الفيلم الياباني” نهاية سعيدة” بمهرجان الفيلم وسؤال ماذا عن علوم السينما عندنا ؟
فور تنمية. بقلم يوسف صبري باحث بسلك الدكتوراه في علم اجتماع السياسة، مهتم بالسينما والمسرح .
دعونا نتذكر كلما نسينا ان مدينة مراكش ستظل تمتص بالفعل ظروف الاحواز والمدن الصغيرة المتاخمة لها، و التي تتباين معها بحكم ما يصعب تفسيره على صدر هذه الورقة ، كذلك ظروف الذين منعتهم موانع شتى من كل بقاع العالم ليتنفسوا (التقاليد ) كما يجب، ربما لان اوطانهم تحولت فيها المعيشة الى ما يشبه تعبير الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو بسيادة عصر (البيو او التكنولوجيا )، بمعنى ان كل العوالم تغذو اساسا جوهريا اما …لتكنولوجيا الجسد او لميلاد البيو ـ السياسية والطبية، الصناعية والمعرفية، وبالتالي لم تعد هناك روافد لثقافة واضحة المعالم ليلقوا عليها السلم او يعانقوا ما تبقى منها، فتكون في الحسبان وجهة عروس الاطلس الملاذ الذي يشدنا كما يشدهم جميعا .
وبالفعل ينوب القدر هناك بعاصمة النخيل عن الجميع كي يشعر اخيرا ابن هذا البلد والزائر على السواء ،ان لديهم في ذروة” الامل المفقود “في تلك الحواضر ، التي تكافح من اجل فرصة ( الميلاد الاول)، ذلك ان الحظ يقف بجانب الجغرافيا احيانا كما بجانب البشر اكثر من النظريات، فتصير مراكش عاصمة للثقافة بكل المقاييس الكونية، وتصير جميع مدن الحوز على موعد مع فرصة لادراك اشكال الحراك، ومقارنة الذات بالاخر وهي فرصة ثمينة للكل.
في البداية، وقبل السينما التي يتمدد صدى ايامها من هنا الى كل مكان من العالم، انت امام محطة القطار بتوصيات مهمة تذكر المارين والعابرين : بان التحولات المناخية والجفاف وندرة الماء تجعلنا مؤتمنين و”نقباء فعليين” للحفاظ على هذه الثروات مادمنا ملزمين بذلك, لانها” اما حياة او موت”؟! وفي زحمة الصور المعروضة التي تشبه النرد المتناثر على مساحة اللعبة ، انت امام الثقافة التي يرسمها الجسد الضاحك بساحة جامع الفناء الذي التقطته عدسة الكامير في” ايام ملتقى التصوير”, الباقي منه تعاليم ضاحكة وساخرة على جنبات باحة استقبال المغادرين والقادمين من والى مراكش الحمراء ، وهنا باتت المدينة بذلك افقا للحجة على الكل ، من اجل اعطاء المناخ واجبه ، املا ان يستدخل الناس جميعهم الوصية، بسند التقاليد القادمة من وجوه للحلقة المشهورين، واماكن تصدر بلاغها العام بكون المزايا الحضارية للمغرب المترامي الاطراف ستدفعك للبحث بين الصور في جولة ثانية” إشهارية ترويجية ” عن الاماكن التي تحمل دفء الجنوب الشرقي بواحاته وجماله، لتكون مراكش سيدة الاوركسترا موزعة الهبات ، تغدق هنا وهناك على ما سواها… فيما يرسم قدرها واقدار من والاها من الجغرافيا الوطنية، يد تصنع الثروة والتنمية بالرهان على ” الدبلوماسية الثقافية” ، اذا وعينا ما معنى الدبلوماسية الثقافية التي تعد احدى الفروع النظرية اليوم باسلاك البحث الجامعي العالي،فهي رهان المستقبل الناعم لتجاوز الضجيج الاقليمي الغير المستقر الا على الضجيج في كل قارة.
