع وقته، وقدراته.
هذه جراثيم تخلصت منها فنلندا فتصدرت العالم في قائمة أفضل الأنظمة التعليمية وحازَ طلابها المراكز المرموقة عالمياً، وتسابقت الدول لتحظى بالاستفادة من تجربة التعليم الفنلندي.

 

وكالات

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.