لائحة اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال: بين الجمود السياسي والتحضير للوراثة العائلية
فور تنمية
بعد مرور أكثر من خمسة أشهر من الجمود السياسي داخل حزب الاستقلال، تم أخيرًا الكشف عن لائحة اللجنة التنفيذية الجديدة. غير أن هذه اللائحة لم تحمل معها ما كان ينتظره المتابعون والمراقبون. فبدلًا من تجديد الدماء وإحداث قفزة نوعية في مسار الحزب، جاءت التشكيلة الجديدة لتكشف عن توجه محافظ، بل إنها عززت الانطباع بأن الصراع الداخلي داخل الحزب انتهى لصالح نزار بركة، الذي استغل التفويض القانوني الممنوح له في المؤتمر الأخير لإعادة تشكيل الحزب وفق مصالحه وتحقيق سيطرته الكاملة.
اللائحة الجديدة لم ترقَ إلى مستوى الطموحات التي كانت معلقة على حزب بحجم الاستقلال، إذ أن أبرز ما كشفته هو العودة القوية لعائلة الفاسي واستبعاد العديد من التيارات المنافسة والوجوه الشابة التي كانت تُعتبر مستقبل الحزب.
1. تمهيد الطريق لعبد المجيد الفاسي:
أبرز ما تكشفه هذه اللائحة هو التحضير العلني لتوريث قيادة الحزب لعبد المجيد الفاسي، ابن الوزير الأول الأسبق عباس الفاسي. بركة يبدو أنه يسعى جاهدًا لتثبيت هذا الخيار، وربما قد يكون هذا التحضير لإعادة إنتاج زعامة جديدة من نفس العائلة التي لطالما كانت مهيمنة على المشهد السياسي داخل الحزب لعقود.
2. عودة عائلة الفاسي إلى الواجهة:
عائلة الفاسي التي شهدت تراجعًا في عهد الأمين العام السابق حميد شباط، عادت بقوة في هذه التشكيلة الجديدة. فبالإضافة إلى نزار بركة، نجد عبد المجيد الفاسي وعبد الواحد الفاسي. هذا التأثير القوي للعائلة يُعيد إلى الأذهان النقاش القديم حول هيمنة النخب العائلية على الحزب وتكريسها لنوع من الإقطاعية السياسية.
3. استئصال تيار عبد القادر الكيحل:
أظهرت اللائحة الجديدة انتصارًا ساحقًا لنزار بركة في معركته ضد تيار عبد القادر الكيحل. حيث لم ينجح أي من أعضائه في كسب مقعد داخل اللجنة التنفيذية، رغم التمثيلية المعتبرة للتيار داخل المجلس الوطني، مما يعكس استئصالًا كاملًا لهذا التيار المنافس.
4. غياب تمثيلية الريف والجالية:
شهدت اللائحة الجديدة غيابًا واضحًا للريف بعد استبعاد أسماء معروفة مثل نور الدين مضيان وسعود ورفيعة المنصوري، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول توجهات الحزب تجاه هذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تم استبعاد تمثيلية الجالية المغربية بالخارج، حيث لم يتمكن أي ممثل للجالية من كسب مقعد في اللجنة التنفيذية، وهو ما يشكل خرقًا للتقاليد المتبعة في الولايات السابقة.
5. تقليم أظافر نقابة الاتحاد العام للشغالين:
في خطوة مثيرة للجدل، أقدم بركة على إضعاف النقابة التابعة للحزب، حيث تم الإطاحة بعدة أسماء وازنة في مقدمتهم خديجة الزومي، ما يعني أن الحزب بات يتحكم بشكل كامل في النقابة ويقلل من استقلاليتها، مما قد ينعكس سلبًا على علاقتها بالقاعدة العمالية.
6. إضعاف تيار حمدي ولد الرشيد:
على الرغم من الثقل السياسي الذي يمثله حمدي ولد الرشيد، إلا أن التيار الذي يقوده لم يتمكن سوى من كسب خمسة مقاعد فقط من أصل ثلاثين في اللجنة التنفيذية، مما يشير إلى تراجع نفوذه داخل الحزب.
7. استبعاد الوجوه الشابة وتصفية الحسابات:
ومن أبرز الملاحظات التي أثارت استياء الكثيرين، استبعاد أسماء وازنة من الشبيبة مثل عمر عباسي ومصطفى التاج، بالإضافة إلى تصفية الحسابات مع شخصيات ثقيلة داخل الحزب، مثل القادر نائب رئيس مجلس المستشارين وعبد الواحد الأنصاري، رئيس جهة فاس مكناس.
8. إدراج أسماء شابة بلا تاريخ حزبي:
ضمت اللائحة أسماء شابة ليس لها أي تاريخ أو انتماء فعلي لحزب الاستقلال، بل إنها لا تحفظ حتى نشيد الحزب. هذا التوجه يعكس سياسة جديدة تهدف إلى إدخال عناصر جديدة قابلة للتوجيه والسيطرة بدلًا من الاعتماد على الكفاءات ذات التاريخ الحزبي الطويل.
الخلاصة:
اللائحة الجديدة للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال تبدو بعيدة كل البعد عن التطلعات التي كانت مأمولة. فهي، بوضوح، تمهد الطريق لعبد المجيد الفاسي لقيادة الحزب في المستقبل، وتكرس سيطرة نزار بركة على مفاصل الحزب. كما أنها تعزز العودة القوية لعائلة الفاسي إلى الواجهة، على حساب استبعاد تيارات وأسماء وازنة كانت جزءًا لا يتجزأ من الحزب. في النهاية، يبدو أن حزب الاستقلال اختار السير في طريق لا يعكس التجديد بقدر ما يعكس الصراع على السلطة وتثبيت الوراثة العائلية.