بسينما كوليزي وسط حي كليز، وباثمنة لا تتعدى ال 15 عشر درهما على غير الايام خارج المهرجان بما يعني ،ان الذين سهروا على جعل هذه الحاضرة مجالا للتبادل والثقافة، يريدون بالفعل ان يكون موضوع السينما في متناول الجميع ويحاكي المفهوم الواسع للتنمية، بكونه في الاخير ما هو الا “توسيع اختيارات الناس”، و بالفعل كانت القاعة ممتلئة بالمغاربة والاجانب تجعلك تتمنى ان يلتزم مدبرو الفعل العمومي بهذا البلد، بتوزيع عادل للاستراتيجيات في كل المجالات، كما يحدث مع فرجة سبعة ايام بمبالغ زهيدة وعشرات الافلام الجيدة. ذلك ان غير هذه الايام يكون الطابق الارضي 30 درهما فيما الطابق الاول 40 درهما للفرد من اجل كرسي امام الشاشة. توحي الفلسفة التي تفكر مليا الى غاية نجاح الدورة 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش اننا بالفعل” اذا اردنا اقتدرنا “. وان ما يجعل نجاح تظاهرة ثقافية كهذا المهرجان يمكنه ان ينسحب على الميادين الاخرى، فقط ، بنفس توسيع الاختيارات، وجعل من يقدس فنا او واديا يستطيع امتلاك الولوج اليه لانه يستطيع بسياسات بلده المتماهية مع مفهوم “دولة الرفاه “، فدخول السينما بذلك العدد يبعث اجوبة عن اكثر الاسئلة رغبة فينا لنجيب عنها وفيما معناه : ان الطبقات الاجتماعية متى استطاعت الوصول الى “الخيرات الوطنية” اكانت ثقافية وصناعية وطبية وتربوية ستفعل؛ فقط علينا ان نفكر معها من الداخل بدون حواجز، بدون اغلاق، وبدون احتكار وبدون انتقائية. فالمغاربة لطفاء ، والمغربي بطبعه يريد ان يحيا حياة كريمة، وان لا يعوزه ما يقدر على تفاديه بسياسة حكيمة محلية فجهوية ثم وطنية . ارتايت ان التجربة الواحدة والعشرون لمهرجان الفيلم بمراكش المتميزة بالفعل يمكن على غرارها استثمار قطاعات اخرى ليعم الرخاء ،رخاء الوصول العادل الى استهلاك تلك الخيرات” بالنسبة للجميع بقدر متساوي.
فيلم Happyend, النهاية السعيدة للياباني Neo Sora, يوجد ضمن قائمة الافلام داخل المسابقة الخاصة بالمهرجان، الفيلم اول تجربة للمخرج الشاب “نيو سورا” ، في قائمة الفيلم الطويل بعد تجربة” الدجاج” , عام 2020 ، والذي رشح ضمن مجموعة مهرجانات، ويليه فيلم ” زجاجة سكر” عام 2022،الذي فاز بجائزة مهرجان “اندي مامفيس”, المخرج الياباني يعيش بين مدن كبرى وسعت تجربته السينمائية، فطوكيو ونيويورك لا يمكن باي حال من الاحوال الا ان تكون عبورا على ضفتي هذا العالم الغارقتين بالفهم الزئبقي للحوادث التي تطل من مناخين ينتميان الى الحرية والليبرالية والاقتصاد الجديد ،وبالفعل لا توحي مثل هذه الانتاجات حول ثنائية مسالة” السلطة والاقتصاد” المتزامنتين هناك منذ “ميلاد البيو- بوليتيك ” بالمانيا عام 1939 الا مزيدا من تسليط الضوء على الفهم المتعدد” للحيرة البشرية” في ما بعد” العقد الاجتماعي” ونظرية “الحق الطبيعي” …منها الى ميولات الفرد المعبر عنها اليوم بمزيد من التوسع بعيدا عن التقييد والتشديد باعلان ” العلم ” ديدنا وليس ” دوكسا” حلا للتهاوي والازمات الوطنية .
