في لقاء فكري وتربوي متميز.. توقيع كتب الأستاذ عبد الجليل معروف يفتح نقاشاً معمقاً حول تجديد تدريس العلوم بالمغرب
فور تنمية
في أجواء من التفاعل المعرفي والنقاش العلمي الرفيع، احتضن مركز التكوين M2A يوم الأربعاء 21 ماي 2025، وبتنسيق مع مؤسسة مستقبلي، حفل تقديم وتوقيع سلسلة كتب الأستاذ عبد الجليل معروف، أحد أبرز الباحثين في مجال ديداكتيك العلوم وتكوين المعلمين. وقد شهد اللقاء حضور نخبة من الفاعلين التربويين، وأساتذة التعليم العالي، والمكونين، إلى جانب المهتمين بتجديد منظومة تدريس العلوم.
ويأتي هذا اللقاء الثقافي والتربوي في إطار تعزيز المشهد التربوي بالمغرب وتطوير طرق تدريس العلوم، احتفاءً بإصدار سلسلة من الكتب التربوية المتخصصة في تكوين أساتذة العلوم وتنمية الممارسات الصفية. وتُعد هذه المؤلفات إضافة نوعية في مجال التعليم والتكوين، خاصة في ظل التحولات التي يعرفها قطاع التربية بالمغرب. كما شكل هذا الموعد فرصة ثمينة لتبادل النقاش بين أساتذة، ومفتشين، وباحثين تربويين حول مستجدات تدريس العلوم، والتحديات المرتبطة بتطوير الأداء البيداغوجي وتحقيق الجودة المنشودة.
أدار الجلسة باقتدار الأستاذ حسن الكيزاوي، الإطار بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع آسفي، حيث أتاح للحضور فرصة الانصات إلى مداخلات علمية عميقة قدّمها كل من الأساتذة: محمد كوحيلة، أحمد كوال، وعبد الجليل معروف نفسه، صاحب الكتب المحتفى بها.
استهل اللقاء الأستاذ محمد كوحيلة (أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة) بمداخلة تحليلية لأعمال الأستاذ عبد الجليل معروف، مبرزاً ثلاث محاور رئيسية في المشروع:
منهجية تكوين جديدة ترتكز على مفاهيم ديداكتيكية رصينة، ونماذج تربوية متكاملة، تدفع نحو إرساء قاعدة معرفية صلبة في تكوين معلمي العلوم؛
طابع ابتكاري عميق للمقاربة المعتمدة، تجعل من هذه السلسلة التكوينية نواةً أولى لمشروع موسّع يشمل 11 مجلداً إضافياً؛
اقتراح استراتيجي لتوسيع النطاق نحو مجالات معرفية أخرى، تُستثمر فيها نفس الآليات التكوينية لتجويد تدريس مختلف المواد العلمية.
وقد أبرز كوحيلة أن هذه الكتب الأربعة تنسجم مع مقاربة ديداكتيكية تقوم على نموذج استقرائي دائري من نوع: ممارسة – نظرية – مبدأ، تعزّز فعالية التدريس، وتسهم في بناء تمثلات علمية رصينة عند المتعلمين. كما أن “النموذج” يُعد المفهوم المحوري الذي يجمع خيوط هذه المنظومة المعرفية والتكوينية، مما يمنح العمل وحدة فكرية وتربوية متماسكة.
من جهته، قدّم الأستاذ أحمد كوال (دكتور في علم الاجتماع والفلسفة المعاصرة) قراءة فلسفية لمفهوم الخطأ في مسار التكوين والتعليم، مستنداً إلى الأطروحات الرائدة للفيلسوف غاستون باشلار.
وأكد كوال أن الخطأ، عكس ما يُشاع عنه، ليس انحرافاً أخلاقياً، بل فرصة للتعلم وتجاوز العوائق المعرفية. فالعملية التعليمية الحقيقية تبدأ من الانفصال عن المعرفة الأولى، المليئة بالأفكار الساذجة والانطباعات الأولية، والعبور نحو معرفة علمية مؤسسة على التجربة والنقد.
وأوضح أن باشلار حدد عدداً من العوائق الإبستمولوجية التي تقف أمام تشكّل المعرفة العلمية، من أبرزها:
العائق الحسي والانطباعي المرتبط بالتجربة الأولى؛
عائق التعميم السريع غير المؤسس تجريبياً؛
عائق المماثلة الزائفة الذي يربك التفكير العلمي؛
العائق الإحيائي الذي يُسقط صفات الحياة على الظواهر الجامدة.
وقد أثارت هذه المداخلة تفاعلاً لافتاً، باعتبارها قدّمت تأصيلاً فلسفياً للتحديات المعرفية التي تواجه تدريس العلوم، وأسست لفهم أعمق لعلاقة المتعلم بالخطأ والمعرفة.
اختُتمت الجلسة بكلمة المؤلف الأستاذ عبد الجليل معروف (أستاذ التعليم العالي في ديداكتيك العلوم)، الذي قدم عرضاً شاملاً حول رؤية المشروع التكويني الذي تعكسه كتبه الأربعة.
وقد أشار إلى أن هذا العمل جاء رداً على الوضع المقلق الذي تكشفه تقارير وطنية ودولية مثل PISA، TIMSS، وPNEA، والتي تظهر تدنياً كبيراً في مستوى التحصيل العلمي لدى التلاميذ المغاربة. فعلى سبيل المثال، كشف تقرير TIMSS 2023 حصول المغرب على 327 نقطة فقط مقابل معدل عالمي يبلغ 500 نقطة.
وأوضح معروف أن المعضلة ترتبط أساساً بـ:
نمط التدريس التقليدي الذي يركز على التلقين؛
غياب التوظيف الفعلي للبحث والنمذجة في الدرس العلمي؛
أنظمة تقييم لا تزال تستند إلى الحفظ أكثر من الفهم.
ومن هنا، يقترح المشروع منظومة تدريبية قائمة على التفاعل بين التعليم الصريح والتعليم بالتحقيق، حيث تُكمل كل مقاربة الأخرى، تحت إشراف المدرّس. كما يستند النموذج إلى سيرورة تكوينية من أربع مراحل: الوضعية، الإدماج النظري، التحليل، التلخيص التفكيري، وهو ما يُعزز التفكير النقدي، وحل المشكلات، والاستقلالية لدى المعلمين.
في ختام اللقاء، أجمع المتدخلون على أهمية هذا المشروع التكويني، وضرورة دعمه ونقله إلى مختلف الجهات والمؤسسات، نظراً لما يقدمه من رؤية متكاملة لتكوين معلمي العلوم، قادرة على إحداث تحول نوعي في أداء المدرسة المغربية.كما تم توقيع الكتب بحضورمجموعة من المهتمين بمجال تدريس العلوم.