“المدرسة في خدمة السعادة، المثال الملهم لمملكة بهوتان”. حوار مع طاكور س. باودييل
فور تنمية:ترجمة منير الحجوجي
طاكور س. باودييل Powdyel هو الوزير الأسبق للتعليم في بهوتان. بين 2008 و2013 كان طاكور مهندس اصلاح كبير للتعليم في هذه المملكة البوذية الصغيرة، المعروفة عالميا بتبنيها للسعادة الداخلية الخامة مؤشرا للتنمية. في هذا الحوار، يشرح لنا طاكور كيف أن إعادة التفكير في المدرسة انطلاقا من تصور إيكولوجي/نسقي، تشكل، في تقديره، ضرورة قصوى في سياق السعي نحو تحقيق رفاه وسعادة الجميع.
سؤال: لماذا أطلقت اصلاحا كبيرا للتعليم في بهوتان عندما كنت وزيرا للتربية؟.
طاكور باودييل: لكل مجتمع “نجمته”، مثاله الذي يوجهه في رحلته، سفره بحثا عن السعادة. وهذا المثال يحدد في الغالب عبر الناتج الداخلي الخام PIB الذي هو أولا ناتج اقتصادي، مادي. في بهوتان، وبفضل ملكنا، اخترنا نجمة/مثالا أخر ليكون هو ما يرشدنا، يقودنا في هذا العالم: انه مثال السعادة الداخلية الخامةBIB . بالنسبة لنا هذا المؤشر أكثر أهمية لأنه يقدم نظرة نسقية/شمولية للتنمية ويرسم طريقا نحو التفتح أكثر احتراما للمواطنين وللكوكب. قادنا هذا التحول في المنظومة الى تبني نظام تربوي متساوق مع مفهوم السعادة الداخلية الخامة. هدفنا أن نحضر قادتنا ومواطنينا مستقبلا للتفكير والعيش في وئام مع هذا النموذج. لهذا السبب أعدنا التفكير في مدارسنا حتى تكون “مدارسا للإيكولوجيا”.
سؤال: ما هذا الذي تتوفر عليه “مدرسة الإيكولوجيا” هاته حتى يجعلها مختلفة عن مدرسة تقليدية؟.
جواب: في اللغة البهوتانية، نتحدث عن “مدرسة خضراء”، لأن هذا اللون يمثل استعارة الحياة في مجموع أشكالها… تروم مدرسة الإيكولوجيا منح التلاميذ رؤية شمولية للعالم، رؤية لا تكون متمركزة على الانجازات المدرسية ولا على النجاح في المستقبل. فعليا، يترجم هذا التصور في تدريسات لا تتمحور فقط على تنمية المهارات الذهنية. ان تلميذا يتابع دراسته في مثل هذه المدرسة سيتعلم، في الصباح مثلا، أشياء عن الرياضيات أو عن اللغة، وسيقوم في العشية بالاعتناء بالحديقة أو بالفضاءات الخضراء في مدرسته. سيتم ترتيب حصص للتواصل بين التلاميذ حتى يتمكنوا من فهم اختلافاتهم على مستوى حساسياتهم وشخصياتهم، وستتم صياغة مشاريع تضامنية طيلة السنة حتى تكون المدرسة هي كذلك في خدمة المجتمع. باختصار، الهدف هو، تدقيقا، أن نتفادى أن يقضي التلاميذ يومهم وهم جالسون أمام طاولاتهم من الصباح حتى المساء. عليهم أن يفهموا أنهم، بطبيعة الحال، كائنات لها عقل ولكن عليهم أن يفهموا أيضا أنهم كائنات لها جسد، وأن العقل والجسد يعملان معا، في قلب محيط شاسع وغني – مجتمعهم، مدينتهم، العالم. إننا نحاول حقا تحرير طاقات كل تلميذ، الذي سيصبح غدا، نتمنى ذلك، مواطنا متفتحا ونشطا في قلب المجتمع البهوتاني.
سؤال: هل تعتقد أن هذا النموذج التربوي يصلح أيضا خارج بهوتان؟ فكثير من البلدان، وتحديدا في أوروبا، لها تصور أكاديمي، مدرسي محض للتربية، على عكس فكرتك تماما.
جواب: أعتقد أنه يتوجب اتخاذ بعض المسافة. طبعا بهوتان يشتغل بشكل مختلف تماما عن البلدان الأخرى. نحن البلد الوحيد الذي تبنى مؤشر السعادة الداخلية الخامة. ومع ذلك إذا ما اقتصرنا على قضية التعليم والتربية فان بلدانا كثيرة جدا، في أوروبا كما في أماكن أخرى، تعرف تفسخا في أنساقها التربوية، جراء نقص في الموارد في بعض الحالات، أو نتيجة التركيز على المنجزات الدراسية، أو بسبب اختزال المدرسة الى فضاء للتسابق من أجل نيل المراتب الأولى. لقد تم الدوس على الفكرة الأساسية للتربية. عندما نقترح هذه العودة نحو تفتح الفرد، عبر تدريس قيم مشتركة وكونية، فلأني أعتقد أن نموذج مدارس الإيكولوجيا بإمكانه أن يصلح تماما خارج بهوتان. من المثير أيضا أن كتابي الأخير الذي يقدم هذا النموذج حصل على صدى جيد في بلدان عدة: في هونغ كونغ، فتنام، اسبانيا، والأن في فرنسا..
سؤال: هل لديك بعض المداخل يمكنك اقتراحها لمدرس في فرنسا قد تكون له الرغبة في أن يستلهم نموذجك في التدريس؟.
جواب: أعرف أن أغلب المدرسين ليس لهم الا هوامش تحرك ضيقة. ومع ذلك فان بعض الأشياء الصغيرة بالإمكان إدخالها الى بعض المواد. هكذا بإمكان الأستاذ أن يقترح على طلبته التفكير في مختلف أنواع الفهم. مسائلة مثلا الاختلاف بين مؤشر الذكاء الفكري ومؤشر الذكاء العاطفي، أو أيضا التداول في شأن استعجال تطوير ذكائنا “الإيكولوجي”. ان مجرد الإشارة الى وجود عدة أنواع من الفهم/الذكاء قد يحدث ثورة صغرى في ذهن التلاميذ. أما محاولة إعادة وصل القسم الى الطبيعة فبإمكانها أن تشكل أيضا خطوة جديرة بالاهتمام، دون بالضرورة الذهاب الى الغابة. التفكير في نسقنا الحي، في علاقة الطبيعة والانسان، هذه أمور بإمكانها أن تذكر الناس، وتحديدا السكان الحضريين البسطاء، بأننا لا نعيش فقط بالإسمنت والبترول. على المستوى الأخلاقي، بإمكان الأستاذ أن يدفع طلبته، مثلا، نحو إبداء الرأي في قضية الفساد حتى يبين لماذا مثل هذا السلوك هو مضر للمجتمع، وفي النهاية نحو التفكير في مقولة المسؤولية الفردية. لا يتعلق الأمر هنا الا باقتراحات. لا وجود لوصفة معجزة أو لتمارين جاهزة. أن نعيد للتربية نخوتها، هذا هو الرهان. قد يأخذ الأمر بعض الوقت. لقد انطلقنا في العمل قبل 10 سنوات في بهوتان ولم نبدأ في قطف الثمار الا مؤخرا.