ندوة فكرية بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بسلا تناقش العلاقة بين الفلسفة والفن
فور تنمية
نظم المعهد الوطني للفنون الجميلة ملحقة سلا، ندوة فكرية في موضوع: “الصورة بين الفلسفة والفن”، وذلك يوم الأربعاء 21 ماي 2025، ابتداء من الساعة 15:30 بعد الزوال، بمشاركة أساتذة باحثين من جامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.
استهل الندوة الأستاذ كريم زكطة بكلمة أطر بها الموضوع، حيث أكد أن اختيار الصورة موضوعا للتفكير، لم يكن مجرد اختيار من فراغ، وإنما هو موضوع تم التفكير فيه بعناية، بحكم التقاطعات القائمة بين الفلسفة والفن في موضوع الصورة بالضبط، وبحكم أن العصر الذي نحن فيه هو عصر طغيان الصورة على حد تعبير المفكر المغربي محمد نور الدين أفاية. وقد اختتم كريم زكطة كلمته، بأسئلة إشكالية مدارها ماهية الصورة، وعلاقتها المعقدة بإدراك العالم، ووضعها الملتبس عند الفلاسفة.
في مقاربته للموضوع، انطلق الأستاذ محمد الشيكر، من عنوان مداخلته: “التجريد الفني: الصورة من المرئي إلى اللامرئي”، حيث توجه إلى مساءلة موقع الصورة انطلاقا من التجريد الفني، وبيان طبيعتها في منجز أبرز رواد هذا التيار الفني: هل في التجريد الفني تم تجريد حضور العالم المشخص أم تم تجريد الصورة كلية؟
وفي سياق هذه المقاربة المتميزة، سيخلص الأستاذ محمد الشيكر إلى القول بأن الفن التجريدي هو فتح للفن على أفق حياة، ترفض كل إعلان نهاية، لكي تخلق صورا جديدة للمرئي لا تتوقف عن التغذي على اللامرئي.
أما الأستاذ يوسف مريمي فقد دارت مداخلته حول موضوع “الصورة ومسالك الحرية”، عبر استشكال الصورة في نطاق مقاربة فلسفية منفتحة على مواقف عملية، وسيميولوجية، ومنجزات فنية، تبرز أهمية الصورة الفنية الحاسمة في خلق المعنى، وبناء الوعي، وتوجيه السلوك، وتشكيل الذائقة الفنية، وبالتالي في الانعتاق من قيد الرؤى الساكنة، وشق دروب للحرية.
فعلى مبعدة من الواقع الموحش، والمتوحش، عالم تسود فيه صور المعنى الواحد، صور الإشهار والمجتمع الاستهلاكي، وصور التقليد البائدة، ودروب الاستلاب والقبح، على مبعدة من هذا الواقع، يخلق الفن صورا تبدع من حيث ماهيتها متخيل الحرية، وتشيع قيم الجمال، وتحرر الوظيفة الرمزية المحايثة للكائن البشري.
في هذا السياق، تصلنا الصورة حسب الأستاذ يوسف مريمي بعتبة الحرية، بما هي عتبة الرؤية العذراء المتخلصة من الأحكام المسبقة، ومن سجن العادة، ومتخيلات الموروث والخضوع؛ عتبة مبدع يريد قول العالم وكأنه يعبر عنه لأول. وبالتالي، تسمح الصورة الفنية بالنفاذ إلى العالم والولوج إليه دون مسبقات، أو قل إنها تفتح ثقبا كما يسميه الفيلسوف هيغل، ثقب من الكائن إلى الممكن، ونافذة نحو فكر جديد؛ إذ أن المنجز الفني، هو محصلة رؤية متحررة من أحجبة الموقف الطبيعي، رؤية تكون مدخلنا إلى طريقة جديدة في الحياة، وكيفية فريدة في الرؤية، والسمع، والتفكير.
وفي مداخلته، تساءل الأستاذ عبد الواحد ايت الزين قائلا: “لماذا نهاب الصور ونتهيبها؟”، شارحا السبب الذي دعاه إلى اختيار هذا السؤال عنوان مداخلته، وهو شعوره بأن الصورة أضحت تقصفنا في كل لحظة وحين، وأننا معرضون بشكل دائم لمداهمة عدسات الكاميرات، مما يطوق حرية الإنسان، ويؤثر على علاقته بنفسه وبالآخرين.
وفي إطار حديثه عن علاقة الصورة بما أسماه بالتهيب، قدم الأستاذ ايت الزين قراءة مركزة حول الدواعي التي كانت وراء تهيب الفلاسفة من الصور والفن، معرجا على أشكال حضور الصورة في التاريخ، وعلاقتها بالمقابر، والمعابد، والمتاحف، والشاشات، حيث توقف عند هذه الأخيرة، مشيراً إلى أن الصورة معها امست لها أبعاد خطيرة على الخيال الإنساني، ومن ثمة ضرورة الانتباه إلى أن وفرة الصور المرئية، لا تعني اتساع الخيال وغناه، ممتدحا رؤية الأعمى للعالم، ومبرزا أنها قد تكون أوسع أفقا من نظرة غيره، لأنه بمنأى عن سحر الصورة المرئية وعصفها.
انطلاقا من استشكاله للموضوع، أظهر الأستاذ ايت الزين أن المصالحة بين الفلسفة والفن، وبين الفيلسوف والصورة، لم تكن ممكنة إلا حينما تحررت الفلسفة من البراديغم التقليدي للحقيقة، تحررها من التصور الميتافيزيقي الذي كان يحكم نظرة الفلاسفة إلى الفن والصورة الموروثة عن أفلاطون أساسا. فمع قلب الأفلاطونية وفضح ثنائياتها، أمكن للفن أن يصير رهانا فلسفيا أصيلا، باعتباره فكرا متطلعا إلى ترجمة معنى العالم، وإبداع الحياة، والإقدار على عيشها مثلما هي، وليس مثلما يبنيها العقل الميتافيزيقي ويتصورها. بهذا المعنى، فإن الصورة في الفن، ما بقيت مقترنة بالخداع والتضليل والمكر، وإنما صارت بحسب ايت الزين، ضربة من ضربات الفكر، وتجليا أصيلا من تجلياته.