OCP

آسية العمراني تكتب : ابنتي كُوني صحافية، ولا تخافي !

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 

آسية العمراني. طالبة صحفية
عندما بدأ حلم الصحافة يكبرُ في عقلي، كانت أمي تشجعني على خوض غمار مهنة المتاعب، لأنها كانت تثق في قدراتي وفي شخصيتي، وهذا هو المهم. لأنها كانت تعرف بأنني قوية، لا يمكنني أن أرضخ لأي شيء ولو كان على حساب مستقبلي، كانت تعرفُ حق المعرفة أنني عنيدة وعنادي يجابُه كل ما يمكن أن يأتي ضدي، ولو كان على حساب كرامتي كامرأة. ونحن نعرف جميعا البيئة الإعلامية، فالمختصر كأصغر جنس صحفي إخباري، قد يكلفك الحصول عليه في أحايين كثيرة تضحيات جهيدة.
لماذا اخترتِ الصحافة؟
كلما طُرح علي هذا السؤال، أجبت بأنه حلم الكتابة والنقد، حلم الإذاعة والتلفزيون، حلم الصوت الذي يرفع صوت الحناجر المبحوحة المُهمشة، حلم الحرف الذي ينقل الخبر ويكشف الحقيقة، حلم الكاميرا التي ترصدُ آهات مواطنين ظلمتهم الجغرافيا ولم يحظوا بحب الوطن، حلم الميكروفون الذي يتحسس دموع الناس ويجترح بالأذن آلامهم اللامرئية ..
لهذا السبب اخترت الصحافة، اخترتُ مهنة المتاعب لأنخرط بدوري في السلطة الرابعة، وأي اعتزاز وافتخار وشموخ كهذا الذي أناله، وقد صار اسمي في لائحة الشاهدين على عصرهم، يطرحون الأسئلة بحثا عن الجواب الواضح، يستفيقون صباحا ولا ينامون دون أن يفارقهم هاجس واحد، هو البحث عن الحقيقة، وأي معركة أكثر نبلا من معركة الصحافة.
غير أن الواقع الذي نعيشه يختلف تماما عن أحلامنا وأفكارنا، فلا أحد يمكنه أن ينكر صعوبة المحيط الإعلامي الذي نشتغل فيه، صعوبة البحث عن الخبر مع الحفاظ على الكرامة، صعوبة الحصول على المعلومة والحفاظ على الشرف، صعوبة الحصول على شهادة دون السقوط في الإغراء أو الابتزاز سواء المادي أو الجنسي.
وما نتتبعه في المشهد الإعلامي المغربي كاف لفهم الفكرة السابقة، كم سمعنا عن صحافيات خضعن للابتزاز الجنسي مقابل الحصول على ترقية في العمل، أو الحصول على أجر مادي مرتفع، أو الاستفادة من تكوين صحفي خارج المغرب، كم من صحفيات فضلن الخروج من العمل رافعات إشارات الرفض للتحرش والابتزاز الجنسي، و في المقابل كم من صحفيات فضلن الرضوخ لكل أشكال الإغراء بدعوى الخوف من فقدان العمل أو الخوف من الفضيحة.
أؤمن بفكرة واحدة وهي أن “الكرامة غير قابلة للمساومة”، الكرامة مقدسة وغير قابلة للاختراق ولا للتجزئة كيفما كانت الظروف والعوامل، والحفاظ على الكرامة هو تحدي الصحفيات اللواتي لا يعتبرن الصحافة جريمة ولا عارا، ولا يزعجهن ما يقال حول الصحافة، ولا حول الصحافيات.
الصحافة ليست جريمة، ولن تكون أبدا جريمة، لأن نقل الخبر مهمة شريفة ونبيلة، ونيل هذا الشرف يجب ألا يحبط المنتسبين للوسط الإعلامي، خصوصا الصحافيات، فيتراجعون خطوات للوراء، خوفا عن حياتهم التي يصفونها بالمهددة. وإذا كانت حياتي مهددة، ماذا بعد ذلك؟ درسنا بأن محاولة الوصول للحقيقة هي المحرك الأساسي للصحفي والمؤسسات الإعلامية في عملها، وقد تكون هذه المحاولة مكلفة جدا، لكن بالمقابل نتحمل مسؤوليتنا دون أن تكون على حساب مبادئنا وكرامتنا وحريتنا.
الصحافة ليست جريمة، ولن يُحبطني مايقع في المشهد الإعلامي، كما دفعتني أمي نحو حلمي، فإني لن أحبط ابنتي إذا ما أحبت الصحافة، سأشرح لها كل شيء، سأخبرها بأنهم قد يدعونها للكنبة، وقد يغلقون الباب عليها بالمفتاح في محاولة إغراءها والتحرش بها، قد يحاولون اغتصابها، وقد يحاولون الانتقام منها، وقد تكون متزوجة ويلصقون بها تهمة الخيانة، أو يلصقون بها علاقة رضائية مع رئيس تحرير المؤسسة التي تشتغل بها، وقد يبدعون في صناعة صور أو شريط فيديو مؤكدين أنها هي المتواجدة في الصورة، كل هذا لا يقلق ولا يخيف، ولا يحبط، لأن الخوف منه يُسقطنا في تأكيد “الصحافة جريمة”، ويجعلنا نتماهى مع هذه الفكرة الخاطئة.
مايدعونا اليوم للقوة وعدم الاستسلام هو التشبث بعملنا الصحفي رغم كل المضايقات والمشاكل والعوائق، رغم كل شيء، رغم القيل والقال، يجب أن نؤكد لهم أن الصحافة لا تخيفنا ولا ترعبنا، وترهيبهم لن يحبطنا، بل سنواجهه بالحرف والميكروفون والكاميرا مرة أخرى.
أكثر مانحتاجه في هذا الوقت، هو التمسك بحرياتنا، وإذا اختارت ابنتي الصحافة، سأشجعها وأدعم اختيارها لسبب بسيط هو أن الصحافة ليست جريمة، فأن ندعو الحالمين بهذه المهنة النبيلة للكف والتراجع عن حلمهم هو في حد ذاته جريمة، والجريمة هي أن تخيفنا الصحافة نحن من يحلم بالديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون صحافة حرة.
آسية العمراني. طالبة صحفية
Elomraniassiya@gmail.com

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.