قبل عرض الشريط تحضر لجنة الفيلم لاعطاء جمهور “كوليزي” فكرة عامة عن الشابين بطلا الفيلم… تحدثا باليابانية ووفرت لجنة المهرجان مترجما من اجل فهم الخطوط العريضة لمسار “نيو سورا” ولمستقبلهما كذلك في هذا المجال، بعدها تحل بنا عتمة القاعة ،وتبرز الشاشة الكبيرة تحمل معها طوكيو، والفكرة السينمائية، الابطال، وتشابك الاحداث، 113دقيقة هو زمن الفيلم، وهو انتاج لذات العام 2024 ،يتنافس مع عدة انتاجات اخرى على احدى الجوائز.
كنت اراقب تتابع المشاهد (الكلايميكس)”, ويسمح حضور صديقي يوسف الباحث بسلك الدكتوراه نحو مزيد من فرص النقاش الخاطف والمتعدد، ومن تم العودة الى” حياة الفيلم “، نتقمس اجزاءا واسعة من مشاعر ،هواجس، اماني ، ابطاله الاربعة، تارة يساورنا خوف على تشظي اللمة بالنسبة لهؤلاء الشباب المراهقون، حتى لا نفقدهم – فاي انتكاسة هذه تمسح بالمتفرج لتصديق الفن اللعين – وهذه الحالة من ” الشفقة” والتماهي مع الرموز التي لم يجد لها النقاد حلا حينما تتشابك الذات لانجذاب مع العرض …(عرض مسرحي، فيلم، قصة، صورة، نوتة موسيقية)، لماذا نخاف على “غيريتنا “ونسرف في ذلك، مع انها عوالم مصطنعة بالفعل؟ لماذا لا يصدق العقل غير هذا العبث الخارج عن الذات الفاعل فيها؟
الفيلم بصرف النظر عن ملاحظاتنا بكون المخرج غلب في ايجاد مخرج عن” مازق النهاية”, التي هي نفس استحالة نهاية الاعمال الادبية بشكل يستحسنه المؤلف ودار الطبع والنقاد تقريبا ( القصة و الرواية)، هذه الاعمال التي تتحول الى سيناريو غالبا، وباجماع المهتمين، يكون فعليا على المخرج ان يجد بعد العقدة حلا لازمة صنعها بيده، وحرك فيها عوالم مرئية, غير فيها امزجة, وقواعد لعب, و اقدار ونتائج، ترافق المشاهدين لايام وربما لبقية العمر ! وهنا نسطر على دور الفن في الحياة باعتباره ميلادا جديدا و ديناميا للامم والشعوب يمكنه ان يفعل اكثر مما نتوقعه.
الفيلم “نخبوي “بامتياز، لا ينتمي لافلام الحركة الساذجة، ولا ينزوي كالعادة الى تحريك المشاهد بالنقر على وتر (اللبيدو والغرائز) ،بل يفتح عيون المشاهدين وهم اسر، وشتى من النسيج المحلي المغربي و الاجنبي على كتابات ” ميشيل فوكو” وشرحا لفكرة (جيريمي بانتام) عن” البانوبتيكون ” او رواية جورج اورويل 1948 و”فكرة الاخ الاكبر ينظر اليك”، ومن تم تعقب اجهزة الرصد التي دقق فيها كثيرا مخرج الفيلم . بالفعل شبح” فوكو ” يقف بين كل المشاهد، فلم يخلو الفيلم من معالجة نقدية لموضوع السلطلة، وكأننا بالتوالي نعبر بين :تاريخ الجنون ،الجنسانية ، كلمات واشياء، وحفريات في المعرفة ليتجلى مفهوم “البانوبتيكون ” حيث يصبح المجتمع امام اسلوبين للمراقبة :
-“مراقبة للاجساد “.
-” مراقبة للفضاء العام” ، بدون ايجاد تفسير يحمي الحياة الخاصة من هذه المراقبة، سوى ادعاء وحيد يتعلق بواقع “الامن” .
