التابي يكتب عن ذاكرة نقابة كدش CDT في بنجرير(الجزء الاول)
عبد الكريم التابي
من ذاكرة ال CDT في ابن جرير:
(الجزء الأول: بعض من التاريخ وبعض من الرجال وبعض من الأحداث وبعض من الأمكنة وبعض من الاحتكاك).
قبل البدء: هذا الحفر الابتدائي في بعض من ذاكرة الكدش والنقابة الوطنية للتعليم أساسا، سيبدو قاصرا ومقصرا ـ دون قصد طبعا ـ في حق بعض الأحداث والأشخاص، لسبب بسيط يرتبط بكوني لم أعش أغلب الأحداث والمراحل، إلا بالقرب من محيط النقابة على الأرض ميدانيا، باستثناء فترة شغلت فيها مهمة نائب الكاتب وانتدبت خلال تلك الولاية، مؤتمرا للمؤتمر السابع للنقابة الوطنية للتعليم بالمحمدية سنة 1995، وعليه، يرجى ممن يعنيهم الأمر ممن كانوا فاعلين من داخل الكدش، العمل والمساعدة على تصويب بعض مما يبدو مجانبا للحقيقة، وإضافة ما يمكن أن يكون سقط سهوا. مع الشكر المسبق والتحيات العالية لجيل المؤسسين الأولين، وللذين سقطوا في الطريق وفي ساحات الوغى جراء آلة القمع التي امتدت إلى الأرواح والأجساد والأرزاق، وللذين لازالوا صامدين وللذين أمسكوا الجمرة حتى ولو فقدت كثيرا من حرارتها).
“من مقر التراب الحلو زمن الجمر، إلى زمن التراب النقابي المر زمن الرماد”.
في زمن جميل وعنيف وصاخب من سبعينيات القرن المنقضي، وبالضبط سنة 1977 لما كانت ابن جرير مجرد تجمع لبعض الأحياء التي تحمل معها طابع البدونة في أسمائها ومساكنها وبنيتها التحتية والفوقية، ونمط عيش أهلها في الملبس والمأكل، ولما كانت مؤسساتها التعليمية محصورة في بضع مدارس مركزية وبضع مجموعات مدرسية خارج نطاق الجماعة القروية، وإعدادية واحدة هي ” الكوليج”، سيولد فرع للنقابة الوطنية للتعليم في بيت مترب بالكامل بالدوار الجديد، يجاور منزل السي عبد المجيد فرح وعلى مرمى حجر من الطريق التي يسلكها الناس نحو سوق “الثلاث” الأسبوعية، وسيصبح فيما بعد المقر المركزي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وسيكون للأساتذة الأجلاء: المرحوم عبيدة المستعين والأستاذ صالح بلكاضي والأستاذ عبد المجيد الفارسي والمرحوم الشمامي والأستاذ الحنفي والأستاذ البشير البخاري والأستاذ سعيد فرحات، شرف تأسيس أول مكتب نقابي سيتحمل مسؤولية كتابته العامة الأستاذ المرحوم البرداني والد السي عبد المجيد البرداني الذي كان إلى وقت قريب رئيس وكالة البنك المغربي للتجارة الخارجية.
بعد انقضاء الولاية الأولى، سيضع النقابيون الأستاذ لحسن الصفريوي كاتبا عاما للولاية الانتدابية الثانية 1979 / 1981 رفقة عبد الخليد البصري والسي المستعين عبيدة والسي الحنفي والسي صالح بلكاضي والسي الفارسي. ولعل أبرز الأحداث التي طبعت هذا التاريخ، هو الإضراب البطولي للتعليم ل 10 و11 أبريل 1979، و الذي ستتدخل فيه الدولة بعنف قبيل الإضراب وأثناءه وبعيده بالطرد والضرب والاعتقال والتوقيف في حق عدد كبير من رجال التعليم ونسائه عبر كل التراب الوطني. ولحسن الحظ لم تشمل تلك التدابير القمعية أي شخص من نقابيي ابن جرير.
بعد ظهور مكتشف الفوسفاط بابن جرير، سيتعزز المشهد النقابي للكونفدرالية بتأسيس فرع للنقابة الوطنية لعمال الفوسفاط يضم بين صفوفه أو للدقة تضم صفوفه مجموعة من العمال المناضلين القادمين والمنقلين من مراكز فوسفاطية أخرى أهمها مركز اخريبكة، لهم ما يكفي من التجربة النقابية في خوض مختلف أشكال الصراع والنضال في مواجهة الإدارة. هذا الوضع الجديد على مكتشف حديث العهد، وبقاعدة عمالية خام، بدا أنه سيشكل خطرا محدقا على امبراطورية الفوسفاط التي كانت تسير بقوانين أقرب إلى العبودية، إن لم تكن هي العبودية نفسها، ما حدا بالإدارة والسلطة إلى الإقدام على طرد 27 عاملا.
