الناشط السياسي التابي يكتب:” من ذاكرة التجربة الجماعية 2002 / 2007: (تجربة العنف والانحطاط)”
ذ عبد الكريم التابي.
إذا وجدتم في هذا الحكي عن ذاكرات ابن جرير اعوجاجا، فقوموه. ولكم الحسنة بعشر أمثالها. عبد الكريم التابي.
يبدو أنني تأخرت في النبش في ذاكرة التجربة الجماعية للمجلس الحضري لبلدية ابن جرير خلال الولاية الممتدة من 2002 تاريخ السقوط النهائي الدراماتيكي للحركة الشعبية، إلى 2007 تاريخ قدوم عاصفة الجرار، وذلك لأنني وجدت صعوبة في لملمة شتاتها لكوني لم أتابع كل دوراتها عن قرب ليس لتقصير مني، ولكن إما لأن الرئيس ومعه شيء من القانون وكثير من المزاج،كان يغلقها أمام العموم والصحافة في غالب الأحيان، أو يجعلها مفتوحة ويسحب الكراسي حتى يظل الحاضرون من الذين انتخبوه أوالذين لم يصوتوا عليه واقفين (حتى يعياو وطيبو ليهم رجليهم ويمشيو فحالهم) كما حدث معي مرارا أمام أنظار مستشارينا الأجلاء، إضافة لكوني لا أتوفر على أية وثيقة وأثر مادي لتلك التجربة التي كانت المعارضة بدورها تعاني الأمرين بشأنها، ويعتبر مجرد حصولها على محضر إحدى الدورات إنجازا تاريخيا عظيما، كان عليها أن تناضل من أجله داخل المجلس وخارجه وتراسل كل الجهات المعنية وغير المعنية.
وزاد التشويش علي وأنا أسود هذا النبش، عقب ظهور نتائج الانتخابات التي أحرزت لائحة العيادي حتى لا نقول لائحة الحمامة، عشرة مقاعد للآتية أسماؤهم: (محمد العيادي ـ عبد الحق بويزي ـ المهدي بوخير ـ ادريس الادريسي ـ محمد بوخار ـ عبد العزيز لديد ـ يونس بن بوعزة ـ عبد السلام العيادي ـ أسماء العيادي ـ محمد الحدري). وفاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بثلاثة مقاعد ( ابراهيم حدا ـ عبد الجليل معروف ـ مصطفى رضوان) ونال حزب البراد ثلاثة مقاعد ( موسى الموساوي ـ محمد رابح ـ محمد الراخي) وكان للاتحاد الاشتراكي مقعد واحد ( أحمد اشبايك) وحزب الاستقلال مقعدان ( عبد الوهاب بنطالب وابراهيم أسبري) وظفر حزب العهد ثلاثة مقاعد ( مصطفى الشرقاوي وعبد الله البيهي ومحمد بشرى ـ) وعن الاتحاد الدستوري فازعبد الكبير الصغيري وعبد الرحيم لمهيمر( ولد الراضي)، كما فاز عبد الخليد البصري بمقعد باسم حزب يقال له الفضيلة المنشق عن العدالة والتنمية، زاد التشويش جراء هذا الكسكسو بسبع خضاري من جهة, والانتقال من هذا المعسكر إلى ذاك ليلة انتخاب مكتب المجلس من جهة أخرى، إضافة إلى كون غالبية الفائزين لا علاقة وظيفية تربطهم بتلك الرموز الانتخابية المجهولة باستثناء الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.
ولم يستقر اصطفاف الأغلبية والمعارضة، إلا صبيحة يوم انتخاب مكتب المجلس، حيث انضم إلى جهة السيد العيادي كل من ممثلي حزب البراد الثلاثة، وعبد الرحيم لمهيمر عن الاتحاد الدستوري ومصطفى رضوان عن الحزب المسمى ال PSD.، وفيما بعد التحق محمد بوخار بالمعارضة وتبعه لاحقا يونس بوعزة.