من اجل ذلك ستدور الاحداث في مدرسة مختلطة بالعاصمة طوكيو مع ظاهرة الزلزال واشعاره الدائم ليزيد الوضع تازما ، اراد المخرج صراحة ان يرمي بين اعيننا رزمة من الموضوعات الكبرى التي لا منتهى لها : موضوع مدى كونية حقوق الانسان واحترامها وشموليتها، ازمة النوع والجندر، التمييز الناجم عن الهجرة من بلدان اقل تقدما نحو” الترانزيت” او اوطان استقبال لديها الف وسيلة لمراقبة الاجانب، ازمة التعليم ، صراع الاجيال بين مدير يريد انهاء وجع مسؤولياته بعقلية من حديد، في مقابل شباب يحلم عكس تقديراته… يحيلنا على واقع” الاسرة الدولية” برمتها في فهم وتدبير سياسات تصل الى حد ايجاد تفسيرات للواقع الجديد في علاقته بالتغييرات التي تضعنا فيها التكنولوجيا جميعا امام ورطة : ماهو تعريف الاخلاق وماذا دون ذلك ؟ ومتى تنتهي سلطة” الاب” لتاتي سلطة الفرد المعاند لكل شيء ينتمي الى “يابان القيود والتقليد”، من دون فهم استحالة تعقب، ماذا يريد انسان تماهى مع التكنولوجيا واوهمته بلا حدود لها في وظائف حياته، فصدقها، ويريد لتوه الافلات منها مرة ثانية .
مجتمع المدرسة بمديرها هو نموذج ” لتاويل ماكرو” يضعنا امام ازماتنا فيما علينا اتباعه وقد باتت التقنية ، والمراقبة امرا واقعا، يرفضه التلاميد ،ويحتجون على الادارة ،ويطمحون الى تغييره انطلاقا من حل بارد ابتكره ” نيو سورا”, ولا ينتمي الى ما لا تسمح به اليابان الديمقراطية ، ففي لحظة استثنائية بعد زرع نظام للمراقبة , يشتغل بمفرده ويحول البشر الى مجرد ارقام تسلسلية، تمنح المدير احساسا بالتفوق وانضباط الجميع، انما مع كل ذلك يدرع بنا المخرج للإمكانات البديلة في مجال” المقاومة والحركات الاجتماعية في الفضاء العام” تنتهي بحبس المدير داخل إدارته في شكل “معتصم ” لم ينفك الا بتوافق لم يلغي بالمطلق قانون جديدا صار”البانوبتيكون” مجالا لا مفر منه.
وبين” الثورات الصغيرة “المعلنة و الشلة المشاكسة وهم اربعة اصدقاء ( تلاميذ), واحد منهم او بالاحرى احد ابطال الفيلم ينحدر من دولة جار لليابان بشبه الجزيرة الكورية ، تحبسه مجموعة من القيود عن الزعامة، التي تحيل على موضوعات الهجرة وتعسف دولة الاستقبال، في كل هذا اختار المخرج “النهاية السعيدة”، و هي تخرج الجميع والحصول على شهادة لا يعول فيها الاربعة على القطاع العام او على وظائف الدولة بل على مواهبهم, بين من سيصبح موسيقيا وفنيا في مجال “الكرافيزم” ليقول لنا ان اليابان صراحة على غرار تيار” نيو-ليبرالي” لم تعد الوظائف شانا حكوميا .
