OCP

وجهة نظر.. بشار الأسد و حتمية سقوط الأنظمة التي تهدم مجتمعاتها..

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية: خالد سلامة

في مسار التاريخ، لم يُسجل أن نظامًا سياسيًا تمكن من النجاة بعد اختياره السير على طريق الانتحار الاستراتيجي. تنهار الأنظمة عندما تظن أن بإمكانها البقاء دون أسسها المجتمعية، عندما تضرب بيد من حديد على الجذور التي تُغذي وجودها. إن أي نظام يُقدم على تدمير نسيجه الاجتماعي أو سحق إرادة شعبه يُشبه من يحاول بناء منزل بدءًا من الطابق الرابع، متجاهلًا الأساس الذي يُبقي البناء قائمًا.

الأنظمة لا تسقط بفعل أعداء خارجيين فقط، لكنها تتهاوى أساسًا بسبب اختيارات داخلية قاتلة. في اللحظة التي يُقرر فيها النظام قطع شرايينه الحيوية التي تتمثل في الشعب والمجتمع والتاريخ، يبدأ العد التنازلي لانهياره. أي محاولة لإخراج الشعوب من مسارها التاريخي أو تهميشها من اللعبة السياسية والاقتصادية هي خطوة مباشرة نحو الهاوية.

انهار بن علي عندما حول تونس إلى ثكنة أمنية عملاقة، وحوّل سياسات القمع إلى أسلوب دائم. فقد شعبه الثقة في نظام لم يترك لهم أي مساحة للحياة السياسية أو الحرية الاجتماعية، حتى انفجر الغضب المكبوت في الشوارع وأسقطه في لحظة حاسمة.

القذافي لم يختلف كثيرًا. منذ أن كتب “الكتاب الأخضر” في السبعينيات، قرر أن يقود ليبيا في طريق عبثي، منفصل عن واقع الشعب وتطلعاته. صدام حسين أيضًا اختار قطع رأس الدولة العراقية في جلسة شهيرة عام 1979، عندما قاد نظامًا قائمًا على الإقصاء المطلق، مما أدى إلى تفكك البنية الوطنية وتحويل العراق إلى ساحة للفوضى.

وفي سوريا، أرسى حافظ الأسد وابنه بشار قواعد حكمهم عبر سياسة سحق الأنفاس، بدءًا من إحراق مدينة حماة في الثمانينيات وحتى العصابات البعثية التي أُطلقت لترويع المجتمع، مما حول سوريا إلى ساحة لأكبر كارثة إنسانية معاصرة.

القاسم المشترك بين هذه الأنظمة هو العمى الإدراكي المريع الذي تعاني منه الديكتاتوريات. الديكتاتور ليس قائدًا، بل هو شخص فاقد للرؤية الاستراتيجية التي تضمن بقاءه وبقاء شعبه. إنه شخصية مهووسة بالسلطة إلى درجة يعميه فيها جبروته عن رؤية عواقب أفعاله.

إن تحميل الأنظمة مسؤولية المحارق التي شهدتها دولها، وما يمكن أن تشهده في المستقبل، ليس مجرد خطاب سياسي، بل هو حقيقة تاريخية. الأنظمة الديكتاتورية تصنع أزماتها بيدها، وتخلق الشروط الموضوعية لتدخلات خارجية وكوارث داخلية.

في ظل هذا الواقع، ليس أمام الأنظمة سوى خيار واحد: تحالف استراتيجي مع شعوبها. يجب أن تتوقف عن التعامل مع المواطنين كخصوم أو أدوات لتحقيق أهدافها السلطوية. عليها أن تدرك أن بقاءها مرتبط ببقاء المجتمع، وأن التنمية الحقيقية لن تتحقق إلا من خلال سياسات تحتضن الإنسان بدلًا من سحقه.

إن العلاقة بين النظام وشعبه يجب أن تتحول إلى شراكة قائمة على الثقة والعدالة والتعاون. على الأنظمة أن تفهم أن العالم اليوم لا يحتمل استمرار القطيعة بين السلطة والمجتمع، وأن استمرارها رهين بتحقيق العدالة والكرامة والحرية لشعوبها.

نحن أمام لحظة فارقة في تاريخ الأنظمة البشرية. إما أن تختار الأنظمة البقاء مع شعوبها عبر حلول مستدامة ومتناغمة، أو أنها ستسقط، ومعها كل شيء. إن الطريق واضح، والتاريخ مليء بالدروس. الخيار الأخير هو التعاون العميق مع الشعوب، لأن البديل الوحيد في غياب ذلك هو الفوضى والانهيار.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.