لالة الباهية الرحمانية.. زوجة الصدر الأعظم باحماد التي حمل قصر «الباهية» اسمها
الاخبار
كان من الصعب امتلاك قلب رجل حاد الطباع جاف المشاعر وقاس اللكنة، لكن ارتباط أحمد بن موسى الشرقي المعروف بـ«باحماد»، حاجب السلطان الحسن الأول ثم كبير وزراء السلطان عبد العزيز، بفتاة تدعى الباهية بنت الشيخ مفضل الرحماني، جعلت للرجل وجها رومانسيا وقناعا سلطويا.
تقول بعض الكتابات التاريخية إن الباهية ليست الزوجة الوحيدة للصدر العظم، بل هي أحبهن إلى قلبه، حتى وصفت بـ«المرأة الجاثمة على الصدر الأعظم». وذهبت الروايات نفسها إلى التأكيد على أن زواجه من الباهية ساهم في إخماد الفتنة في قبائل الرحامنة ضد المخزن، إذ عرفت القبيلة تمردا على أكثر من سلطان.
أحكمت الباهية السيطرة على قلب ووجدان الصدر الأعظم والوزير القوي في مغرب أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين، وبمجرد استقرارها في مراكش تمردت على الأعراف السائدة ورفضت أن تقطن إلى جانب جواري الوزير، بل هددت بالهروب والعودة إلى الرحامنة، ما بوأها مكانة تليق بجمالها وذكائها وتمردها أيضا.
لا يجادل الباحثون حول الأصل الرحماني لزوجة الوزير القوي، كما لا ينكرون تشبعها بالعلم، إذ «تربت في أسرة اشتهرت بالعلم والمجد والقوة، ودأبت على التحرك من قلعة والدها في الرحامنة إلى رياض العائلة في حي القنارية بمراكش، حيث رآها الوزير القوي وهو لا يزال في ريعان شبابه، تحت رعاية والده الحاج موسى الحاجب، فخطبها لتكون شريكة حياته وسيدة قصوره، وريحانة زوجاته وزعيمة جواريه وخدمه وحشمه»، حسب الزيداني. لكن رواية أخرى تؤكد أن لالة زينب شقيقة باشا مراكش كانت مقربة إليه أيضا.
ولأن الباهية كانت تنتمي لأسرة صوفية، فقد حرصت على تعليم الجاريات و«ضراتها» أصول الفقه وتفسير القرآن الكريم، كما كانت تعلمهن بعض المهن اليدوية لـ«قتل» الزمن الرتيب. واعتبارا لمكانتها المتميزة في حياة الصدر الأعظم، فقد كان عدد كبير من حاشية القصر يلجؤون إليها كلما داهمتهم غضبته، بل إن كثيرا من القرارات الحاسمة في تاريخ المغرب اتخذت في غرفة نوم الباهية.
كان «باحماد» يستشير الباهية ويلبي العديد من طلباتها، بل إنها لعبت دورا كبيرا في تلطيف الأجواء بين القصر وقبيلتها. قال عنه المؤرخ الأديب مولاي عبد الرحمان بن زيدان: «كان أحمد بن موسى، «باحماد» شعلة ذكاء ونباهة، فقيها حازما، ضابطا عفيف الإزار، طاهر الذيل، آية في الدهاء وحسن التدبير، ذا حزم وثبات ومجالسه لا تخلو من العلماء ومذكراتهم»، لكنه غالبا ما كان ينهي مجالسه حين يشعر بأن موعدا مع الباهية ينتظره.
تقول فاطمة المرنيسي، عالمة الاجتماع، إن «أغلب الدارسين والمؤرخين يجهلون تاريخ ولادة «للا الباهية الرحمانية»، زوجة الوزير «باحماد»، خلافا لما نسبه البعض لكونها من عائلة بنداوود ذات الأصول الموريسكية الأندلسية، فأغلب الظن أن الصدر العظم ارتبط بزوجات كثيرات. كما لا تعرف نشأتها الأولى، وذلك لأسباب موضوعية، تتعلق بغياب التأريخ للنساء الفاعلات في الحقل الاجتماعي أو الثقافي أو المخزني في مغرب القرن التاسع عشر».
من شدة حبه لها، بنى «باحماد» قصرا في مدينة مراكش أطلق عليه اسم «الباهية»، «عرفانا بمودتها وحبها»، وحرص على مراقبة ومتابعة أشغاله بعد أن جلب إليه خيرة البنائين والصناع التقليديين من المغرب وخارجه، بل إنه أصر على أن تكون زخرفاته ناطقة بحكايات وجدانية جسدتها الهندسة المعمارية.
يضم قصر «الباهية» عدة أجنحة وقاعات وملحقات وأحواض وحدائق، بالإضافة إلى المنتزه والحديقة التي يتوسطها صهريج معروف باسم «أكدال باحماد»، والذي كانت تتخذه الباهية مجلسا لها.
وذكر المؤرخ محمد غريط في كتابه «فواصل الجمان»، أن «باحماد» «كان شديدا بطاشا على العصاة والمارقين والأفاقين واللصوص، لا يهدأ إلا عند الفتك بهم أو سجنهم، أما خصومه فيعيبون عليه قيامه بنقل كل ثروة البلاد التي كانت في دار المخزن على أيام السلطان المولى الحسن الأول، إلى قصر «الباهية» عقب تولي المولى عبد العزيز الحكم».
بعد وفاة «باحماد» سنة 1900، تم ضم قصر «الباهية» إلى حظيرة القصور الملكية، وقام بعدها الوزير الصدر الأعظم المدني الكلاوي، شقيق باشا مدينة مراكش، التهامي الكلاوي، بتشييد طابق علوي به، كما أن المقيم العام الفرنسي الماريشال ليوطي، اتخذ قصر «الباهية» مقرا له في مراكش، وبعد وفاة الماريشال تحول إلى مقر للضيافة.
ونزل به السلطان محمد الخامس بعد حصول المغرب على الاستقلال، وأصدر أمرا بتحويله إلى مقر للتعاون الوطني، لكن هذه الرغبة لم تتحقق، حيث تحول على إقامة للأمير مولاي عبد الله رحمه الله، إلى أن عهد به الحسن الثاني لوزارة الثقافة.
ماتت «الباهية» حزنا على زوجها وعلى القصر الذي طردت منه، وكان عمرها آنذاك 24 سنة. بكت الرحمانية زوجها وقصر «الباهية» الذي استغرق بناؤه سبع سنوات، وفي عز نكبتها تداول المغاربة المثل الشعبي المأثور «كملات الباهية».