منير الحجوجي يترجم حوار آلان باديو: “معنى أن تكون يمينيا اليوم” ..
فور تنمية: ترجمة منير الحجوجي
يقدم آلان باديو A. Badiou، هذا الممثل الشرس لليسار الجذري/الماوي، تصوره لمعنى انتخاب نيكولا ساركوزي رئيسا لفرنسا. يعتقد باديو أن قدوم ساركوزي يعلن عن بداية نفق طويل بالنسبة لقوى اليسار الجذري، ويطلق، من جهة أخرى، يد القوى الرجعية على السياسة والحياة الفرنسيتين.
وعلى الرغم من المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الحوار الا أنه لازال يحتفظ بطراوة سياسية حقيقية. لنتابع..
سؤال: زلزال، زعزعة تامة للمعالم السياسية، بهذه الأوصاف تقدمون انتخاب نيكولا ساركوزي. ما الذي يمنح ساركوزي هذه الخاصية؟..
آلان باديو: يعبر هذا الحدث عن نهاية مرحلة، هي مرحلة الوحدة الضمنية بين الدوغوليين والشيوعيين الذين كانوا يشكلون النواة الصلبة للسياسة الفرنسية منذ التحرير: تدخل الدولة في الاقتصاد، تدابير اجتماعية، مسافة نقدية تجاه الأمريكيين. من هنا مرحلة الخلط الذي نعيشه، حيث نشاهد التحاق اليسار بشخص رجعي بامتياز. وهذا دليل على أن المتعالي السياسي لفرنسا تم تكسيره.
سؤال: تذهبون إلى حد وضع مماثلة بين النزعة الساركوزية والنزعة البيتانية (من المارشال الفرنسي بيتان، الذي تحالف مع هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. المترجم). ما الذي يسمح، في نظركم، بهذه المقارنة التاريخية التي أقل ما يقال عنها أنها مقارنة جريئة؟..
جواب: ليس هناك تشابه بالمعنى الضيق، ولكن هناك روح مشتركة بين النزعتين. النزعة البيتانية هي شكل خاص من الرجعية الفرنسية موجودة، في العمق، منذ 1815. ها هي خاصيتها الأولى: تقديم سياسة استسلامية على أنها ولادة جديدة للوطن. “القطيعة”، ما هي؟ إنها تفكيك المكتسبات الاجتماعية، وإعفاء الأغنياء من بعض الضرائب، وخوصصة الجامعة بشكل تصاعدي رهيب، ومد يد المساعدة للانتهازيين. إن هذه الطريقة في إخفاء الخضوع للرأسمالية المعولمة في ثياب ثورة وطنية هي من صميم النزعة البيتانية. الخاصية الثانية للبيتانية: قمع إداري قوي لجماعات تصنف باعتبارها خارجة عن المجتمع “السوي”. وعلى كل حال لايجب أن ننسى أن الفوز في الانتخابات تم على أساس جذب ناخبي الجبهة الوطنية. إن فبركة متهمين أفارقة ومسلمين وشبان الضواحي باعتبارهم صورا مشبوهة يجب قمعها ومراقبتها تشكل ممارسة أساسية لدى السلطة الجديدة، ممارسة بعيدة أن تكون مجرد ديكور خارجي لها.
سؤال: تشيرون كذلك إلى العودة إلى روح القرن 19، “القرن الذي قدم الرأسماليين كأشخاص بلا أية عقدة، تحركهم فكرة أن الفقراء كسالى والأفارقة أشخاص متخلفون.”..
جواب: يتعلق الأمر بظاهرة عالمية وليس فقط فرنسية. السبب بطبيعة الحال هو الانهيار المؤقت للفرضية الشيوعية. عندما كانت هذه الأخيرة على قيد الحياة، كان السادة مضطرين لأن يفاوضوا بشدة سلطتهم لأن طريقا أخرى في تدبير العالم كانت حاضرة ومحمولة بشيء حماسي وقوي هو إيمان الشعب والمثقفين الصلب في الفكر الشيوعي. أما الآن فإن البورجوازية توجد في راحة تامة: ف”الفكرة” شوهت، والدول الشيوعية ذاتها أصبحت رأسمالية. بالتالي باستطاعة الرأسمالية الآن أن تقدم نفسها من جديد باعتبارها حلا غير قابل للتجاوز، وباستطاعة المال أن يعود للساحة بوصفه قيمة. ساركوزي هو رجل كل هذه الأشياء، رجل “المرحلة”. في العمق، إنه أول شخصية ما بعد ستالينية بفرنسا (ضحك).
سؤال: لانحس بأنكم متفائلون جدا فيما يخص حظوظ إعادة بناء اليسار في مواجهة تلك الآلة القاطعة الحادة التي هي النزعة الساركوزية… ما العمل، حتى نستعمل هنا كلمة واحد ممن سبقوكم (يقصد السائل لينين. المترجم)؟..
جواب: يمكن أن نتنبأ بأن اليسار الاجتماعي/الديمقراطي الفرنسي سيضطر للتأقلم مع معطيات الليبرالية المعولمة، إلى أن يصير “ستروسكانيا” (من ستروس كان، وزير مالية “اشتراكي” سابق ومدير البنك العالمي نهاية العقد الأول من القرن الحالي. المترجم..).. لقد حدث هذا في البلدان الأوروبية الأخرى، وليس هناك من سبب يجعل فرنسا تفلت لهذا المصير. اليسار المتطرف يوجد أيضا في مواجهة مع هذا الورش الواسع. الغموض والتقوقع على المجموعات الصغرى جدا سيدومان طويلا. وهذا أمر طبيعي، بما أننا في بداية القرن الواحد والعشرين. إن قوى التحرر توجد الآن في بداية طريق طويلة.
سؤال: خاصية إيديولوجية أخرى للساركوزية: التحالف مع نسق أمريكي هو نفسه في تحلل. كيف تفسرون ذلك؟..
جواب: أعتقد أنه كان من المهم جدا لساركوزي أن يظهر بأن النزعة الدوغولية ماتت. من هنا تصنيفه السريع كفتى مدلل لبوش. أصدقائي الأمريكيون مصدومون جدا. ففرنسا تظل أسطورة بالنسبة لهم. أقول لهم بأن ما لايفهمونه هو أن فرنسا هي رجعية في عمقها. لقد قادت الجبهة الشعبية نحو بيتان، وقاد ماي 68 نحو مجلس نواب خاضع. إذا أخذتم فرنسا في مجموعها، فستكتشفون بأنها بشعة. ولكن حذار، إن وطنيا هو من يقول لك ذلك، شخص شديد التعلق بهذا البلد.
سؤال: ما تقصدون بذلك؟..
جواب: هناك أمران يجعلاني أتعلق بقوة بفرنسا. أولا، الإرث الكبير للعقلانية الفرنسية منذ ديكارط حتى لاكان مرورا بالأنوار، ثم تلك المجموعة الصغيرة من الأشخاص ممن تقدم المقاومة صورة مقدسة عنهم. في آخر المطاف، لقد أنقذت (بضم الألف) فرنسا دوما بفضل الأعمال الخارقة لعدد قليل من الأشخاص، ويجب الاستمرار في الرهان على هذا العدد القليل.