بورتريه.. محمد قداس الملقب بحمود : أيقونة الفن الملتزم والمدرب الرياضي الصامد
فور تنمية: خالد سلامة
محمد قداس، أو كما يعرف في الوسط الفني بـ”حمود”، هو شخصية نادرة تجمع بين الروح الفنية الملتزمة والمسار الرياضي الحافل بالعطاء. إن سيرته الذاتية ليست مجرد توثيق لتجارب مهنية، بل هي لوحة حياتية متعددة الألوان تبرز قيم الوفاء، الالتزام، والنضال المستمر في كل مرحلة من مراحل حياته.
لم يكن قداس مجرد عضو في مجموعة فنية، بل هو مؤسس وروح حية في مجموعة “لمشاعل” التي نشأت في سبعينات القرن الماضي خلال فترة مضطربة سياسيًا واجتماعيًا في المغرب. تلك الفترة شهدت احتجاجات طلابية، وتوقفات دراسية، مما دفع قداس ورفاقه لتأسيس هذه المجموعة التي كانت تهدف ليس فقط إلى تقديم الموسيقى، بل إلى إعلاء صوت المضطهدين والتعبير عن قضايا الكادحين. اختيارهم لهذا النوع من الفن الملتزم يعكس توجهًا فكريًا يتجاوز التسلية أو الشهرة، بل يذهب نحو القضايا الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
من “لمشاعل” إلى “ألوان”، حافظ قداس على روح النضال الفني. التغيير في الاسم لم يغير النهج، إذ ظلت الفرقة ملتزمة بنفس الرسالة والنمط الفني الذي يركز على هموم الطبقات الفقيرة والطبقة الكادحة. تميزت المجموعة بأسلوبها الخاص في الغناء والموسيقى، مما أكسبها شهرة على الصعيدين الوطني والدولي. رغم التهميش والمنع الذي طال الفرقة، استمر حمود ورفاقه في تقديم عروضهم وتوصيل رسالتهم الفنية، مما يدل على عزيمتهم التي لا تلين.
بالموازاة مع مساره الفني، كان لحمود عشق آخر وهو الرياضة، وخصوصًا ألعاب القوى. انطلاقته كانت كلاعب في نادي “الكمال المراكشي” لكرة القدم، حيث أثبت جدارته في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. ولكن حبه للرياضة لم يتوقف عند حدود كرة القدم، فقد وجد في ألعاب القوى، وتحديدًا تخصص السرعة، مجالاً آخر للتفوق. انضم إلى اتحاد مراكش لألعاب القوى (TACM) كعداء، وبدأ في تطوير نفسه في هذا الميدان.
عند انتقاله إلى التدريب، قرر أن ينقل كل ما تعلمه إلى الأجيال الجديدة. نادي أولمبيك ابن جرير لألعاب القوى كان المحطة الأبرز في مساره التدريبي، حيث استمر كمدرب لأكثر من ثلاثين سنة. خلال هذه الفترة، لم يكن محمد قداس مجرد مدرب، بل كان ملهمًا وموجهًا للكثير من الشباب في المنطقة. وما زاد من مكانته هو حصوله على الشارة الدولية في التحكيم بعد عدة تكوينات تحت إشراف الجامعة الدولية لألعاب القوى، مما جعله يُعترف به كخبير في ميدان التحكيم على أعلى المستويات.
وبعيدًا عن المسارين الفني والرياضي، كانت للتعليم أيضًا حصة كبيرة من مسار حمود. بعد تخرجه من المركز الجهوي للتربية البدنية بعين السبع بالدار البيضاء، تم تعيينه في الثانوية الجديدة (المعروفة حاليًا باسم ثانوية صالح السرغيني). وكما هو الحال في مجالات أخرى من حياته، التزم حمود بوظيفته التعليمية على مدار 35 عامًا حتى تقاعده.
التزامه بالتعليم ليس مجرد أداء لوظيفة، بل هو تكريس حقيقي لقيم التربية والتهذيب. من خلال عمله كأستاذ للتربية البدنية، كان حمود يسهم في تشكيل شخصيات الأجيال الجديدة، ليس فقط عبر تحفيزهم على ممارسة الرياضة، بل أيضًا عبر غرس قيم الانضباط، الالتزام، والعمل الجماعي.
إذا كان هناك قاسم مشترك يجمع بين هذه الأبعاد المختلفة في حياة حمود، فهو الوفاء. الوفاء لمجموعة “المشاعل” (ألوان حاليًا) التي كانت وستظل منبره الفني، الوفاء لنادي أولمبيك ابن جرير الذي قضى فيه عقودًا كمدرب وموجه، والوفاء للثانوية التي عمل بها طوال مسيرته التعليمية. هذه الصفة، التي تظهر في كل تفاصيل حياته، تؤكد أنه ليس مجرد فنان أو رياضي أو معلم، بل هو إنسان يعيش بقيمه ويعمل من أجلها، مكرسًا نفسه لخدمة مجتمعه من خلال الفن والرياضة والتعليم.
الاستقرار الذي يعيشه قداس في عاصمة الرحامنة ليس فقط ماديًا، بل هو استقرار معنوي يعكس حالة التوازن التي حققها بين جميع اهتماماته. فهو لم يتنقل بين فرق رياضية أو فنية متعددة، بل اختار الانتماء إلى مجموعة واحدة ونادٍ رياضي واحد، مما يعكس فلسفة حياة ترتكز على العمق والتمسك بالجذور.