متسولون بظروف اجتماعية وعاهات جسدية مختلفة يجوبون شوارع ومقاهي مدينة ابن جريرليل نهار…ما الحل ..؟
قصة
في إحدى المسرحيات العربية يقول اللص للمتسول وهو يستعطفه أن يعطيه شيئا:
– اذهب أنت رجل بلا كرامة.
فيرد عليه المتسول: أنا أفضل منك.
فيجيبه اللص: أنا أحصل على المال بالقوة وهذه شجاعة .
ليرد المتسول: وأنا أحصل على المال برضا الناس ومسكنتي وهذه سياسة.
التسول ظاهرة عالمية ورقم في ازدياد مستمر
تعاني مدينة ابن جرير كما يعاني المغرب وكما تعاني باقي بلدان العالم من استفحال ظاهرة التسول حيث كانت إحدى الدراسات الوطنية حول الظاهرة قد كشفت عن وجود أزيد من نصف مليون مواطن مغربي يتخذون التسول مهنة دائمة أو مؤقتة.
وحددت هذه الدراسة أسباب التسول في الفقر والمشاكل الصحية واستغلال العائلة للأطفال والمسنين في التسول.
ويعتبر الكثير من المتابعين والباحثين المغاربة في هذه الظاهرة أنها جد معقدة ومحاربتها تحتاج إلى تكوين مختصين في أساليب التعامل مع المتسولين وتجنب اعتقالهم بطريقة تقليدية دون المس بهم أو بأموالهم، ونقلهم إلى مركز الإيواء لتلقي معالجة نفسية وإعادة إدماج في الحياة العامة.
متسولو ابن جرير هذه أماكنهم وطريقتهم ….
تجدهم أمام أبواب المساجد.. و على قارعة الطرق.. تجدهم في الشوارع..و أمام أبواب المنازل..تجدهم في المقابر و أمام المقاهي ومحلات الأكلات السريعة.. تجدهم في السوق الأسبوعي وقرب موقف الطاكسيات والحافلات ..تجدهم في كل مكان.. أينما وليت وجهك وسط مدينة ابن جرير ثمة متسول يحتل مكانا يراه الأنسب للاسترزاق ، ولكل واحد منهم أسلوبه الخاص وطريقته التي يعتقد أنها الأنسب لإقناع الناس كي يمدوا أيديهم إلى جيوبهم ويخرجوا منها بعض السنتيمات.
منهم من يتصنع البلاهة والجنون ، ومنهم من يدعي الإصابة بحادث أو موت والد أو أم ، أو حصول مرض، ومنهم من يفتعل البكاء ليكسب عطف الناس , ومنهم من يجر أطفالا يكتريهم من أبناء الجيران ليمارس التسول بهم، ومنهم من يعزف ألحانه وترانيمه على أسماعك علها تحرك عواطفك ,ومنهم من يريد بيعك شربة ماء وقت البرد والأمطار..ومنهم من يضع على طاولتك بالمقهى وصفات طبية، ووثائق هوية، أوراق مكتوب عليها تقرير مختصر عن الحال يغني المستولين عن الخوض في سرده شفهيا،.. ومنهم.. ومنهم..
شهادات متسولين من ابن جرير
خلال جولة لجريدة “فور تنمية ” في أهم شارع بمدينة ابن جرير، بدا لنا أن المتسولين ينتشرون بكل مكان ، مستغلين عاهاتهم وسوء مظهرهم، كطريقة يستجدون بها عطف المارة.
فمنهم من اتخذ التسول كحرفة، لا يمكنه الاستغناء عنها، فأتقنها وأحسن لغتها، بارتدائه ملابس بالية ، مرددا كلمات مؤثرة ، يستميل بها كرم المحسنين .
لكن بينهم من أجبرته الظروف على امتهانها، كـ صاحب آلة العود ، الذي حط الرحال بابن جرير قادما إليها من مدينة آزمور باقليم الجديدة يقول هذا الفنان المتسول لجريدتنا :
” لم أختر التسول بمحض إرادتي لقد وجدت نفسي في هذا الموقف بعد أن لم أجد طريقا آخر لكسب الرزق .فأنا فنان موسيقي وكنت اشتغل مع عدة فرق شعبية لكنني لم اعد أقوى على سهر الليالي في الأعراس ..فلم أجد من سبيل لكسب الرزق غير آلة العود هذه..والوقت صعابت.. والزمان غلا ..واحنا غير مساكين, وعايشين غير مع ولاد لحلال بحالكم ..”
وفي الجانب الآخر لذلك الشارع (القشلة ) كانت تتجول امرأة عجوز، أخذ منها الزمن مأخده, وقفت على باب احدى السيارات وقد مدت يدها لصاحبها تطلب صدقة لكنه لم يعرها ادنى اهتمام وواصل حديثه مع زوجته وابنته الصغيرة,أطرقت العجوز برأسها في اتجاه آخر وهي غير مبالية لما وقع فقد اعتادت على هذا النوع من التجاهل,تسمرت طويلا أمام عمود الكهرباء قبل أن تقرر قطع الطريق في اتجاه مقهى أخر وزبون آخر ولسان حالها يقول لاكرامة مع الجوع .
أطفال متسولون
لم يكن الطفل (م ) ذو الستة أعوام وأخواته أقل معاناة من العجوز, فقد حرموا من الدراسة ورمت بهم أمهم في الشارع حتى بات لوقت ما قبل تغيير مكانهم شبه محتلين له, وتجلس هي في إحدى الأماكن تستجدي المارة وعلى حجرها يرقد طفل رضيع في شهوره الأولى .تقول الأخت الأكبر من الطفل (م) :أمي تجري لنا مسابقة كل يوم حول من سيحصل على اكبر قدر من المال من التسول..أنا في كثير من الأحيان أتفوق على كل إخوتي واحصل على مبلغ إثنا عشر مائة ريال خلال اليوم .وفي المساء عندما نعود للمنزل تحسب أمي كل النقود التي جمعناها كلنا فتجد 5200 ريالا.
حل من الحلول ..
ربما الحديث عن حل لظاهرة يزداد ممتهنوها كل يوم أعقد من كلام على صفحة جريدة الكترونية , ولعل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي لكثير من الأسر بالمنطقة يظل عاملا رئيسيا في انتشار وتوسع الظاهرة . لكن هذا لايعني أن يقف المجتمع عاجزا عن تقديم البدائل التي من شأنها مساعدة هذه الفئة على تجاوز أوضاعها وهو مايستدعي تدخل الوزارات المعنية لتفعيل مشروع مكافحة التسول بشراكة مع الجمعيات العاملة والمهتمة بهذا المجال الاجتماعي وذلك عبر إعادة تأهيل المتسولين رجالاً ونساء وأطفالاً ومعاقين من خلال إلحاقهم سواء بمعهد للتكوين المهني او بجمعية أو بمركز دار المواطن .ليصبحوا ذوي مهن بدلاً من التسول في شوارع ومقاهي المدينة مخلفين صورة سيئة عنها لدى كل زائر وعابر سبيل.