القرار الملكي بإلغاء ذبح الأضاحي.. بين تداعيات الأزمة ومسؤولية التدبير
فور تنمية: خالد البكاري
حين تعود بي الذاكرة إلى السنة التي أمر فيها الحسن الثاني بعدم ذبح أضحية العيد، أجد فرقا في تلقي المغاربة لقرار إلغاء “الذبيحة” بين ذلك الزمن وبين اليوم.
في تلك الحقبة كان هناك رفض واستياء غير معلنين من قرار الحسن الثاني، يعبر عنه المواطنون همسا لمن يثقون بهم، رغم ان السنة كذلك كانت سنة جفاف، وكانت الأحوال المعيشية صعبة.
اليوم، أرجح أن الغالبية ستكون مرتاحة للقرار الملكي (باستثناء الكسابة الصغار لأسباب معقولة في حالتهم، والشناقة لضياع فرصة للتكسب “الحرام”)، وهذا الترجيح بنيته على ما كنت أسمعه من كثير من المواطنين السنة الماضية، من انتظارهم لقرار مثل هذا.
هل الأحوال المعيشية أصبحت اكثر عسرا من أحوال السنة التي قرر فيها الحسن الثاني منع الذبح، ام أن هناك تغيرا في الوعي، أو في النظر إلى الشعائر الدينية من غير الفرائض بمنظار المصلحة؟
الأمر يحتاج لدراسة.
لكن، هل بالفعل يمكن أن نحمل الجفاف مسؤولية تراجع عدد المواشي بالمغرب، للدرجة التي سيهدد فيها ذبح الأضاحي المخزون الحيواني المتراجع اصلا؟
هناك تأثير للجفاف، ولكنه ليس الحاسم، بل ثمة عامل “بشري” كذلك وليس المناخ وحده.
منذ أن تولى السيد اخنوش مسؤولية وزارة الفلاحة، وإشرافه على مخطط المغرب الأخضر، تراجعت اعداد المواشي من 30 مليون رأس إلى نصف هذا الرقم.
وتم ضخ أموال هائلة في:
1/دعم العلف: الذي لم تكن تصل إلا كميات قليلة منه إلى صغار الكسابة، مما يطرح علامات استفهام حول الأرقام المصرح بها، والتي لا تتناسب مع حقيقة ما توصل به صغار الكسابة.
2/ دعم مربيي الماشية: ب 3000. درهم عن كل رأس من الأبقار، و500 درهم عن كل رأس من الماعز والأغنام، وهي العملية التي ثبت أنه كان هناك مبالغة كبيرة في الأعداد المصرح بها، مع ضعف مراقبة صحة هذه الأرقام، حتى لا نقول التواطؤ، مما لا يمكن وصفه إلا بنهب المال العام.
3/ رفع الرسوم الجمركية عن المواشي المستوردة: لتلبية الطلب على اللحوم الحمراء، دون رفع الأسعار، والحال أن الأسعار واصلت ارتفاعها، فيما لم تنخفض سوى جودة اللحوم، وطبعا سينتج عن ذلك المزيد من إغناء كبار مربيي الماشية، وتدمير قدرة صغار الكسابة على المنافسة، باعتبار انهم لم يستفيدوا من عمليات الاستيراد.
4/ إضافة إلى رفع الرسوم الجمركية، ستعمد الحكومة بمناسبة عيد الأضحى في السنة الماضية إلى دعم كل رأس ماشية مستورد في الفترة بين مارس ويونيو ب500 درهم، لتمكين المواطنين من الأضاحي بثمن يناسب قدرتهم الشرائية، والواقع أن اسعار هذه الأخيرة كانت استثنائية في الارتفاع. هذا دون الحديث عن العملة الصعبة التي تم نقلها للخارج لشراء المواشي.
في المحصلة، استفادت لوبيات تربية المواشي واللحوم الحمراء، وتم إفقار صغار الكسابة، والقضاء على جزء كبير من قطيع المواشي الوطنية، مما أنهى سنوات من الاكتفاء الذاتي في اللحوم، وضرب القدرة الشرائية للمواطنين في الجانب المتعلق باللحوم (لمن استطاع لها سبيلا). حتى وصلنا لمرحلة استيراد اللحوم المذبوحة للاستهلاك العادي.
قرار إلغاء “الذبح” هذه السنة هو تحصيل حاصل، وإلا سيستفحل الوضع أكثر، وما سيجعله مستساغا هو تدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
كم كانت تكلفة كل هذا الهدر؟ ومن استفاد منه؟
وقبل ذلك وبعده: من يحاسب من؟
بس: سيتضرر الكسابة الصغار، مما يتطلب إقرار دعم استثنائي لهم، لكن للأسف التجارب السابقة علمتنا أن كل سياسة دعم موجه للمتضررين، لها كذلك شناقتها.