OCP

بورتريه ..رؤية صوفية وثقافة عالمية: الدكتور طارق سلمان العلامي في خدمة المعرفة.

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية : خالد سلامة

 

في قلب مدينة مراكش العريقة، وبين أزقتها المفعمة بالتاريخ والثقافة، ولد طارق سلمان العلامي، وسط أسرة تنتمي إلى دوار “أولاد ناصر” بجماعة لمحرة في الرحامنة. منذ نعومة أظافره، كان محاطًا بأجواء يغمرها العلم والمعرفة، إذ عُرفت عائلته بشغفها للثقافة، مما رسم مستقبله منذ بدايته. لم تكن طفولته عادية، فقد كانت مفعمة بحب أهله ومعرفتهم، لكنه كان دائم الارتباط بجذوره في الرحامنة، حيث اعتاد زيارة أخواله في فصل الصيف، ليظل متصلًا بتلك الأرض التي ستظل حاضرة في قلبه حتى بعد أن غدا رجل فكر وعلم.

رحلة الفكر والروح:

منذ نعومة أظافره، وجد طارق سلمان العلامي نفسه محاطًا بالكتب والنقاشات الفكرية التي ساهمت في تشكيل ميوله الثقافية والأدبية. نشأ في بيئة غنية بأصوات الشعر العربي الكلاسيكي وأصداء الثقافة المغربية المتنوعة، مما جعله متعطشًا للمعرفة ومندفعًا نحو الغوص في أعماق الفكر. كانت هذه البيئة الثقافية بمثابة الشرارة الأولى التي أشعلت شغفه بالمعرفة وأطلقت رحلته الفكرية التي لم تتوقف.

في قلب هذا المحيط الفكري، نشأ طارق وسط علاقة استثنائية مع والده الذي كان يغمره بحب خاص، ويناديه “قرة عيني”، ليكون هذا الحب العميق والاحترام المتبادل ركيزة أساسية في تكوين شخصيته. كما تربى في جو صوفي عميق ، حيث امتزجت روحانية الصوفية بتأملاته الفكرية، مما ساعده على بناء رؤية متزنة للحياة جمعت بين الحكمة العملية والتأمل الروحاني. هذه العلاقة العائلية المليئة بالحب، وتلك التربية الروحانية الغنية، لعبتا دورًا محوريًا في صياغة شخصيته المتفانية والمتوازنة، التي سعت دومًا لفهم العالم وتقديم الخير للآخرين.

الاهتمام بالفكر اليساري وتنظيم الأنشطة الثقافية

مع دخوله المرحلة الثانوية، تأثر كغيره من أبناء جيله بالفكر اليساري الذي كان يعم المشهد الثقافي والسياسي في المغرب في تلك الفترة. سرعان ما برز دوره كمنظم للأنشطة الثقافية في الثانوية التي كان يدرس فيها ، وكان هذا الدور بمثابة نافذة للتعبير عن أفكاره ومواقفه. لم يكن فقط شابًا ملتزمًا فكريًا، بل كان على اتصال بنضال المناضلة سعيدة المنبهي عبر قريبة له، مما جعله يطلع عن كثب على المطبوعات التي كانت تؤطر الحركات النضالية في تلك الحقبة.

رحلة أكاديمية متعددة التخصصات

لم يكن طموح طارق سلمان العلامي محدودًا. بدأ رحلته الأكاديمية في مجال اللغة الإنجليزية، حيث حصل على إجازة في اللغويات من جامعة القاضي عياض بمراكش، وكان الأول على دفعته عام 1989. لم يكن هذا إلا البداية، فقد واصل دراسته في جامعة محمد الخامس بالرباط حيث تلقى دورة في اللغويات العامة عام 1990، مما أعطاه أساسًا قويًا في فهم بنية اللغة وتأثيرها على التواصل بين الأفراد والثقافات.

طموحه الأكاديمي دفعه للسفر إلى باريس، حيث حصل على دبلوم دراسات معمقة (DEA) في الدراسات الأمريكية من جامعة السوربون عام 1991. ولم يكتفِ بذلك، بل درس علم النفس اللغوي، مما منحه رؤية أعمق في كيفية تأثير اللغة على العقل البشري والسلوك الاجتماعي. هذه الرحلة الأكاديمية المتنوعة مكنته من تكوين فهم شامل للعلاقات المعقدة بين اللغة والهوية والتواصل.

بحث رائد في صورة العرب في أمريكا

بين عامي 1991 و1997، ركز طارق سلمان العلامي على دراساته الأمريكية، متناولًا قضية العلاقة بين الديني والسياسي وتأثيرهما على استيعاب العرب والعرقية في الولايات المتحدة. كانت دراسته في هذا المجال رائدة، حيث جمع بين البحث النظري والتطبيق العملي. لم يكن عمله مجرد دراسة أكاديمية تقليدية، بل كان استطلاعًا ميدانيًا يتعمق في فهم التحديات التي تواجه العرب في سياق الاندماج الثقافي والسياسي في المجتمع الأمريكي.

رسالة عالمية وتأثير متجدد

من خلال دمجه بين الأكاديميا والممارسة المهنية، تمكن طارق سلمان العلامي من تقديم رؤى فريدة حول كيفية تفاعل الثقافات والهويات في العالم المعاصر. لم يكن مجرد أكاديمي أو إعلامي، بل مفكر متعدد الأوجه، يتعامل مع قضايا العصر من خلال عدسات متعددة. كانت تجربته الواسعة تسعى دائمًا لتجاوز الحدود التقليدية للتخصصات الأكاديمية، ليقدم مساهمات فكرية تعبر اللغات والثقافات.

