سوزان جورج: ” من هي العصابات التي تأكل العالم؟” ..
فور تنمية: تجمو منير الحجوجي
سوزان جورج S. Georges، هي مديرة “المرصد الدولي للعولمة” ببروكسيل وواحدة من أهم من يكتبون/يناضلون في أفق فضح الرأسمالية المتوحشة. هي لا تكتب فقط. كثيرا ما تحضر لقاءات الكبار لتسمع صوت الشعوب، أول ضحايا السياسات/المؤامرات المترامية. من نجاحاتها أنها عطلت – الى جانب أخرين وأخريات ومنهن الجميلة مود بارلو- اتفاقات في دافوس وغير دافوس كانت ستعصف بكثير من سكان الأرض.
سؤال: في مؤلفك مغتصبو السلطة Les usurpateurs…..، تصفين نفسك ب “الباحثة المناضلة”. ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟.
سوزان جورج: ان للباحثين في العلوم الاجتماعية بالضرورة موقف من العالم بالنظر إلى طبيعة حقل دراستهم. ثم إني كنت دوما من أولئك الذين يدرسون السلطة. في كتابي الأول كيف يموت النصف الآخر للعالم؟ Comment meurt l’autre moitié du monde.. المنشور سنة 1976، قدمت هذه النصيحة: لا تدرسوا الفقراء، فهم يعرفون ما ليس على ما يرام عندهم. ولكن إذا كنتم تريدون مساعدتهم، اشتغلوا على أولئك الذين يحافظون عليهم في تلك الوضعية. وهذا ما أحاول فعله.
سؤال: تكتبين: “نحن أقلية. وهذا خبر جيد!”. ما معنى ذلك؟.
جواب: الأقليات هي التي تكون لها دوما الأفكار الجيدة. وغالبا ما يتطلب الأمر وقتا طويلا جدا حتى يعي آخرون بالفكرة، وينخرطون فيها، أو على الأقل لا يعارضونها.
سؤال: هذا اذن مدعى للأمل؟.
سوزان: أنا أومن بما يسميه العلماء الأنساق التي تنظم/تعيد التوازن لنفسها بنفسها: حين يصل نسق فيزيائي أو كيميائي إلى نقطة يبدأ معها بنيانه في التحول، دون أن نعرف أية حصا ستحرض على هذا التحول. وهذا الأمر نجده أيضا في العلوم الاجتماعية، في التاريخ. المثال الأكثر قربا منا هو عندما أشعل البوعزيزي النار في جسده في تونس سنة 2010، معلنا عن تفجر ثورة لازالت مستمرة. يبدو لي أننا نقترب من هذه اللحظة المأزومة.
سؤال: كتابك يحمل هذا العنوان الفرعي: “كيف تستحوذ الشركات العابرة للقارات على السلطة”.. كلمة “عابرة للقارات” ليست مشاعة بفرنسا؟ ماذا تقصدين بها؟.
جواب: أتحدث عن “شركات عابرة للقارات” – وهو ما تستعمله أيضا الأمم المتحدة – لا عن “شركات متعدية الجنسيات” لأن مسيريها ينتمون في غالبيتهم الساحقة إلى البلاد حيث يوجد مقرها الاجتماعي. بهذا المعنى يمكن أن نقول بأن “طوطال” فرنسية، و”نستلي” سويسرية، و”سيمنس” ألمانية، الخ.. وإذا كان أصحاب هذه الشركات قادرين على التسريحات المكثفة في المعامل المتواجدة في “أوطانهم”، أو في مناطق أخرى، فلهم تواجد اجتماعي، سياسي، ثقافي، في بلدهم الأصل، لهم القن السري للإبحار في الكون وخدمة مصالح شركاتهم.
سؤال: تقولين بأن هذه الشركات العابرة للقارات تقتسم فيما بينها لغة ومطامح، ولكن أيضا أيديولوجيا..
سوزان: لقد قامت اللبرالية الجديدة والعولمة حقا بتكريس هذه الأشياء.. هاكم هذا المثال: “التقرير حول التنافسية والنمو في أوروبا” الذي حرره جون لوي بيفا (مسير “سان كوبان” وعضو عدة مجالس إدارية)، وكيهارد كروم (“سيمنس”، “تيزتكروب”)، بطلب من هولاند ومركل، سنة 2013، قلت هذا التقرير أصبح إنجيلا حقيقياً. وإذا كان الاقتصاديون يمكنهم أن يعطوا عدة دلالات للتنافسية، فإن بيفا وكروم لا يتحدثان عن التنافسية إلا باعتبارها تقليصا ل”تكلفة الإنتاج”. ومنذ تلك اللحظة وهي ليس لها إلا هذا المعنى.. في الوقت الذي لا يتساءل إلا قلة من الناس حول كلفة الرأسمال.
