“العمران البلاغي عند العرب”.. إصدار جديد للدكتور ناجي بن عمر يكشف حركية البلاغة وتطورها عبر العصور
فور تنمية
صدر حديثًا عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، كتاب جديد بعنوان “العمران البلاغي عند العرب” للباحث محمد ناجي بن عمر، الذي يقدم فيه قراءة جديدة لمسار تطور البلاغة العربية عبر التاريخ. هذا الكتاب يهدف إلى إعادة إحياء النقاش حول طبيعة البلاغة، حركيتها، ودورها في مختلف الحقب التاريخية، وخاصة الفترات التي اعتُبرت فيها البلاغة في حالة فتور أو تراجع.
البلاغة العربية، التي تعد من أهم أركان الأدب العربي، شهدت تطورًا ملحوظًا منذ بداياتها، وقد تفاعل هذا التطور مع الظروف السياسية، الفكرية، والاجتماعية التي كانت تحيط بكل حقبة زمنية. ويأتي كتاب “العمران البلاغي عند العرب” ليؤكد على هذه الحقيقة، مع التركيز على فكرة أن البلاغة هي “عمران” يتشكل باستمرار، ويمر بمراحل من الإضافة والتعديل والتجديد، بحيث لا يمكن القول إنها توقفت أو تراجعت، حتى في الأزمنة التي اعتبرها بعض الباحثين أوقات جمود.
من أبرز القضايا التي يعالجها الكتاب هي مرحلة عصر المماليك، والتي طالما اعتبرها بعض الدارسين فترة اضمحلال للبلاغة، غير أن بن عمر يعيد النظر في هذا التقييم عبر استعراض عدد من المصنفات التي ظهرت في تلك الحقبة وأسهمت في تجديد البلاغة وطرح مفاهيم جديدة. يؤكد الباحث أن البلاغة لم تعرف السكون في هذه الفترة، بل كانت في حالة تطور، ولو بطيء، بفضل الجهود الفردية التي ساهمت في تطوير الأساليب البلاغية وتوسيع مفاهيمها.
الكتاب يعرض أيضًا الإشكاليات المفاهيمية التي رافقت انتقال البلاغة بين مختلف البيئات الثقافية، وكيف أن هذا الانتقال أسهم في تداخل الأفكار وتطويرها. كما يتناول بالبحث طرق التأليف البلاغي ومرجعياته، مع تسليط الضوء على تمايز المدارس البلاغية عبر العصور.
من خلال هذا الإصدار، يسعى محمد ناجي بن عمر إلى طرح أسئلة حول حركية البلاغة وسكونها، وكيف تفاعلت مع السياقات التاريخية التي مرت بها. فالبلاغة، كما يرى، لم تكن مجرد فن أدبي، بل كانت أداة للتعبير عن الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية، وهي تتطور كلما تطورت هذه الظروف.
ويعتبر الكتاب، وفقًا لنقاد ومهتمين بالشأن الأدبي، إضافة نوعية للدراسات البلاغية، إذ يعيد صياغة تاريخ البلاغة من منظور جديد يقوم على التحليل العميق لمراحل تطورها، وفهم أعمق للعوامل التي ساهمت في صعودها أو تراجعها. كما يمثل دعوة للباحثين إلى إعادة النظر في الفترات التاريخية التي اعتُبرت غير مثمرة في مجال البلاغة، ليتمكنوا من اكتشاف الأبعاد الأخرى غير المدروسة لهذا الفن العريق.
وفي الختام، يجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يأتي في وقت يتزايد فيه الاهتمام بالبحث في التراث البلاغي العربي، ومحاولة استلهام أفكاره في ظل التحديات الثقافية والفكرية المعاصرة.