ولعله ليس غريبا أن يحتفل عمال ابن جرير بأول فاتح ماي وتنظيم أول مسيرة عمالية في عيد العمال نفسه، خاصة بعد أن أسندت كتابة الاتحاد المحلي لمناضل ميداني لا يكل ولا يمل هو المرحوم لحسن مبروم الذي سيؤدي الضريبة لاحقا اعتقالا صحبة محمد عبيدية عقب الإضراب العام في 20 يونيو 1981 والذي سيتحول إلى انتفاضة شعبية في الدار البيضاء، سيلعلع فيها الرصاص الحي وستعرف اعتقالات بالجملة مات بسببها عدد من الشهداء الذي سماهم المقبور ادريس البصري بشهداء الكوميرة، والذين لم يعرف لعدد منهم مصير إلا بعد الكشف في السنوات الأخيرة عن المقبرة الجماعية، ومن أولئك الضحايا، الشهيد ادريس كاكا الذي يتحدر من ابن جرير وبالضبط من حي افريقيا.
وقد عانى المرحوم المناضل لحسن مبروم طويلا أثناء الاعتقال وبعد الإفراج عنه، صحيا وماديا إثر توقيفه عن العمل لمدة طويلة، ولازمته تلك المعاناة إلى أن فارق الحياة.
وفي سياق معركة طرد العمال، يجدر التذكير بما قام به المرحوم مبروم من تدخلات استعجالية لترميم الأوضاع النفسية والمادية للضحايا، وذلك بإشراك مجموعة من الطلبة الذين كانوا ينشطون في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفاس وغيرها كعبد الله نجباح وعباس مصباح وكحيري وأوشن الحبيب وآخرين حضروا إلى ابن جرير لتقديم ما يلزم من الدعم والمساندة.
بعد أحداث البيضاء، سيتم حظر المركزية النقابية إلى غاية 1985، وستجدد هياكل النقابة الوطنية للتعليم بعد الضربة الموجعة التي تلت الانتفاضة ولم توقف المعارك النضالية، وسيتحمل الأستاذ صالح بلكاضي مسؤولية الكتابة العامة للفرع بعد سياق اتسم سياسيا بأحداث 8 ماي 1982، التي سيضع فيها تيار واسع داخل الاتحاد الاشتراكي حدا لوضعه داخل الاتحاد، وسيؤسس ما يعرف اليوم بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وطبعا سيكون لهذا الحدث تأثيراته على المركزية النقابية وقطاعاتها، ولن تسلم ابن جرير من تلك التأثيرات. وستستمر هيمنة الجناح المحسوب على الاتحاد إلى غاية 91/ 92، حيث ستؤول كتابة الفرع إلى الأستاذ حسن مصطلح الذي سيستمر في مهمته إلى سنة2011، تاريخ خروج الجناح المحسوب على الاتحاد وتأسيسه للفدرالية الديمقراطية للشغل. كما لا يجب أن نسهو عن تجربة 93/95 التي شارك فيها مناضلو منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، في تسيير الفرع المحلي لما كنت نائبا للكاتب، كما انتخبت رفقة عضو آخر منتدبين للمؤتمر السابع للنقابة الوطنية للتعليم الذي انعقد بالمحمدية سنة 1995، والذي سيكون سببا من أسباب أخرى قطعت كل صلاتي التنظيمية مع النقابة، ولم تقطع صلاتي النضالية معها في كل المعارك التي تدعو إليها وفي كل مسيرات فاتح ماي وغيرها من الأشكال النضالية على مستوى كل القطاعات الموجودة بالمدينة.
ولم تغب النقابة الوطنية لعمال السكك الحديدية بقيادة مجموعة من المناضلين على رأسهم السي أحمد لزعر وخليفة مريغينة وآخرين ارتبطوا بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وخاضوا من داخلها عددا من المعارك لعل أشهرها الإضراب الذي دام أكثر من شهر واعتقل على إثره بعض المناضلين.
كما لا يفوتنا التذكير بتأسيس بعض القطاعات النقابية المرتبطة بالصحة والشبيبة والرياضة.
بعد أن تم حسم الصراع بين الجناحين سنة 2002، سينتخب الأستاذ عبد الله نجباح كاتبا للفرع إلى غاية 2012، حيث تحمل المسؤولية الأستاذ عبد الصادق برامي إلى سنة 2014 عاد بعدها الأستاذ عبد الله نجباح مجددا إلى متم الولاية سنة 2016.، لتستقر حاليا على الأستاذ عبد الصادق بصفة مزدوجة الكتابتان المحلية والإقليمية، فيما عبد الله نجباح أنهى مساره المهني متقاعدا وبالنتيجة أنهى مساره في تحمل المسؤوليات النقابية.
في الجزء الثاني: مقاربة أولية لمسار الكدش بابن جرير..
الصورة من مقر التراب للكدش. ويظهر فيها السي الحسين الزوين متدخلا والسي محمد الحمزاوي جالسا في الأمام على اليسار وكاتب هذا النبش في الخلف بالقبعة واللحية السوداء. وأظن أن المناسبة هي معركة الإضراب الطويلة التي خاضها السككيون منتصف التسعينيات.