المدرسة الرائدة بين التلقين والاكتشاف: أي تعلم نريد؟
فور تنمية:بقلم: الأستاذة آمال لحسيني
في زمن تتعدد فيه المقاربات التربوية وتتباين، يظل سؤال جوهري يفرض نفسه بإلحاح على كل ممارس تربوي:
هل المطلوب أن نلقن المتعلم أم أن نساعده على أن يكتشف؟
هذا السؤال برز في ذهني وأنا أقرأ عن “مبدأ التصريح” ضمن مقاربة التدريس الفعال في إطار مشروع المدرسة الرائدة. مبدأ يقوم على تقديم الأهداف بوضوح، وتوجيه خطوات التعلم بطريقة منظمة ومنهجية، تجعل المتعلم يدرك منذ البداية ما الذي سيتعلمه، ولماذا، وكيف.
من حيث الظاهر، يبدو هذا المبدأ معقولا، بل وضروريا خاصة في ظل الفوارق الفردية، والضغط الزمني، والحاجة إلى ضمان تعلم جميع المتعلمين. لكن كأستاذة، وأم، ومتابعة للشأن التربوي، لا يسعني إلا أن أتساءل:
أين هو تفكير المتعلم؟ وأين هو دوره في إنتاج المعنى؟
أليس التعلم الحقيقي هو ما ينبع من الاستبصار؟ من ذلك الوميض الذهني حين يربط المتعلم بين العناصر؟ من اكتشافه الشخصي للقاعدة بعد تأمل، تجربة، أو حتى تعثر؟ أليس صحيحا أن من الخطأ نتعلم، وأن التجربة أعمق أثرا من التلقين؟
هنا تحضرني نظرية الجشطلت (Gestalt)، التي ترى أن الإنسان يدرك الأشياء ككل متكامل، لا كأجزاء منفصلة، وأن التعلم يحدث حين يتمكن المتعلم من اكتشاف العلاقات بين العناصر بشكل واع. إنها نظرية تحترم ذكاء المتعلم، وتمنحه دورا مركزيا في عملية التعلم، لا كمجرد متلق، بل كـباحث صغير في قلب المعرفة.
في ضوء هذا، أجد أن الاقتصار على مبدأ التصريح، دون فسحة للاكتشاف والاستبصار، قد يفضي بنا إلى تعليم جامد، موجه أكثر مما يجب، يقتل فضول المتعلم، ويجعله ينتظر التوجيه بدل أن يبادر بالبحث والفهم.
ومع ذلك، لا يمكننا أن نتجاهل أن الوضوح والتدرج وهيكلة التعلم تبقى عناصر أساسية خاصة في المراحل الأولى من التعلم أو مع المتعلمين الذين يعانون من صعوبات. من هنا، فإن التوازن بين التصريح والاكتشاف، بين التوجيه والاستقلالية، هو ما يجب أن نسعى إليه كمربين.
في الختام، لسنا أمام اختيار بين طريقين متعارضين، بل أمام فرصة للتكامل: نُصرح حين يحتاج المتعلم إلى التنظيم. ونحفزه على الاستبصار حين يكون مستعدا لبناء المعنى.فالتعلم ليس تلقينا، وليس اكتشافا مطلقا، بل هو رحلة مشتركة بين عقلين: عقل يوجه، وعقل يكتشف.
تساؤلات خبيرة، حول قضية التعليم، التي تستدعي فتح نقاش وطني، يقوده الأساتذة، لأنهم أعلم بأحوال التعليم من غيرهم، وكل اصلاحات لا تشرك المعنيين المباشرين بالمدرسة، لا يمكن أن تنجح.