OCP

الحق في الوصول الى استهلاك الخيرات الوطنية !

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية:صبري يوسف كاتب راي وباحث في سلك الدكتوراه بعلم الاجتماع السياسي.

 

سنبدا هذه المقالة التحليلية بما هو بسيط الى حدود المركب منه كما عهدنا دائما في كتاباتنا ومقالاتنا وطريقة بناءها الثلاثي( هيجل).
والعنوان الذي بين ايدينا يحيل على معاني متعددة Polysémie ( رولان بارت) ، فهو ياتي على طرح مفاهيم للنقاش من جملتها حضورا وتمثلا : الخيرات، الامكانات، التنمية البشرية، الثروات، العدالة الاجتماعية، التضامن، دولة الحق والقانون، الحكامة….وهلم جر من المعاني التي يمكن ان يزدحم بها راسك، وما دام الحال كذلك فانني حتى انا بامكاني اعطاء تاويل خاص للعنوان يخدم فكرتي عن التعدد المراد توظيفه في هذه الاسطر، لاقول :

– ان التعليم “خير وطني جماعي”، ضروري لكل الناس وهو حقهم ، و بخصوص الذين لم يصلوا الى كراسي الفصل الدراسي ، فالدولة ولا احد غيرها من تتكفل عبر برامج معقولة بتعليم هؤلاء(المواطنين) ، فلا تنمية دون شعب متعلم .

ـ الحق في الخيرات والثروات لما يوجد طبيعيا تحت الارض من المعادن وما يوجد فوقها كذلك ، تتحول وتستخرج وتصبح فرصة ذلك الشعب وذلك الوطن من اجل استفادة الجميع من تلك الخيرات وتحقيق الرفاه الاقتصادي ومن ثم الاجتماعي والثقافي ….الخ.

ـ الحق في الخيرات الثقافية عنصر اساسي في حياة اي مجتمع، وبالتالي فالدولة عليها حماية وتمجيد وتوفير” سوق ثقافية قوية” ،وتوفير الامكانات الكفيلة بنشر قيم المجتمع الذي يحتضن تلك الثقافة وحماية التراث المحلي من التلف، وكذلك التشبع بالاشكال الكبرى” للفلكلور” والدفع بالتنافس لشهرتها لانه يخدم الراوابط الاجتماعية ويخدم التنمية.

– الحكامة او ما يطلق عليه “بالترشيد ” ، وهو حماية ما فوق الارض وما اسفل منها، واعمال القانون من اجل ان تجد الاجيال القادمة ما تستطيع ان تبني عليه قوتها ومجدها بين الامم وقدام الشعوب ،فلا يجب ان نتخيل اننا وحدنا من (نضيء البلاد) و يحق لهم استنزاف تلك الخيرات وانهاءها وكفى الجميع عيش زمنهم، فيما القادمون يتدبرون عصرهم لوحدهم، فلا وريث سيجد من كنوز اسلافه ما سيبني عليه حاضره ومجده وبالتالي نهاية امة.

