OCP

ملف مجلة قناة الجزيرة حول قبيلة الرحامنة : الجزء الخامس:صبّار الرحامنة .. منقذ البداوة الصبورة من الأزمات

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فاطمة سلام الجزيرة. تصوير هشام ازريويل

في إقليم الرحامنة، لا يمكن أن تخطئ عين الزائر الانتشار الكبير لنبتة الصبار في أراضيها. إنها الشارة الخضراء التي تدلك على صمود وكرم صبر القبيلة العريقة في المغرب.
 
وعلى أكثر من ثلاثين ألف هكتار بمجموع تراب الرحامنة، يحاول مخطط المغرب الأخضر -الذي أطلقته وزارة الفلاحة المغربية سنة 2008- أن يحول نبتة الصبار من وضعها في النمط المعيشي القروي والاستهلاك المحلي للفلاحين إلى مصدر دخل مستقر لهم. سيتأتى ذلك -بحسب المخطط- بالاستفادة من الفوائد الطبية للنبتة، عبر استخراج زيوتها واستعمالها في صناعة مواد تجميلية طبيعية غالية الثمن. 
يحاول مخطط المغرب الأخضر تحويل نبتة الصبار من النمط المعيشي القروي والاستهلاك المحلي للفلاحين إلى مصدر دخل قار لهم. 
 
لكن بين تعثر الفلاحين في فهم طبيعة هذا الإنتاج البديل، وعدم استعداد عدد منهم لترك تربية الماشية أو الانشغال عنها وعن الزراعة، وبين العراقيل المادية والتقنية للمشروع؛ يظل الاستعمال الأصلي لنبتة الصبار هو الأبرز. إنه سور البيوت، ومانح أجود الثمار الصحية التي أنقذت في عقود سابقة الآلاف من القرويين من الموت جوعا خلال سنوات الجفاف، بالذات كما تنقذ اليوم ماشية الرحامنة لذات عوامل الجفاف القاسية، حيث أصبحت علفهم. في دوّار “بلكرن” بالرحامنة، المشهد العام للبيوت الطينية التي يتوسطها جامع القرية تحيطه نبتات الصبار الخضراء، يجعلك تفكر بمشهد اقتص من حكاية عن الفطرة والنقاء والعودة إلى الطبيعة الأم. حافظ سكان القرية -كما كل القرويين في قبيلتي الرحامنة والسراغنة المجاورة- على إحاطة بيوتهم بسور من نباتات الصبار والسدر، إنه يضع الفواصل بين ما هو صالح من الأرض لبناء البيت أو توسعته وبين حقول الزراعة، ويرسم الحدود بين حقول هذا الفلاح وأخيه وجاره. 
تحرق أشواك الصبار بحيث لا تصل النار بالوصول إلى النبتة. ثم يشرع في تقطيعه إلى قطع صغيرة جدا لتسهيل تناولها على الماشية
 
تحتمل نبتة الصبار درجات الحرارة العالية، ومناخ الرحامنة الجاف يجعلها في مكانها الطبيعي. ربيعا تبدأ أزهاره في التفتح وتتمايل بين الصفرة والحمرة مانحة البداوة لمسة حيوية، وصيفا يبدأ إنتاج ثمارها الصحية -“الكرموس” كما تسمى في الرحامنة- التي بات يخلق الطلب المتزايد عليها في المدن فرص عمل موسمية للقرويين، بذات الوقت الذي يزاحم فيه اعتماد أسر عليها كغذاء رئيسي. لكن في الرحامنة يتحول هذا الانتفاع التقليدي من الصبار إلى انتفاع حيوي عندما يتعلق الأمر بالجفاف الذي أضر بميزانية فلاحيهم، وجعل أعدادا كبيرة منهم تحت خط الفقر. يلجأ الفلاحون إلى تجميع الصبار بداية، ثم تحرق أشواكه باستعمال الغاز برشاقة لا يسمح معها للنار بالوصول إلى النبتة. ثم يشرع في تقطيعه إلى قطع صغيرة جدا لا يصعب على الماشية التقاطها. تبدو هذه العملية سهلة بينما يتطلب قطع الصبار بعيدا عن جذره وحرق أشواكه وتقطيعه، إلى جهد مضن يترك آثاره الواضحة على اليدين، خصوصا أن درجات الحرارة صيفا في الرحامنة تصل إلى 50 درجة مئوية. 
لا يمكن أن تخطئ عين الزائر الانتشار الكبير لنبتة الصبار في أراضيها 
 
يقول عبد الرحمن (45 عاما) وهو فلاح من قرية أولاد سيدي بوزيد، “حرثت كل قطع الأرض التي ورثتها عن المرحوم والدي، وانتظرت أن أحصّل منها أضعاف ما دفعته من مال، لكن الجفاف ضرب الرحامنة للعام الثالث على التوالي، وخرجت من موسم الحصاد خاوي الوفاض. تضررت ولم يوجد في الحقول تبن، فجاعت ماشيتي”. إذا لم يوجد الكلأ في الحقول فعلى الفلاحين اللجوء لشراء الأعلاف. يقول عبد الرحمن لمجلة الجزيرة إن “العلف يكلف كثيرا”، فالقطيع الصغير المكون من 23 رأس غنم يحتاج إلى حوالي 12 دولار يوميا، “نحتاج شراء أعلاف وحزم وفيرة من التبن، لكن أسعارها جميعا ترتفع في مواسم الجفاف”. وبالنسبة لفلاح دخله اليومي لا يصل إلى ستة دولارات، فالأمر “كارثة” يتم التخفيف من وطأتها باللجوء لاستعمال الصبار علفا، يقول عبد الرحمن “الحمد لله، هو إلى الآن لم يخذلنا”.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.