آجي تفهم .. “التعديلات الجديدة على مدونة الأسرة: بين تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام الثوابت الشرعية”
فور تنمية
تعتبر مدونة الأسرة المغربية إحدى أبرز القوانين التي شكلت تحولًا في المنظومة التشريعية للمملكة، إذ جاءت في إطار تعزيز حقوق الأسرة وضمان المساواة بين الجنسين وفقًا للمرجعية الإسلامية والدستورية. ومع النقاش الجاري حول مراجعة المدونة وتطويرها بما يتماشى مع تطورات المجتمع، ظهرت العديد من المغالطات والتأويلات التي أثارت جدلًا واسعًا. تهدف هذه المقالة إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة حول التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، وتسليط الضوء على الحقائق استنادًا إلى الخطابات الرسمية والمبادئ القانونية، مع توضيح الغايات الحقيقية من هذه المراجعات في إطار تحقيق العدالة وحماية حقوق جميع أفراد الأسرة.
لتصحيح المغالطات المتعلقة بآخر التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة المغربية، يمكن التركيز على النقاط التالية التي تم تداولها في النقاش العمومي، مع توضيح الحقائق بشكل دقيق:
1. المساواة في الإرث
المغالطة: تم إقرار المساواة الكاملة في الإرث بين الذكور والإناث.
الحقيقة: حتى الآن، لم يتم اعتماد أي تعديل رسمي يُقر المساواة الكاملة في الإرث. النقاش حول هذه القضية مطروح منذ سنوات، خاصة بعد خطاب العرش لسنة 2022، الذي دعا إلى مراجعة مدونة الأسرة لتحقيق العدالة والمساواة، لكن دون الإخلال بمقومات الشريعة الإسلامية.
التعديلات، إذا تمت، قد تشمل حالات محددة وفق اجتهاد فقهي يراعي التطورات الاجتماعية، ولكنها لم تعتمد بعد.
2. تعديلات في سن الزواج
المغالطة: تم إلغاء زواج القاصرات بالكامل.
الحقيقة: التوجه الجديد في التعديلات المقترحة يهدف إلى تشديد الرقابة على زواج القاصرات، وربما إلغاء الاستثناءات التي كانت تمنح القضاة صلاحية السماح بزواج من هم دون 18 عامًا. لم يتم إلغاء زواج القاصرات بالكامل حتى الآن، لكن هناك توجه نحو وضع قيود صارمة لحماية القاصرين.
3. تعديلات الحضانة
المغالطة: الحضانة أصبحت تمنح دائمًا للأم دون شروط.
الحقيقة: الحضانة تظل حقًا للطفل بالدرجة الأولى، ويتم ترتيبها وفق معايير مصلحة الطفل. التعديلات المقترحة قد تنص على تعزيز حقوق الأمهات في الحضانة، لكنها لا تلغي الترتيب المعمول به (الأم، ثم الأب، ثم الأقارب). الهدف هو جعل مصلحة الطفل محور القرارات المتعلقة بالحضانة.
4. تعديلات على الطلاق
المغالطة: تم تسهيل إجراءات الطلاق بشكل مفرط.
الحقيقة: التعديلات المقترحة تسعى لتبسيط الإجراءات، لكنها تهدف أيضًا إلى تقليص حالات الطلاق التعسفي وضمان حقوق الطرفين، خصوصًا النساء.
هناك مقترحات لتعزيز دور الوساطة الأسرية قبل الطلاق، وضمان النفقة، وتحسين الحماية القانونية للأطفال.
5. تعديلات على التعدد
المغالطة: التعدد أصبح ممنوعًا نهائيًا.
الحقيقة: لم يتم إلغاء التعدد، لكنه يظل مشروطًا بموافقة الزوجة الأولى ومراقبة صارمة من القضاء. التعديلات المقترحة قد تشدد أكثر الشروط لجعل التعدد شبه مستحيل في حالات غير مبررة، مع حماية أكبر للحقوق الزوجية.
6. حقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج
المغالطة: تم الاعتراف الكامل بالأطفال المولودين خارج إطار الزواج.
الحقيقة: النقاش حول هذه النقطة يدور حول تعزيز حماية الأطفال بغض النظر عن وضعية الوالدين، بما يشمل تسجيلهم في الحالة المدنية وضمان حقوقهم الأساسية. التعديلات المقترحة لا تعني الاعتراف بعلاقات خارج إطار الزواج كشرعية، لكنها تركز على حماية حقوق الطفل.
7. مراجعة دور النيابة العامة في الشؤون الأسرية
المغالطة: النيابة العامة أصبحت طرفًا ضد الأسر.
الحقيقة: النيابة العامة تضطلع بدور الوسيط وضامن تطبيق القانون، خصوصًا في قضايا حماية القاصرين والنساء. التعديلات المقترحة قد تعزز هذا الدور لضمان توازن أكبر بين الأطراف وضمان العدالة.
سبب الخلاف حول التعديلات:
1. التوازن بين الشريعة والقانون:
الخلاف الأساسي ينبع من التحدي المتمثل في تحقيق العدالة والمساواة دون المساس بالثوابت الشرعية.
البعض يرى أن التعديلات قد تتعارض مع الأحكام الإسلامية، خصوصًا في قضايا مثل الإرث وحماية الأطفال خارج الزواج.
2. تأثير التعديلات على البنية الأسرية:
البعض يعبر عن مخاوف من أن تسهيل الطلاق أو تضييق شروط التعدد قد يؤدي إلى تفكيك الأسرة التقليدية وزيادة النزاعات الأسرية.
3. النقاش الحقوقي:
المنظمات الحقوقية تدعو إلى مراجعات جذرية للمدونة، تشمل المساواة الكاملة بين الجنسين، بينما يرفض البعض هذا التوجه باعتباره يتعارض مع القيم الثقافية والدينية للمجتمع المغربي.
4. زواج القاصرات:
هناك انقسام بين من يدعو إلى إلغاء زواج القاصرات تمامًا، ومن يرى أن الاستثناءات ضرورية لتفادي مشاكل اجتماعية مثل الحمل خارج إطار الزواج.
5. حقوق الأطفال خارج الزواج:
النقاش حول هذه النقطة حساس للغاية، حيث يرى البعض أن الاعتراف بحقوق هؤلاء الأطفال ضروري لضمان العدالة، بينما يراه آخرون خطوة نحو تطبيع العلاقات غير الشرعية.
خلاصة
التعديلات على مدونة الأسرة المغربية لم تُقر بعد في صيغتها النهائية، وما يجري هو نقاش مجتمعي واسع حول تحسينها بما يتلاءم مع تطورات المجتمع المغربي، مع احترام المرجعية الإسلامية والدستور. الخطابات الرسمية تدعو إلى تحقيق التوازن بين العدل، المساواة، وحماية الأسرة، مع الحرص على احترام الخصوصية الثقافية والدينية للمملكة.