OCP

الفيلم الفرنسي” Penn Sardines” : ليس الرجل وحده من يصنع التاريخ !

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية:: يوسف صبري كاتب راي وباحث بسلك الدكتوراه .مهمتم بالسينما والمسرح.

يستحضر التاريخ البشري دائما ان كل الخطوات صنعها الرجل منفردا، او هكذا يسود الاعتقاد ! في السياسة والدين والثقافة والعلوم والاداب ، و هذا التعميم لا يترك للمراة مساحة ولو صغيرة للتفاوض او على الاقل لتكون نافدة على العالم وعد المكاسب التي جلبتها امراة هنا وهناك للناس جميعهم .

اننا نمر يوميا على محطات في كل مجال وننسى ان هذا الادعاء الذكوري سابق لعهده، مع كل ما يمكن ان يتبادر الى الذهن، من المفردات التي تكاد تبين كون الجميع سواء في الحقوق والحريات، لكن بصرف النظر عن القانون والدساتير وما حققته الانسانية وهي تمضي نحو اعتراف متصل كل حين وكل يوم وكل شهر بمزيد من تكريس هذه الحقوق، فان وضعا في التجربة الفرنسية لعام 1924 يشرح نقيض كل تلك التوقعات التي غالبا ما يجمع الرجال بحكم شروط معينة انها لن تكون الا من نتائج عملهم اينما وجدوا ، وكيف ما كانت وضعيتهم، بمعنى ان الرجل بالنسبة لغيره من بنو جلدته هو من يستطيع، وغيره غير قادر على البلاء داخل الحضارة والتاريخ .

لكن تجربة مختلفة عكس” الصور النمطية” التي يواجه بها الرجل في جل المجتمعات المراة بكونها لا يمكن بتقديره ان تتجاوز” الادوار المبنية اجتماعيا” 🙁 رعاية اسرة، زوجة، ام، حفيدة، انثى ) وهو ما يعكس لدى اغلب الاوساط اننا لا يمكننا التسليم بتبني او لعب ادوار للمراة اكثر من المتوقع، ويذهب الافتراض الى امكانية ان تتزعم امراة حزبا، وزارة، جامعة، وظيفة وما الى ذالك ، لكن التحدي الذي يحتمي وراءه الرجل وهنا قبل الاحالة على تجربة مفعمة بكثير من التقدير للنسوة في بداية القرن العشرين… وهن يتجهن واعيات الى تغيير “علاقات القوة” داخل المخيال الفرنسي حول معنى ان تكون سيدة ربة بيت و زعيمة لتيار جله نساء يدافعن عن العيش بكرامة من اجل الجميع (الفرد، الاسرة).

هنا بالذات يصبح الرجل تابعا، مستشارا، ثانويا، لا يحيل على اي مكسب سوى تمثل قدرته الجسدية في الدفاع عن امراة ( زوجة، بنت، اخت، عمة، جارة، معرفة، رفيقة، عاملة، ثائرة،مضربة ) ساعة من نهار عندما يظهر ان هذه الامكانية للتدخل العضلي وحده الرجل القادر على ممارستها، وهو ما جرى في فيلم Penn Sardines، بالفعل.

تدور احداث هذا الفليم التاريخي حول قصة حقيقية ابطالها سيدات يشتغلن بوحدة لتصبير السمك، مملوكة لرجل ثري ينتمي الى نظام ( راسمالي ) تنافسي ،لا يهتم بظروف من يشتغل لحسابه، ولان الشقاء والبؤس الاجتماعيين اللذين تعيشهما تلك العاملات لا يطاق، يختار المخرج،Marc Rivière،حالة فردية لتكون “العينة النموذجية” التي تتوضح فيها المعاناة وتحيل بالنتيجة عن باقي المظاهر الاجتماعية والنفسية والسلوكية لتلك الفئة من الشغيلة وهي تواجه “ماكينة اقتصادية” لا تهتم سوى بالربح. على الطرف الاخر من الاحداث اختار المخرج شابة تدعى Jeanne Le Meur ليضعنا في قلب الحياة اليومية لتلك الارملة التي توفي زوجها غرقا بالبحر ، وتكابد لاعالة طفلها واخراجه من واقع بحارة خلاف مصير والده، تسعى بكل قواها الى توفير المال كي يدرس ابنها ويتعدى محنة والديه; ام غارقة في الكدح بالمصنع، واخت هي الاخرى تشتغل ببيت سيد المصنع الجشع Mr Grivaud.

لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن حينما تتطور الاحداث الى حالة اضراب عام بكل المدن والمصانع التي تقوم بتعليب السمك، وبحكم انها قبلت بمهمة رئيسة العمال فباتت امام اكثر من فوهة مدفع :
– عداوة رفيقاتها في الشغل.
– حب رجل، مبعوث المركزية النقابية بباريس للنظر في ازمة الصراع ( عمال، ارباب العمل). في هذه العقدة من مسار للاحداث اراد المخرج ان يعيننا على تشكيل صورة حول معنى الظروف المحيطة ب Jeanne التي خلقت من الدور حالة سيكولوجية ومادية وحركية تعني للمشاهد جوابا عن كل اسئلته… مفاده ان السيدة تعاني ولا شيء يختفي منها ليصرخ انها تشكو بالفعل في هذا التعقيد المطروح كواقع ، وانها اقرب الى الجنون من خلال توظيف الجسد ومجموعة انفعالات، وكذلك الانتقال البصري بينها وكل ما يدور في محيطها في غياب حل لهمومها، والمشهد برمته يسير في اتجاه التصعيد ضد ارباب المصانع، فيظهر ذلك الرابط الذي شيد عليه المخرج نبؤته او خياله التاريخي لحبك الوقائع، بحثا عن حالة” وعي كلي “سيكون للحزب الشيوعي والكتابات الماركسية دورا ومنحى اخر سيجعل من تلك الشغيلة (نساء) زعامات، لهن رهانات صارت تتجاوز الخوض في موضوعات الدخل وساعات العمل الليلية والساعات الإضافية الى توطين الحقوق والمساواة، والحق في الانتخاب و الحقوق السياسية في حضرة الجمهورية الفرنسية قبيل نهاية الحرب العالمية الاولى.