لنتفق اولا على هذه المحددات التي تسبق اي زمن حضاري، وقد يخالفتي البعض بالكلام عن اكثر من ذلك ، مثل تشجيع البحث العلمي، بناء اقتصاد وطني، التيكنولوجيا، تشيع الخدمات وغيره، لكن كل هذه المفاهيم هي نتائج وليس مواد خام ، فلا يستطيع شعب ان يطلب العدالة المجالية والاجتماعية في غياب موارد: غياب ثقافة، وغياب خيرات فوق الارض وتحتها ، وغياب التعليم …تعليم الناس فهم سر وجودهم …والوعي بالذات وبالغير ، فهو اكبر تحدي للدول الفقيرة والتي يطلق عليها عبثا : نامية او سائرة في طريق النمو، بل مجرد تسميات للمنظمات الدولية المتحكمة في الديون وفي التقارير و الخلاصات… حتى لا يبقى هناك غاضب من دول الجنوب على حاله، فالفقر والتخلف نتيجة “موضوعية” لغياب ما اسلفت ذكره .
لا اريد اعطاء الدروس لاحد، لكن بالواقع يوجد فرد نامي واخر متخلف، كذلك بالبلدان، متخلفة ونامية، وبين مفهومي التخلف والنمو لا نستطيع التنبؤ بوجود مكانة بين المجالين، فلا بقعة وسط بين الجنة والنار، وبدراستي لكل نظريات التنمية، وبداية التفكير في تقسيم العالم ، بين متقدم وتابع على ابعد تقدير، كان جوهر العملية يتوقف عند الانسان ولا شيء غير الفرد والجماعة .
لااريد الخوض فيما جرى قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية و نتائج مقررات اجتماع المجلس العلمي الالماني، ابريل عام 1948، ولا اريد الحفر الكرونولوجي التاريخي حول: لماذا فجاة ظهرت تسميات او نظام علامات (رولان بارت) بارز …قارة فقيرة، بلد متخلف، وطن متقدم، ذاك شمولي، وغيره ديكتاتوري، وذلك مثله معه… ان التقسيمات املتها قاعدة واحدة: اذا كان الفرد لديك لا يستطيع الوصول الى خيرات بلده من تعليم وصحة وسكن ورفاهية وحرية فانه بالتالي يوجد بدرجة تبعث على التصنيف الشاذ لحاله ، فلا يمكن ان ننظر مثلا نحن الى شعوب دخلها الفردي كبير يسمح للمواطن باستهلاك و” تدمير الخيرات “المتوفرة لديه، وان ندعي ان التقسيم غير سليم واحادي واقصائي واستثنائي و مركزي ، اننا في هذه الحال نمارس دور العنيد فقط وليس الضحية.
قلت عندما يعجز سكان بلد ما عن القدرة للوصول الى تعليم جيد شامل وسهل والزامي، فان اعادة الانتاج لا تختلف عن محددات اللحظة الاولى (دورة التخلف) دورة ساكنة ، كما ان عدم القدرة على الوصول الى الثقافة واشكال الثقافة، يحيل على “الاغتراب الثقافي”، كذلك عدم القدرة على الوصول الى الخيرات بشكل متساوي، سهل، منصف، عادل، فإننا بصدد واحدة من اوجه “الازمة “التي يستحيل تعديها الى الحالة النامية لانها التخلف.

دعونا نقوم بتعريف ما المقصود بالخيرات الوطنية :
1 ـ فهي خيرات مادية : دخل جيد، هواء نقي، سكن لائق، مدرسة متكافئة، مجالات خضراء للنزهة،صورة بصرية عمرانية منظمة، الولوج الى استهلاك مضمون للخضروات والفواكه والماء والثروة البحرية باثمان معقولة، صحة نفسية جيدة ، صحة جسمانية عالية، رعاية ، ضمان جودة المرفق العام، نزاهة الادارة، الحق في منافع البحر والجبل والغابة والولوج اليها، تقسيم عادل لعائدات الثروات المعدنية وتسخيرها في رسم السياسات العمومية بما يضمن وثوق المواطن في عدالة للتقسيم يلمسها في اماكن عيشه وجيبه ومناخه الاسري والاجتماعي من حوله، فليس التقسيم هنا اعطاء حفنة من التراب لكل فرد اذا كانت الثروة حديدا ،ذهبا او فضة، او ملء براميل من الغاز الطبيعي والبترول وتوزيعها على الناس بمحلات سكناهم، لا ، بل تظهر في قدرة هؤلاء الناس على استهلاك البترول باثمان معقولة، واستهلاك الخضروات باثمان معقولة اذا كانت الدولة لديها ثروات من مياه ووديان وامطار ومخططات، وكذلك استهلاك الاسماك باثمان معقولة، فهذه هي معاني التوزيع العادل للثروات ، احساس الناس داخل اوطانهم بالانتماء بدون خوف ولا خجل ولا ادعاء او تزلف، بل بمقاصد الوطنية ( استدخال واستضمار).