سؤال: تبينين أن الشركات العابرة للقارات تشكل اليوم القوة الجماعية الأولى في العالم، بعيدا أمام الحكومات، التي تظهرين أنها غالبا ما توجد تحت قبضتها.
جواب: لقد كشفت دراسة قام بها ثلاثة باحثين من زيوريخ (سطيفانيا فيطالي، جيمس كلاطفلدر، سطيفانو باطسطون) كيف أن 147 “وحدة خارقة” تهيمن على اقتصاد العالم. والشركات العابرة للقارات تتنظم لهذا الغرض. تهدف اللوبيات إلى الحصول على التشريع الملائم للمقاولة التي تمثلها. وهذا وجد دوما – ولوبي الصحة، الذي هو الأكثر قوة، تصرف سنة 2013 في ميزانية ب 129 مليون دولار (104 مليون أورو). ولكن منذ عشرين سنة بدأت تقام وتتطور تحالفات تبعا لنوع الصناعة، ونوع التخصص، تحالفات تروم الحصول على تغييرات من حجم آخر. انها تعمل لتتواجد حيث تحدد الاختيارات، حيث يرسم المستقبل وفق رغبات هذه التحالفات. لقد رأينا التحقق الكامل لهذه الأمور في مشروع “الاتفاق عبر الأطلنطي” حيث تركز التحالفات المعنية على التقنينات – الأدق الحماية – الخاصة بالبيئة، وبالمستهلكين، وبالصحة العمومية. وهذا سيمس حياة 800 مليون شخص.
سؤال: كيف وصلنا إلى هذا الأمر علما أن الشيء نفسه حصل في أنظمة ديموقراطية؟.
جواب: انه اللغز الكبير.. لماذا تخضع الحكومات لضغوطات الشركات العابرة للقارات، اللهم إذا كانت سجينة ايديولوجيتها الخاصة – اللبرالية الجديدة – التي هي ايديولوجيا الكل تقريبا الأن؟ بذلك تظهر الشركات العابرة للقارات كما لو أنها تمثل مصالح فرنسا!. وهذا غير صحيح بتاتا، لا في فرنسا ولا في باقي أوروبا، لأن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي التي توفر العدد الأكبر من مناصب الشغل. والحال أننا نتركها لحالها لتفعل كما يحلو لها كما يوضح التقرير الذي يضعه كل ثلاثة أشهر “البنك المركزي الأوروبي” الذي يسائل العشر أهم بنك حول ممارستها فيما يتعلق بالقروض الممنوحة للشركات الصغيرة والمتوسطة: منذ 2007 خفضت هذه الشركات من حجم قروضها وشددت على شروط المنح. هنا يجب التدخل وليس بمغازلة الشركات العابرة للقارات..
سؤال: نجحت هذه الشركات العابرة للقارات في فرض مشروعي اتفاقين – “الاتفاق عبر الأطلنطي” و”الاتفاق عبر الهادي”- سيحولان جذريا من وجه المبادلات العالمية. الى ماذا ستقود نتائج هذه الاتفاقات؟.
جواب: ببساطة نحو تهديد الديموقراطية، وتحديدا عبر وسيلتين. فمن جهة استولت الشركات المعنية على السلطة القضائية، في إطار النزاعات التي تجمع المقاولات والدول، عبر تعويض المحاكم بجلسات تحكيم خاصة تسمح لشركة ما بوضع شكاية ضد حكومة ما في شأن أي قانون أو قرار قضائي يمكنه أن يهدد أرباحها، الحالية أو المستقبلية. لقد بدأت الحكومات تفكر مرتين قبل إقرار قانون لتجويد الماء أو التقليص من الغازات الاحتباسية، الأشياء التي يمكن أن تجر الحكومات إلى أداء تعويضات بالمليارات.
من جهة أخرى، هناك قضية التقنين، وهي قضية أساسية في المبادلات التجارية، بهذا الهدف المتمثل في تيسير هذه المبادلات المفروض فيها تشجيع التنمية، باعتبار أن الأرباح التي تحققها المقاولات يجب أن توجه صوب خدمة المستهلكين. لكل واحد حرية تصديق هذه الخرافة. ما سيتم القيام به ليس واضحا بعد، وأنا أشرح في الكتاب الرهانات والسيناريوهات التي لابد من أن نضعها في الحسبان. تقوم الشركات العابرة للقارات بهجوم ضد السلط الثلاثة، التشريعية، والقضائية، والتنفيذية.
سؤال: نلاحظ أن مبادرات التحذير من أخطار هذه المشاريع على الصحة والبيئة تتكاثر. هل يحدث نفس الشيء على مستوى ملف العمل؟.