سوف يوظف المخرج بالضرورة السياق التاريخي ويحافظ على الاخلاص للوقائع التي كانت بالفعل سنة 1924 شاهدة عليها بتلك الناحية من منطقة Douarnenez فيقترح علينا بصريا جولات من المشاهد لسير العمل بورشات التعليب، وكيف ان الاسلوب الغناىي لتلك السيدات وهن يشتغلن بدون ان يتركن للصمت مساحة …فالمصنع نشاط مهني ومسرح غناىي وملاذ للاحتجاج والرهانات والتفاعلات، وشكل للاصرار على المواجهة والضغط والثورات الصغيرة التي يسندها اللحن والصوت والاثارة، وقاموس محلي خاص يفهمه المدير والفاعلين بالمعاني فقط، وداخل هذا الخطاب السجالي الاستعراضي الحماسي عليك ان تفهم ساعة النشوة وساعات الاحباط العام بالغناء وحده، حتى العداوات تجد لها مجالا داخل” كورال ” تقوى فيه الحناجر على حسم الخلافات ،التوافقات والاصطفاف بوسائل اخرى.

الفيلم حمل روحا لتكريم امهات غير معروفات رحلوا عن فرنسا قبيل قرن من الزمن كن بذور نضالات حقوقية انتهت بالانتصار والاستجابة لكافة حقوقهن، التي هي بالنتيجة حقوق مجتمع ، دون الفرز او توزيع للادوار او حشر بالزاوية، هذا ذكر وهذه انثى، لكن بالوعي الذي لم يوزع بين الجنسين على اية قائمة.

كانت هذه فرنسا قبل قرن من اليوم، وقد تكون الدولة قطعت عهودا مع “تياراتها الاجتماعية والسياسة” وغيرها تاركة العوالم الاخرى لا تزال في بداية الطريق تناقش المراة كموضوع objet وليس كفاعل وطرف يمكنه ان يصنع واقعا مغايرا بما يملكه ، وبين فرد سيد نفسه او تشىيئه مسافة ما بين السماء والارض ، فهل ننتظر يوما يمكن للمراة لدى الجنوبيين ان تتجاوز “وضعية التشييء” الى الفعل التلقائي الذي يقفز على مسميات (ربة البيت، الوضع الهش)الى لعب ادوار ليست بالضرورة تطلب منها، وانما تبادر اليها من غير استئدان من احد ، ومن غير ان تكون موضوعا كما اليوم في ملف (تعديل مدونة الاسرة) ، وان لا يكون الرجل هو المطلب والجوهر والخصم في المواجهة ، بل تكون لقضاياه زعامة، فما لاحظته وما تبادر الى ذهني فور نهاية الفرجة، ان مسالة حقوق المراة وحريتها بالمجتمعات المتخلفة يجانب الصواب حينما يصبح الرجل المطلوب الاول ، والذي تقوم عليه القيامة(قيامة الحقوق والحريات) ،بينما هو نفسه كما قال المسرحي” عبد الحق الزروالي” مرة في لقاء سئل عن مسار اصلاح مدونة الاسرة المغربية ،حيث اشار الى ان الرجل لم يتحرر بعد فكيف نطلب ممن هو” مهزوم” ان يبيح او يتيح حقا …! ارجو ان يطوى سوء الفهم هذا (الديالوغ ) الى الابد، وان تدرك المراة بالمغرب انها جزءا من” حركة التاريخ” مثل الرجل و ليس خصما، بل “بنية” مهمة في مقابل واقع بصعوباته ،وان الاولى هو قضية التحرير، تحرير الفرد ذكرا كان او انثى من الجهل والعدم والتخلف ،كي ينعم الجميع بالعيش الكريم والرفاهية، وليس ان يكون احدهما الضحية واخر الجلاد فيما Penn Sarding طوت عمرا في موضوعات” الجندر، المكانة، الجنس وخلافه”… مما يستحيل علينا اللحاق به، فلولا السينما ماكنت ادري اين هم من النحن هنا بخصوص مفهوم “الحركات النسائية العمالية والنقابية ” نحن المنتنون الى العالم الشرقي كما يقول “هيجل” .حيث تقف الثقافة سدا منيعا احيانا بالرغم من كونه اصطفاف ضد المصالح المركزية لبداية خلق معجزة غالبا ما تشيد على اكتاف رجل وامرأة بفضاء “الاسرة والعائلة والمجتمع المدني عبروا الى الدولة”، وهو ما يقع على عاتق الفنون والاداب لتجويد المفاهيم والبحث عن “براديغمات “اكثر “ثباتا” من تداعيات ” الدليل الاجتماعي ” The Social Proof الذي اذا اخطا لا يصيب.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.