2ـ خيرات رمزية، تمجيد ثقافة شعب الى حدود الاشكال الصغيرة وزرعها بالناشئة، احترام وتقدير الذات، التفوق، التناقس المشروع، العدل والعدالة، تحديد الادوار ، الهوية، المكانة ، الولوج الى القانون ، المساواة، الكرامة، التماسك، التضامن، حماية الاقليات والنوع ، الاستدامة، اعتبار ارادة الامة كاسمى تعبير وفق اليات الدستور ومنح المواطن مكانته بين الشعوب والامم التي تمنحها له مكانة الخيرات لديه وتجعله في اعتزاز دائم بقوة بلده وانتماءه.
وبالتالي خارج ما تطرقت اليه هو تعدي على طموحات الناس، تحسيسهم بغياب اي قيمة لديهم، تحول حياة هؤلاء الى سجن كبير. و بغياب اي وجه للوصول الى هذه الانشطة وممارسة الحق ينتج عنه ظواهر اجتماعية ونفسية مرضية: يكثر الانتحار لغياب التضامن (دوركايم)، والجنون (فوكو) ،فقر في الابتكار، انتشار الجريمة (بلوندي) ،والازمات الصحية ، وظهور الامراض المزمنة المستعصية ، وتتشظى حياة الشيوخ الطامعين في الوطن، ويشيخ الاطفال ويغيب التماسك والتضامن، وتصطدم الاسرة ببروز تنشئة متعددة قاتلة، (plurisocialisation )،وينتهي جوهر الوجود الذي تغذيه مباديء العيش المشترك الناتج عن تعاضم الاعتزاز بالانتماء، فلا يمكن ان نطلب من فرد ان يكون واعيا، وعصريا وحداثيا بمعطيات غير مستقرة ولا تتطلب منه جهدا .
فالدولة الالمانية كما وأشرت عندما توقفت الحرب اجتمع مفكروها من اجل انقاد البلد الموزع المهدم ،واصلاح ما تمخض عن الحرب من اذلال، وكانت النقاشات تتجه صوب التفكير بعمق في الحرية كشرط وجود ،وجعل الوطن للجميع ،والخيرات لكل الالمان، ولا يعلو على ذلك الا تفسير القانون للحياة العامة، ووجوب استحضاره كعقيدة واضحة المعالم ( انظر محاضرات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في 18 لقاءا تناولت النموذج الالماني عقب نهاية الحرب وظهور مفهوم البيوبولتيك).