قامة فكرية في عالم الإعلام والثقافة

في زخم عالم مليء بالتحديات الإعلامية والثقافية، يبرز طارق سلمان العلامي كشخصية فريدة نسجت خيوطها على مفترق طرق بين الترجمة، الإعلام، والتعليم. يجمع العلامي بين ثلاث لغات؛ العربية، الفرنسية، والإنجليزية، ليصبح همزة وصل بين ثقافات متعددة، وليضيف بصمته الخاصة على ميادين عدة، من بينها الإعلام المرئي، الترجمة، وإدارة المشاريع السمعية البصرية.

في كل محطة من محطات حياته المهنية، تجسد شغفًا عميقًا نحو خدمة الحقيقة والكلمة. من خلال إنتاجه لفيلم وثائقي رائد بعنوان “الصوم في الحضارات”، الذي عُرض على قناة الجزيرة، يكشف العلامي عن أوجه التقاطع بين الروحي والثقافي في تقاليد الصيام عبر مختلف الحضارات. هذا العمل، الذي لا يروي فقط قصة الصوم كطقس ديني، بل يعكس جوهره الحضاري العميق، هو خير شاهد على قدرة العلامي على نسج خيوط التاريخ والمجتمع في لوحة واحدة.

طارق سلمان العلامي: رائد في التعليم والتنمية البشرية

يُعتبر طارق سلمان العلامي تجسيدًا حيًا للإلهام في مجال التعليم المدني والتنمية البشرية، حيث يُسهم بشغف في تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد أظهر التزامه بهذه القيم من خلال مشاركته المتميزة في مؤتمر دولي حول “الذكاء الاصطناعي والسينما” الذي عُقد في مهرجان السينما في فينيسيا عام 2023. جاءت هذه المشاركة بالتعاون مع المجلس الدولي للسينما والتلفزيون والاتصال السمعي البصري، الشريك الرسمي لليونسكو، مما يبرز شغفه بالتقنيات الحديثة وأثرها في تعزيز الرسائل الثقافية التي تعكس التنوع الإنساني.

وتجلى دور طارق في دوره كمسؤول عن التغطية الإعلامية الناطقة بالإنجليزية للمعرض الدولي للكتاب (SIEL)، حيث أتاح للجمهور العالمي فرصة التعرف على الثقافة الأدبية المغربية، محققًا بذلك جسرًا بين الثقافات. كما أسهم في تنظيم مؤتمر حول التعليم في وسائل الإعلام في الأردن، برعاية أكاديمية DW، مؤكدًا على أهمية الإعلام كأداة حيوية في تعزيز الوعي التعليمي والثقافي.

إضافةً إلى ذلك، يشغل طارق منصب رئيس مهرجان بنجرير للسينما، حيث يسعى من خلال هذا الدور إلى دعم وتعزيز الفن السابع في المغرب، مما يوفر منصة للمواهب السينمائية المحلية والدولية. كما يعمل على تعزيز الوعي السينمائي والثقافي في المنطقة، مُرسيًا أسسًا قوية للتبادل الثقافي والتفاعل بين مختلف الفنون.

وفي عام 2003، كانت له مساهمة بارزة في برنامج “الاتصال والتنمية البشرية” الذي نظمته ANAPEC في القنيطرة، حيث عمل بجد على تمكين الأفراد وتعزيز قدراتهم من خلال التواصل الفعّال. إن إسهامات طارق سلمان العلامي تمتد لتغطي مجالات متعددة، مما يجعله شخصية فريدة تساهم في بناء مستقبل أكثر وعيًا ونضجًا، وتأثيرًا إيجابيًا في المجتمع.

 

قصة للعبرة  .. من طالب مرفوض إلى أستاذ محاضر: رحلة طارق سلمان العلامي بين الإصرار والقدر

خلال امتحان شفوي للالتحاق بالمعهد العالي للصحافة والإعلام، في حقبة الوزير الراحل إدريس البصري، سألت  اللجنة المشرفة الطالب طارق سلمان العلامي : “إذا تخرجت، في أي جريدة تود أن تعمل؟” أجاب طارق بثقة وإصرار: “في جريدة أنوال.” تلك الإجابة، التي حملت بين طياتها انحيازًا صريحًا لجريدة معارضة، كانت كافية ليُحرم من حلمه الكبير في أن يصبح صحفيًا، وأن يلج ذلك الصرح الأكاديمي.

لكن القدر، الذي ضيق عليه طريق الطالب، عاد ليمنحه فرصة أكبر. فبعد سنوات من ذلك الرفض، عاد طارق إلى نفس المعهد، ليس كطالب يتطلع للتعلم، بل كأستاذ محاضر ينقل علمه وخبرته إلى الأجيال القادمة.

 

وخلاصة القول فشغف طارق سلمان العلامي بالمعرفة والتواصل الثقافي جعله شخصية متميزة في مجاله، ويدل على التزامه العميق بتعزيز الفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة، مما يجعله مثالًا يُحتذى به في سعيه الدائم لإثراء الساحة الإعلامية والفكرية.

 

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.