بذلك تنتهي 113 دقيقة لمحاكاة شبيهة بتضخم شعورنا باننا كذلك متشابهون جميعا، و نمتلك اكثر من مسالة مؤرقة تحتاج الى حل ، من طفل القسم الابتدائي الى مدير كبير يسير مرفقا عموميا بثقافة البعد الواحد الغير” الراجعة” و التقليدية الغير المواكبة . فالمدرسة في “الاحالة اليابانية”, كانت دائما” الفضاء الحذر للتغيير” ،واعتقد ان الاختيار لم يكن عبثا؟ بل هناك ما يريد المخرج التلميح اليه، وهو يربط بين افكار ميشيل فوكو, بكون احداث فرنسا لعام 1968 كانت مدرسية وطلابية بامتياز و لم تخلو من خطابات” للتغيير” ، وهو ما عبر عنه مرات بفبركة متكررة للاحتجاجات ، والظهور العلني لقوات عمومية او للشرطة بالتحديد في خط للتماس الدائم والحيوي مع الجوار التربوي في “علاقة التلازم ” تلك، منذ ربما بداية ظهور المدرسة كأداة للمقاومة وفضاء للحركات السياسية والاجتماعية . بالتالي ماذا اراد” نيو سورا ” تبليغه من خلال فيلمه الجيد، اعتقد انها اربعة افكار اساسية:
ـ ان الفن بامكانه طرح الازمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وان ” كوكتيل المشاكل المركبة”, في ما يتعلق بالمؤسسات تستطيع السينما كما المسرح والرواية وباقي الفنون شرحها امام الجميع ،تشريحها من اجل التدخل، هل يمكن القول ان الفن له حقيقته ؟ نعم ، وهنا اعود الى درس افتتاحي بالجامعة الدولية باكادير للمفكر المغربي “فؤاد العروي” حول” فلسفة العلوم” حينما حاول بتقديره، كل من “جاليلي وابن رشد” تناول مفهوم “الحقيقة”، مستعرضا تجربتين تنتهيان الى ان الانسان بالنتيجة هو من يصنع رؤيته عن العالم ،وان الفن كما العلم او بتعبير اخر ،تعارض الميتافيزيقا والفيزياء او العلم والوجود ، والمعرفة والعلم هي في مجملها تحيل على ان” للعلم حقيقته كما للفن حقيقة اخرى” لا تقل بالتالي عن النسبية عند ( كارل بوبر وانشتاين ) . بكل تاكيد الفن قادر على المساهمة في استعراض الخلل، و التجاوب معه بيد الفاعل السياسي، لتدبير الازمات وتبرير ذلك، في مقاربة اضطر معها مدير المؤسسة واعيا وليس مرغما بكل تاكيد ،خدمة للفضاء العام دون المساس بالحريات وهو شكل للالتفاف عن مفهوم (الاب) بواسطة الاب نفسه ، الذي قبل احتجاج التلاميذ الذين ليسوا الشكل الاولي (الافلاطوني ) لعلاقة التماهي او السياق الواحد، فاينما يوجد وطن سيوجد مواطنون فالاستجابة هي الجواب لتفكيك ازمة صراع الاجيال وتسلل التكنولوجيا الى الحياة ،وفرض امرها الواقع ومزاحمة الحقوق الطبيعية وتقويضها ،حينما رفض هؤلاء المتمدرسين فكرة ان يراقبوا، وهنا نحن امام ازمة الانسان الذي تحجج بابتكار الالة فلما تحكمت به ثار في وجهها.
ـ يخبرنا المخرج ان السينما اليوم باليابان صارت اقرب الى السماء منها الى الارض مقابل باقي اجزاء مهمة من البلدان، واننا امام منتوج تهيمن عليه الدراسة العلمية،كاستغلال الادوات المسرحية، وباقي التقنيات : الاضاءة، التصوير، التوقع، الاتجاهات، القدرات الفردية، الممارسات، وبالتالي تشعر وانت المتفرج بكون حدود الخيال عندك ضيقة جدا ،وان ابداعا ما لا يمكن المراهنة عليه اذا لم يتسلح اصحابه ، بنص جيد ،وادوار معدة بشكل فيه” ديمقراطية للاستحقاق”، طبعا، ينتهي المطاف عند بناء جيد للنص، وضوء وظلام و زوايا،واختبارات “سيكو- دينامية” وما الى ذلك، يسقط عنك فكرة انك لست بالذكاء الكافي لفهم اللحظات تباعا كما يحدث بالسينما التجارية الهندية على سبيل المثال، بل تنتظر اوامر المخرج بسحر داخلي قبل توقعنا “النحن” جمهوره “البراني” ، بما يثير لدينا سؤالا هاما كمغاربة : ما نوع السينما التي نقدم نحن اليوم؟ اي نصوص ؟ واي تكنولوجيا للسينما نملك؟ وقد يكون بيننا، مخرجا ومنتجا وبطلا في نفس الان ( السوبر ستار الكامل )، والنتيجة شبه فيلم يموت قبل العرض ومع العرض ،ومائة موت بعد كل ذلك ، “نيو سورا” يعلمنا ان الفن “مقاربة تشاركية ” بالاساس وسوق الثقافة شفاف ولا يقبل الا بالمعنيين و المبدعين .