ففي حياتنا اليومية ونتيجة لمجموعة من التفاعلات والتبادلات عادة ما نفهم الحقوق والمطالب ، نفهم ما لنا وما علينا، نتوخى مايلزم فعله وما لا يلزم، نستطيع التفريق بين حقي وحقك، واجبك وواجباتي، نراجع جميعا تحت اي ظرف مضامين النصوص ولو مرة بالعمر، فالانسان مصدر كل الهام ومصدر كل قلق كذلك، والظواهر كان الانسان هو من حاول اول الامر فهمها، كانت” الظاهرة السياسية” اول من تنازعت فكرة من يحكم من ؟ وكيف يحكم ؟ وسلخنا قرونا طويلة مررنا خلالها من ازمان وحروب كبيرة كانت بتقدير كارل شميت (théologie de l’etat), كافية لاستدعاء ان هذه الرحلة منذ بداية التاريخ علمتنا ان الفرد والجماعة هما واحد، وان الاديان كذلك لم تخرج عن نفس النتيجة حول المقاصد الكبرى من معاني :الانسانية والمجتمع فهما هدف واحد ، وان الحرية هي” الولادة العسيرة” التي تؤدي اما الى شفاء ونهاية الالم اذا تعرفنا على قيمة الفرد، واهملنا استعباده والاستخفاف به وبالجماعة (افلاطون ،الجمهورية)، اما اذا تعاملنا بغياب تام للقصد من وجود المجتمعات ، بتدريب الناس على الخضوع والدونية وسلب ما بحوزتهم من الحقوق الطبيعية ( ليبنتز، هيجل، ماركس، مونتين، ميكيافيل، روسو،جون لوك) نكون ازاء عدم القدرة على الوفاء بحق الجميع بالخيرات الوطنية، حق كل شعوب الارض بالوصول الى ما بحوزتها وما يتجلى امامها، والا فإننا بالنتيجة امام هذا” التفاوت “بين الامم التي يجد فيها البعض تفسيرا ضيقا لواقع من حولهم ، فيشيدون سبيبن لطروحاتهم: نتائج الاستعمار او غياب ثروات وخيرات محلية، وكلها مبررات لا تخدم ، لان كل “نظريات التنمية” تناولت نجاح تجارب بعضها محلي كتجربة اليابان والصين حتى بدون موارد، وان الامر لا يتعلق في المجمل بوجود ثروات او عاهة بمجتمع او ماشابه، لكن الامر مرده الى وجود ” بنيات” مقاومة للنزاهة، للشفافية وللعدالة،وغياب اختبارات حول جودة المؤشرات ، وغياب الحرية، لذلك لدينا شعوب غنية واخرى فقيرة، فالحرية هي توكيد جلي لتفسير كل (طارئ Contingent ) ، فكيف نفهم مثلا: انتشار الفساد بالمجتمعات المتخلفة وتعدد مظاهر الرشوة ، وارتفاع المديونية المصاحبة للأمية، وغياب ضمانات للعيش الكريم والشفافية والحكامة، .
في هذا الوضع تبقى هذه الشعوب معنية فقط بالتقارير الدولية، تقارير الكبار اتجاه الصغار، كمن يعيش حالة امتحان ” عدم استقرار ” نتائجه كل موسم دراسي يخيب امله مع علمه باسباب رسوبه، فلا يتمكن كل عام ولا كل قرن ولا كل دورة حياة بالخروج من سلسلة الاخفاقات، ولا من حالات ترتيب متدني على جميع المستويات، ولا ينفع خلالها من الفاعلين اية مزايدة، او تلاعب بالراي العام، او استعمال ادوات دعاية مضادة او شرب مسكن.(ميكيافيلي)، وحدها هذه الشعوب حين سماع خبر فرز النتائج، في هذه الحالة ووفق التقارير المختلفة هي من يمسح بسببها حالات سوء الترتيب، ويطلب منها ان تغرق عميقا مع عبد الحليم حافظ في قارئة فنجانه .
اخيرا، يعيش المغرب اليوم على واقعة (مول السردين ب5 دراهم )،تركت الراي العام وقد ادرك متاخرا انه بامكانه الوصول الى خيرات 3500 كلم من الشواطيء باثمنه معقولة، وان شابا يتمتع بذكاء “رياضي “كبير استطاع ان يفك خيوط معادلة تتسم بالتماسك (كثرة الوسطاء والعمليات)، وان هذا المغرب لا يستطيع المواطنون فيه اكل سمك بلدهم ، وان 1 مليون ونصف طن يتم تصديره ولا يقدر اهل هذا البلد ضمان قدرتهم على الاستهلاك ، امام الغلاء ، ومهما قلناه حول الشاب، وحول فلسفته المالية الاقتصادية( الرهيبة) ،ومهما ادعى غيرنا بكونه يريد فقط ان يصنع لنفسه محتوى ،فانه كسب تعاطفا جماعيا، ووضع الاصبع على جرح في الحياة الاجتماعية والاقتصادية المغربية حول مفهوم الحق والثروات، وترك العقول يتسرب اليها الوعي وهو مهم اتجاه : اين نحن جميعا من الامن الغذائي اليسير والسهل للجميع( للفقير، المتسول، المريض، العاطل، الشيخ ،الارملة، البدون ماوى، الصغير، اليتيم، …) ؟ وبالتالي ” صاحب الحوت”يطرح قضايا الثروة ،العدالة ،الحكامة والحقوق والحرية امام الكل من خلال منهج “حسابي” خاص ومتقن ، ما قد يشكل ازمة متجددة لا تزال لم تحسم معاركها مهما تقدمنا الى الامام (دستور 2011)، سيراها المثقفون والنخبة الوطنية استمرارا للريع يجري مجرى الدم في الحالة المغربية، واشارة لعدم تكافؤ للفرص، وازمة في استيعاب معنى التنمية، وفهما ضبابيا لواقعنا على ضوء ما يطلب منا عشوائيا بكل مكان من دربة الصبر والحكمة والرجاء والارجاء وماشابه من فتاوى الورع والمسكنة الغير التجريبية العقلانية، في واقع يوجد فيه من يستفيدون من خيرات هذا المغرب بلطف ونعيم (الوسطاء )، مقابل اغتراب( ماركس) للوصول الى استهلاك السردين باثمنة معقولة،واستعمال ما جادت به ارض الله الواسعة التي تضيق بالقلوب والخواطر و الرغبات وبالحب كذلك ، وتفسر على غرارها كل الظواهر حتى الاكثر توكيدا، لغياب الوضوح.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.