في ظروف شبيهة بالظروف والأجواء التي طبعت المجلس، انطلاقا من ملابسات تشكيله الغريبة ومرورا بواقعة الاعتداء على المعطلين داخل قاعة الاجتماع وأثناء انعقاد إحدى الدورات ( محمد حمدي وعبد المالك بوسلهام) والذي كنت الشاهد الوحيد داخل القاعة وفي المحكمة التي أدانت ابتدائيا أطراف القضية جميعهم بمن فيهم الرئيس بشهرين سجنا موقوف التنفيذ، ثم الاعتداء على أحد مستشاري المعارضة بالضرب ( عبد الكبير الصغيري)، إلى ما صاحب تلك الأجواء المتوترة في قضية احتجاجات جمعية الفراشة التي انتهت بجملة اعتقالات انطلقت يوم الثلاثاء الأسود 29 ماي 2004 تلتها إدانة بالسجن النافذ (شهران) في حق عدد من النشطاء نذكر منهم : محمد حمدي وعبد المالك بوسلهام وسعيد لعكيدي والأخوان أبو الفداء وعبد السلام لانكو والسكراتي. يصعب على المتتبع أن يمسك برأس الخيط ليستطيع أن يفك باقي الخيوط المتشابكة، كما يصعب عليه مهما حاول أن يكون منصفا، أن يسجل ولو حسنة واحدة لتلك التجربة، باستثناء أن المسؤولية في المغرب، لا تربط إلا بالسلوكية. ولم تقف “غزوات” الرئيس عند هذا الحد، بل اعتدى على خبز بعض الموظفين والمستخدمين في الأشهر الموالية، بالتوقيف لمدة شهرين (جمال لحمادي وعبد الرزاق الحنين)، وعزل آخرين لسنة ونصف (حالة عزيز بابنة وياسر بلهيبة وسلامة القصاري وآخرين وأخريات) بعد تأسيسهم لمكتب نقابي تابع للاتحاد المغربي للشغل.كما يجدر التذكير أيضا في باب منجزات الاعتداءات، ما تعرض له خالد مصباح عن الجمعية المغربية لحقوق الانسان وعن حزب الطليعة ساعتها من ضرب وسط بهو البلدية تحت أنظار ومسامع المرتفقين.
ما كان يجري داخل المجلس البلدي من تجاوزات واختلالات فاضحة طالت مجالات تسيير شؤون الجماعة، والتي كانت موضوع شكايات ودعاوى قضائية ( قضية تعبيد الطرق ( 284 مليون) وقضية سندات الطلب الخاصة بقنوات الصرف الصحي وقضية الأكشاك التي فوتت لبعض الأشخاص خارج نطاق القانون وغيرها من القضايا التي ذهبت جميعها أدراج الريح سواء على مستوى المحاكم أو سواء على مستوى العمالة والولاية ولجن التفتيش وقضاة المجلس الأعلى للحسابات الذين سجلوا عددا كبيرا من الاختلالات دون أن يكون لتقاريرهم أي أثر عقابي زجري، ودون إغفال عشرات المقالات الصحفية التي كان ينشرها السي عبد الرحمان البصري على جريدة “الأحداث المغربية” حين كان مراسلها، وذلك على امتداد الولاية الجماعية جميعها، ما يعني أن رئيس المجلس كان يعامل معاملة تفضيلية استثنائية لاعتبارات مرتبطة بالأنساب وبشبكة العلاقات العائلية مع عدة أطراف، لم يكن أعضاء المعارضة وحدهم من حمل همها، بل أن الأمر نفسه حملته لجنة للتنسيق المحلية التي كنت أحد أعضائها، عقدت لقاء خاصا مع عامل الإقليم “كلموس”، كما عقدت ندوة صحفية بنادي المحامين بالرباط، وبدوره عقد الحزب الاشتراكي الموحد لقاءا مع نفس العامل دون أية نتائج تذكر.
وإذا كانت تجارب الحركة الشعبية على سوئها، تمرر الحسابات الإدارية (باش ما عطى الله) من الفاتورات “الملبقة” من هنا وهناك، فإن حسابات الحمامة لم تكن تحتاج سوى إلى رفع الأيادي ثم الالتحاق بالدار الكبيرة لازدراد ما لذ وطاب من “مطرح ما يسري، يمري”.
والغريب الذي في اعتقادي ليس غريبا، هو صمت القبور ممن كان من المفروض فيهم ألا يقبلوا مثل هكذا ممارسات فيها كثير من الجهل والسادية والاحتقار والإساءة إلى مؤسسة الجماعة وفي قلبها سكانها الذين من المفروض فيمن يمثلهم أن يعاملهم بكل الاحترام والتوقير.
وفي الاستنتاج حسب تقديري الشخصي، فتلك التجربة التي تمثل وجها من أوجه الانحطاط الثقافي والأخلاقي والسياسي، قابلتها يقظة مجتمع مدني رقيب ومراقب لايشبه المجتمع المدني القائم اليوم. كما أن ما جرى هو نتيجة طبيعية لذلك الفراغ المهول الذي يتركه عزوف كثير من الوجوه المناضلة المتعلمة عن الانخراط في الشأن العام.
وعلى المستوى التوثيقي لم تترك تلك التجربة شيئا يعود إليه الباحث والمتتبع، سوى معجم من الشتيمة والسباب وحزم من الدعاوى والشكايات.