جواب: الأمر أكثر صعوبة هنا. تعتقد النقابات الأمريكية أنه يتوجب التفاوض لأن هذا سيمكنها من تحسين شروطها والحصول على قوانين أكثر. لم توقع الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقات “المكتب الدولي للعمل”، ونصف الولايات لها قوانين مضادة للحريات النقابية. وهنا أيضا فإن الشركات العابرة للقارات تروم تحقيق “التنسيق” عبر الأسفل. مثال: قدمت “فيوليا” شكاية ضد مصر، التي اتهمتها بخرق العقد الموقع بالرفع من الحد الأدنى للأجور!. لقد بدأت النقابات في إيرلاندا وإسبانيا في عمليات تحسيسية.
سؤال: بعض الأماكن حيث تتحرك السلطة تظل مجهولة للجمهور الكبير. وتطرحين مثال “المكتب الدولي للمعايير المحاسباتية”؟.
جواب: يتعلق الأمر بالمكتب الدولي للمعايير المحاسباتية، الذي تم إنشاؤه بداية سنوات 2000. في تلك الفترة، كان الاتحاد الأوروبي قد جند جماعة من المستشارين جاؤوا تقريبا كلهم من الأربع أهم مكاتب الخبرة المحاسباتية في العالم (“كبمجي”، “دوبلفيسي”، “ارنست ويونغ”، “ديلويط”..). كان المطلوب هو توحيد معايير الدول الأوروبية. منذ تلك الفترة، أصبحت هذه المكاتب تمتلك سلطة قوية جدا، بما أنها هي التي تقرر من الآن فصاعدا في المعايير المحاسباتية المطبقة في أوروبا، في البرازيل، في روسيا، في الهند، في الصين وفي بلدان أخرى في طريق النمو. ومادام لم يتم إخضاع الشركات العابرة للقارات للمعايير المحاسباتية وللتصريحات الضريبية “بلد ببلد” فستنجح في التهرب من الضريبة بشكل قانوني تماما، عبر اللعب على ترحيل أرباحها..
سؤال: تخصصين صفحات مهمة جدا من كتابك لما يحدث بالأمم المتحدة؟.
جواب: أنا أحكي كيف تبحث الشركات العابرة للقارات على نشر تأثيرها في قلب الأمم المتحدة. منذ سنوات 1980/1990 بدأ ممثلوها يدعون أنفسهم لحضور المؤتمرات الدولية التي كانت تنظمها الأمم المتحدة. تزعم هذه الشركات أنها تعوض “اللاكفاءة” المفترضة للدول. وهي تشارك في كل مجموعات العمل التي تفكر في المشاكل الحالية والمستقبلية للبشرية: ارتفاع حرارة الأرض، حماية المحيطات… ومثلما يحدث في قمم دافوس (سويسرا. المترجم)، فإن ممثلي هذه المجموعات مشكلون دوما من بعض مبعوثي الحكومات، بعض الأساتذة وكثير من ممثلي الصناعة. انه لمن المثير شيئا ما أن نرى بيل كيتس يأخذ الكلمة في الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية! لم تعد هناك أية حدود.
سؤال: ما رأيك اذن في هذا “الاختلال”؟..
جواب: لقد تم بشكل كامل اغتصاب السياسة من طرف هذه السلطة الجديدة التي هي الشركات العابرة للقارات، وهي سلطة غير شرعية لأن لا أحد انتخبها. في الوقت نفسه، تم تحويل الأسهم، وتدقيقا حجم الأسهم التي في ملكيتها، إلى قيمة لها كل الأولوية. بالنسبة للشركات المتعدية الجنسيات فإن العمال لا يخلقون أية قيمة مضافة. وحده الرأسمال يخلق ذلك. وهذا المبدأ يفسر كل نمط اشتغالها.
سؤال: كيف تصفين هذا الاستحواذ على السلطة؟ هل هو مؤامرة؟.
جواب: أنا لا أومن بالمؤامرات. أنا أومن بالمقابل بوجود مجموعة أفراد أو مقاولات يبحثون قبل كل شيء عن الدفاع عن مصالحهم. وهم يتوفرون في سبيل ذلك على إمكانات هائلة.
سؤال: كيف يمكن استعادة السلطة ممن سطوا عليها؟.
جواب: المعرفة مقدمة للفعل. لذلك بحثت عن الكشف عن كواليس هذا الاستحواذ على السلطة. بعد ذلك يأتي دور العديد من الجمعيات والمنظمات. ويمكن لنقابات القضاة أن يدلوا بدلوهم فيما يتعلق بكواليس آليات التحكيم، كما يمكن لجمعيات المستهلكين أن تعمل من أجل الوقوف في وجه هذا المعيار أو ذاك من التصنيفات مما تفرضه لوبيات الصناعة، ويمكن للمنظمات غير الحكومية أن تضاعف من العرائض. إلى اليوم، وقع على ندائنا “كفى طافطا” (الاتفاق عبر الأطلنطي للتجارة الحرة) 750000 شخص. لابد لآلاف الأوروبيين أن يلتحقوا بهذه الحركة ويقفوا في وجه هذا الاتفاق.