OCP

بورتريه: عبد المجيد تومرت: الشاعر والسينمائي الذي حوّل الكلمة إلى مشهدٍ والمشهد إلى قصيدة

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية: خالد سلامة

 

في حياة عبد المجيد تومرت، تتلاقى العوالم الأدبية والفنية في تناغم ساحر، فيستمد من الكلمة حرارة الصورة، ومن الصورة عمق الكلمة. هو ابن ابن جرير الذي لم تفارق روحه تلك المدينة الصغيرة التي شكلت ملامح بداياته الثقافية والإنسانية، لتصاحبه في مسيرته الإبداعية على امتداد عقود طويلة.

وُلد عبد المجيد تومرت في عام 1958، في حقبة زمنية شكلت الأرضية الثقافية والاجتماعية التي ستصوغ في النهاية ملامح شخصيته المتعددة. قضى سنوات طفولته ومراهقته في أزقة ابن جرير، حيث تلقى تعليمه الأساسي، ثم رحل إلى مراكش لمتابعة دراسته الثانوية. في فاس، المدينة التي تجمع بين الأصالة والانفتاح الثقافي، اختار شعبة اللغة العربية وآدابها، لينال إجازة تفتح له أبواب العالم الأدبي بكل اتساعه.

منذ بداياته، عاش تومرت متشبعًا بثنائية متينة: الكلمة والشاشة. كان الأدب بالنسبة له نافذة على العالم الداخلي للإنسان، بينما كانت السينما فضاءً لا محدودًا للتعبير عن قضايا الواقع برؤية جمالية. عمله كأستاذ للغة العربية، والذي استمر لعقود في مدينة خريبكة، لم يكن مجرد وظيفة، بل كان امتدادًا لالتزامه بنقل المعرفة والجمال إلى الأجيال الناشئة.

الشاعر الذي يكتب بكاميرا والقاص الذي يحكي بلغة الصورة

على الرغم من أن الشعر كان دمه الأول، إلا أن عشق السينما لم يفارقه قط. وُلد اهتمامه بالسينما في أندية السينما بمدينة ابن جرير وخريبكة، حيث انخرط في الحركة السينمائية الفاعلة، ليصبح لاحقًا أحد الأسماء البارزة في تنظيم المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة. هذا الانغماس في عالم السينما أكسبه حسًا نقديًا متميزًا، يتجلى بوضوح في قدرته على ترجمة الصور إلى أفكار، والأفكار إلى صور شعرية.

حساسية إبداعية وإنسانية

ما يميز عبد المجيد تومرت عن الكثير من أبناء جيله، هو حساسيته العميقة تجاه الفن والإنسان. في قصائده، يظهر الإنسان في كافة حالاته: فرحه وحزنه، قلقه وسكينته، قوته وضعفه. تومرت يكتب كأنه يرسم، ويعبر كما لو كان يصور مشهدًا سينمائيًا. تُرجمت هذه الحساسية في مشاركاته الأدبية المتعددة، وحصوله على الجائزة الأولى لقصيدة النثر في المهرجان الوطني للشعر بفاس عام 1994.

السينما: فضاء الحرية والتعبير

رؤية عبد المجيد تومرت للسينما تتجاوز الإطار التقليدي لهذا الفن؛ فهو يراها وسيلة للتعبير الحر عن الذات، وعن القضايا التي تهم الإنسان والمجتمع. من خلال عضويته النشيطة في الأندية السينمائية، وتأسيسه لمهرجان السينما الإفريقية، كان لتومرت دور ريادي في تعزيز دور السينما كأداة لتغيير المجتمعات، أو على الأقل لجعلها أكثر وعيًا بذاتها وبمشاكلها.

الشاعر الذي لم يفارق مسقط رأسه

ورغم مغادرته ابن جرير للعمل، فإن عبد المجيد تومرت لم ينسَ يومًا مدينته الأصلية. بقيت ابن جرير حاضرة في قلبه ووجدانه، وفي علاقاته الاجتماعية القوية التي حافظ عليها مع أصدقائه وأقرانه. تلك الروابط التي لم تنقطع أبدًا تعبّر عن إخلاص ووفاء نادرين، وهي جزء من شخصية تومرت التي تجمع بين العمق الإنساني والتواصل المستمر مع الجذور.

ما بين النضال والكلمة

لم يكن عبد المجيد تومرت منفصلًا عن قضايا عصره، فبجانب نشاطه الأدبي والسينمائي، كان مناضلًا نقابيًا وحقوقيًا. شارك في الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال نشاطه في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وكان صوتًا مدافعًا عن العدالة الاجتماعية من خلال انتمائه لنقابة (CDT). في شعره، كما في نضاله، يمكن الشعور بتلك الروح الثورية التي تسعى لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع.

شاعر الروح والصورة

عبد المجيد تومرت هو أكثر من مجرد شاعر أو سينمائي، هو روح إنسانية تبحث دائمًا عن التعبير عن ذاتها وعن قضايا العالم من حولها. جمع في مسيرته بين عشقين كبيرين: الكلمة والصورة، وحوّل هذين العشقين إلى لغة جديدة، لغة تجمع بين جمالية الشعر وقوة السينما. هو مثال حيّ للفنان الذي لا يتوقف عن الإبداع، والذي يظل دائمًا ملتزمًا بجذوره وإنسانيته، مهما تغيرت الأزمنة والأماكن.

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.