ـ اراد الممثلون الشباب اليابانيين قبل البدء ولحظة الفرجة وبالختام، ان يخبروا الجميع ربما بكون السينما صناعة وليس “ترفا اقتصاديا واجتماعيا”، وقبل فترة كنت ابحث عن الكيفية التي يفوز الممثلون فيها بالاوسكار، فوجدت ان هناك بامريكا توجد,”الاكاديمية الامريكية لعلوم السينما “،لا تعترف الا بما ينتمي فعليا الى محددات كان ماركس وهو يدافع عن متنه قد قبل بالقول صراحة: ان المجتمعات تنتج دوريا وبشكل خطي انماط انتاج تقلب فيها كل لحظة الطاولة على” التقاليد” فلا يبقى من الامس لليوم ذكرى في حضور الغد كذلك ،بمعنى العالم لا يتوقف عن ابتكار انماط بسرعة هائلة .
الدرس الاخير، اذا كانت السينما اليابانية وصلتنا الى هنا ، فعلينا ان لا نشعر بالضعف اتجاه حجم الهوة التي يرسم كوكب اليابان خلالها “تيكنولوجيا للسينما” تحتفظ لنفسها بنفس القوة على المستويات الاخرى…بل يمكننا ان نتطور، ان نشيد المزيد من دور السينما ،ان نشرك الكتاب و المنتجين و المبدعين كي نصل غدا الى سقف اليابان بالسينما، و نتحدث بالعربية على ركح مسارح اليابان من خلال انتاجات طازجة اكتملت فيها صورة” العمل التشاركي” لعلوم السينما وهو ممكن .
قبل ان اختم كنت اقرا لاحد اعظم المحطات الفلسفية لفهم الوجود بين ( لايبنتز و سبينوزا ) ..وقد يطول بنا الحديث اذا اردنا فهم نتف قليلة منهما، انما كان جوابهما عن الغاية من فهم العلل الاولى هو: مواجهة مخاوف الانسان الموجودة على ظهر هذا العالم المبهم، واعتقد ان الفن ومنه السينما والمسرح والاشكال التعبيرية الاخرى وجدت لنفس الغرض… تجاوز مخاوفنا نحن ولو انها اولية بالفعل، تتصل بالاكل والشرب الجيد والحد الممكن لتحقيق الرفاهية فقط ، شعورك وانت تغادر السينما، بانه حتى في الفن اما ان تكون او لا تكون، و عليك بواحد من اختيارين …
+ اما اصلاح شامل لكل الفلسفات ( اقتصاد. سياسة. …الخ).
+ تقبل مصيبتك كل دورة وعام من مهرجان الفيلم و بالتالي غيابك على مستوى ما تنتجه تلفزتك وسينيماك ومسرحك، لكن بدل هذا التيار السلبي ساعتها، يقنت ان مراكش التي حملت الينا كل هذا الجمال فلا باس ،ان هذه الطاقة القوية” بالبهجة” تحتاج الى ان تجعل من احوازها ومدنها المحيطة كعلاقة والد مع ابناءه ساعة من نهار ،حينما تكثر اعباءه وغناه، فيجعلهم خلفاءه وشركاءه كذلك، حتى لا تبقى هذه الارياف تعيش الحسرة، ويقتل فيها الامل الذي اذا لم يكن بغد مشرق يكون ملاذا للفن… الذي يهدي تلك الاحواز لتعبيد طريق عابر للعوالم ليتساوى الجميع ،وليفتح منغلق على نفسه ويتاذب مدعي كمالا لم يصبه بعد.
صبري يوسف : باحث بسلك الدكتوراه في علم اجتماع السياسة، مهتم بالسينما والمسرح .