بورتريه: عبد الباسط برامي: زجال الرحامنة الذي يحاكي الأرض والإنسان بالكلمة الموزونة
فور تنمية: خالد سلامة
عبد الباسط برامي، زجال من نوع خاص، يجمع في شخصيته بين بساطة الإنسان وقوة الشاعر. هو ابن منطقة الرحامنة، التي تتنفس عبره وتجد في كلماته وسيلة للتعبير عن واقعها، تاريخها، وآمالها. هذه الأرض ، التي طالما كانت رمزًا للصمود والتحدي، انعكست في زجل برامي كحقل واسع، يزرع فيه كلماته لتتحول إلى سنابل تنبض بالحياة والرمزية. عاش برامي في أرض تعطي الكثير لكنها أيضًا تطالب بالوفاء، وهو ما يُلاحظ في قصائده التي تنبض بحب الأرض والإنسان.
من خلال عمله كأستاذ للتعليم الثانوي في مادة الاجتماعيات، نجد أن عبد الباسط برامي لا ينقل فقط المعرفة الأكاديمية، بل يسهم في زرع القيم والتجارب الحياتية. التعليم لم يكن بالنسبة له مجرد مهنة، بل كان فرصة للتأمل في العلاقة بين الفرد والمجتمع، بين التاريخ والحاضر. وهو ما ينعكس في زجله؛ إذ تراه يتعامل مع قصائده وكأنها دروس حياة، تجسد فيها القيم الإنسانية والقضايا الاجتماعية والسياسية التي عايشها.
“دموع الأرض”، ديوانه الأول، يعكس تلك العلاقة الفريدة بين الإنسان والأرض. الأرض في هذا الديوان ليست مجرد مكان، بل هي كائن حي يعاني، يتألم، ويبكي. دموع الأرض ليست فقط تعبيرًا عن الألم، بل هي رمز للأمل الذي ينبثق من خلال الصبر والتمسك بالجذور. برامي يرسم في هذا العمل لوحة شعرية تتحدث عن المعاناة، ولكن أيضًا عن الحب الذي لا ينفصل عن الألم. كل قصيدة في هذا الديوان هي صرخة من صرخات الطبيعة، وكل سطر يروي حكاية الإنسان مع أرضه.
أما ديوانه الثاني “الحبة والبارود”، فهو سفر في الزمن، عودة إلى أيام المجد والشجاعة التي طبعت ذاكرة الرحامنة. الحبة، التي ترمز للعطاء والخصوبة، تتداخل مع البارود، الذي يعبر عن القوة والشجاعة. في هذا العمل، نجد برامي ينحني احترامًا للفروسية، تلك القيم التي عاشتها قبائل الرحامنة منذ الأزل. يمزج في قصائده بين الرمز والواقع، بين السرد التاريخي والشعر، في إيقاع يشد القارئ إلى عوالم تسكنها الأصالة والعراقة.
“ريح الشوم”، ديوانه الثالث، يحمل نفس القوة التعبيرية التي تميز برامي، لكنه يغوص بشكل أعمق في الصراع الإنساني مع قوى الشر والقدر. الريح هنا ليست مجرد عنصر طبيعي، بل هي رمز للمتغيرات السلبية التي تواجه الإنسان في حياته. إلا أن الزجال، كعادته، يزرع في قصائده بذور الأمل والمقاومة. كلماته تسير بين الدمار والتجدد، بين الصراع والنهضة، مؤكدًا أن الحياة تستمر رغم العواصف.
ما يميز عبد الباسط برامي عن غيره من الشعراء والزجالين هو صدقه في التعبير وبساطته في طرح القضايا. فهو لا يبحث عن التعقيد اللغوي أو الرمزية المفرطة، بل يعبر عن مشاعره وتجربته الحياتية بشكل يجعل كلماته تصل إلى القلوب دون حواجز. في قصائده، تجد الحكمة التي تجمع بين الماضي والحاضر، وتلمس فيها رغبة حقيقية في التواصل مع الإنسان البسيط.
رغم هذا الإنتاج الغزير والمشاركة الفعالة في العديد من المهرجانات الوطنية والجهوية، إلا أن برامي يظل مخلصًا لمبدأه، وهو الكتابة من أجل التعبير الصادق وليس من أجل الأضواء. شارك في العديد من الفعاليات الشعرية، وحصل على شهادات تقديرية عديدة، كان أبرزها تتويجه في المهرجان الوطني للفعاليات التربوية والشعراء، الذي نظمته أكاديمية الرباط. هنا، أثبت برامي أنه ليس فقط شاعرًا عابرًا، بل هو صوت قوي يحمل رؤية وإحساسًا عميقًا بالواقع.
إنتاجاته القادمة تحمل الكثير من التوقعات؛ فديوانه الزجلي الجديد، والمجموعة القصصية التي يعمل على إعدادها، تبشر بمزيد من الأعمال التي ستعزز من مكانته كأحد أبرز الأصوات الزجلية في المغرب. في كل سطر يكتبه، نجد عبد الباسط برامي يستمر في رسم ملامح تجربته الأدبية، التي تجمع بين الأصالة والتجديد، بين بساطة التعبير وعمق المعنى.