رحلة علمية متجددة في خدمة تكوين الأساتذة: عبد الجليل معروف يصدر ثلاثة أعمال تربوية متخصصة في ديداكتيك العلوم
فور تنمية
يواصل الباحث التربوي عبد الجليل معروف مسيرته العلمية المتميزة، في دروب التجديد التربوي وتطوير ممارسات تدريس العلوم، من خلال إصداره للأجزاء الثاني والثالث والرابع من مشروعه التكويني الطموح، الذي جاء هذه المرة في صيغة ثلاثية فكرية وعلمية متكاملة، صادرة عن دار الثقافة، لتؤكد أن الرحلة لم تنتهِ، بل ما تزال مستمرة في إثراء الحقل البيداغوجي الوطني.
“التغير المفاهيمي”: نحو إعادة بناء المعرفة العلمية
في الجزء الثاني، المعنون بـ “التغير المفاهيمي بين الاستمرارية والقطيعة والتعايش”، يغوص المؤلف في عمق واحدة من الإشكالات المفصلية في تعليم العلوم، عبر مقاربة تجمع بين الدقة النظرية والنفَس العملي. يعيد معروف التفكير في مفهوم التغير المفاهيمي لا كعملية تصحيحية بسيطة، بل كمسار معقّد لإعادة بناء المعرفة، يتطلب تفكيك التمثلات السابقة ومواجهة العوائق المعرفية والإبستمولوجية. ويقترح بهذا الخصوص تصورًا تربويًا حديثًا لتكوين الأساتذة، يرتكز على تمكينهم من مواكبة تطور فهم المتعلمين ومرافقتهم نحو بناء تصورات علمية متماسكة.
“أنشطة النمذجة”: من الأدوات الذهنية إلى استراتيجيات التعلم
أما الجزء الثالث، الذي حمل عنوان “أنشطة النمذجة أو كيف نعبر حدود العوالم”، فيسلط الضوء على دور النمذجة في بناء الفهم العلمي، من خلال تمكين التلاميذ من تطوير نماذج أولية حول الظواهر الطبيعية، يتم تعديلها لاحقًا بفعل التفاعل مع التجربة والتحليل. يقترح المؤلف هنا أدوات عملية لفائدة الأساتذة، تساعدهم على هيكلة أنشطة النمذجة داخل الفصول الدراسية، متطرقًا إلى التحديات المرتبطة بها وسبل معالجتها. كما يعزز العمل بمقاربات ديداكتيكية متنوعة، تُبرز واقع النمذجة كأداة فعّالة للفهم وليس مجرد تمثيل ظاهري للظواهر.
“التدريس الصريح ونهج التقصي”: من التناقض إلى التكامل
الجزء الرابع، المعنون بـ “التدريس الصريح ونهج التقصي: مناهج متعارضة أم تكامل ممكن؟”، يُعد بمثابة محطة تأملية في مسار تعليم العلوم. يتناول فيه معروف إشكالية طالما أثارت جدلاً تربويًا واسعًا، تتمثل في العلاقة بين المقاربتين: التقصي والتدريس الصريح. بعيدًا عن الثنائية القطبية التي تضع المنهجين في خانة التضاد، يدعو المؤلف إلى تبني منظور تكاملي، يُزاوج بين ما هو إجرائي وما هو معرفي، بما يخدم تعزيز التعلمات لدى المتعلمين. كما يطرح نموذجًا تكوينيًا جديدًا، يُراعي خصوصيات كل نهج ويوجه نحو استثمار نقاط التلاقي بينهما.
إسهام علمي نوعي في تجديد تدريس العلوم
تُشكل هذه الإصدارات الثلاثة محطة جديدة في مسار علمي زاخر بالبحث والتأليف، يُكرّس فيه عبد الجليل معروف جهوده نحو تجويد تكوين أساتذة العلوم وتطوير الممارسة الصفية. فهي أعمال لا تقتصر على التنظير، بل تُرفد القارئ بآليات تطبيقية مدروسة، قادرة على الرفع من جودة التعلم والتعليم.
ومع كل إصدار، تتجدد الرحلة، وتتعمق الرؤية، وتتسع دوائر التأثير، في مسعى واضح نحو بناء تعليم علمي متجدد، نقدي، ومرتبط بواقع المتعلم وتحولاته المعرفية.