الأديب مصطفى لغتيري يستطلع “التداخل بين القصة القصيرة جداً والخاطرة: حدود الإبداع ومزالق الكتابة”
فور تنمية: الاديب المغربي مصطفى لغتيري
رغم حداثة سنها، استطاعت القصة القصيرة جدا فرض نفسها على الساحة الأدبية والثقافية ، في المغرب والوطن العربي، فتناسلت النصوص والدراسات النقدية المهتمة بها، ونظمت لها مهرجانات عدة في أكثر من قطر عربي، كما خصصت لها جوائز مرموقة من قبل الجهات المهتمة بالإبداع الأدب عموما والقصصي على الخصوص، حتى أن أصواتا ارتفعت من قبل كثير من المبدعين والمتتبعين لتنصيبها جنس المستقبل بامتياز في علاقة بالتطور المهول الذي تعرفه الحياة الاجتماعية، والسعي الحثيث للاختزال في كل شيء.
ورغم كل هذا الاهتمام ما زالت كتابة القصة القصيرة جدا تخلق إشكالا عقيقيا لدى المبدعين والنقاد، إذ أن كثيرا من كتابها غالبا ما يفقدون البوصلة ، فينزلقون في كتابتها نحو الخاطرة أو قصيدة النثر أو النكتة.
متى يحدث ذلك؟ وكيف يمكن تجنب الوقوع فيه؟
توجهنا بهذه الهموم الإبداعية إلى عدد من المبدعين فتفاوتت إجاباتهم وتصوراتهم للموضوع، وهكذا رأى القاص توفيق البوشاري الفائز بجائزة مهرجان الناظور للقصة القصيرة جدا. أن القضية هامة وتعلق بأشياء وطقوس ووعي الكتابة…ثم شاركنا في طرح الأسئلة التالية: هل تنطلق الكتابة من وعي بالجنس، وإذا تحقق هذا الوعي هل يلتزم به الكاتب؟ ألا يحاول الكاتب غالبا التمرد على الحدود لصالح غوايته وإشباع نزوات حروفه؟ هل تؤثر الفكرة على اللغة والأسلوب والقصد؟ وإذا سلمنا بحضور وعي متكامل متهيئ لكتابة القصة القصيرة جدا لا غير، فهل معنى هذا وجوب تحري خط سرد معين داخل ضوابط مكتملة؟ ألا يمكن أن تتناوب النصوص على مراوحة الاكتمال؟ هذا ما يحضرني الآن وأنا أشارككم الهم المشترك.
وكنوع من الإجابة غير المباشرة على أسئلة البوشاري قالت أمينة قصيري إن هذا التقارب أو الوقوع في انزلاقات الجمع بين ما هو قصصي والخاطرة مرده إلى التقارب بين القصة القصيرة جدا والخاطرة القائم على الاختصار الشديد وقصر العبارات وأيضا وهو الأهم التركيز والتكثيف ، ثم اشتغالهما معا على الإيحاء كاستراتيجية لتعميق قدرة المتلقي على استيعاب ما يبغيه الكاتب، وتبقى مع ذلك لكل جنس أدبي خصوصياته فالقصة القصيرة هي بمثابة لوحة كلما أبدع الكاتب في تصويرها كلما كانت ذات حمولة جمالية مضاعفة .. فيما تكون الخاطرة أحيانا أشبه بالموعظة أو الوصية لكن بمكونات أدبية خالصة
لكن قبل البحث عن سبيل لتجنب الوقوع في هذه المعضلة .. لا بد من وضع خط أحمر بارز تحت السؤال التالي: هل ما يزال الوقت يسعفنا في البحث عن الجنس النقي الذي لم يختلط ويتكامل بغيره من الاجناس ؟؟
بينما قدمت القاصة والشاعرة سعدية بلكارح الفائزة بمسابقة غاليري الادب في الشعر الفصيح وصفة تراها مناسبة لتجنب السقوط في منزلق الخاطرة قائلة:
حتى لا يقع السارد في مطب الخاطرة أو النكتة أو قصيدة النثر..عليه أن يضع لثيمة النص أو (ثيماته) هيكلةً تخص القص وتُقننُه..
فالقصة القصيرة جدا تعتمد دهشة أو صدمة غير متوقعة في قفلتها تربك القارئ و تخلخل قراءته..
فيما قالت القاصة اليمنية انتصار السري الفائزة بجائزة غاليري الأدب في القصة القصيرة إن القصة القصيرة جدا تنتمي إلى مجال السرد.. وقد تكون الخاطرة قريبة من الموعظة أو هي على الأقل حالة وجدانية معينة..عكس القصة، التي لها مقوماتها من حيث الحدث المتصاعد من خلال السرد المشوق الذي يجعل القارئ يتوق إلى النهاية والتي تكون عبارة عن مفارقة والتي تكون غير متوقعة كذلك.. وتتميز بالاختزال والتكثف بغض النظر عن الفكرة التي تتناولها القصة.
وقد ركز المبدع عبد الرحيم أحيزون في جوابه على مميزات هذا الجنس وخصائصه قائلا إنه من سمات القصة القصيرة جدا التكثيف والإيجاز والإختزال وتعتمد على الجمل الفعلية لتسريع وتيرة الحكي وتكون المفارقة والقفلة المفاجئة من أبرز نقط قوتها ، كما تلتزم القصة القصيرة جدا بوظيفتها الجمالية ومقوماتها الفنية .في حين قد نترك للقلم العنان دون قيود فنية أو رسالة معينة حين كتابة الخاطرة ، أما النكتة فلا أعلم لماذا تدرج في هذه الإشكاليات ، خصوصا وأنها تعتمد الخطاب الشفهي وأسلوب إلقاءها واختيار الزمان والمكان المناسبان ، وترتبط كذلك بقدرات الشخص الفكاهية وخفة ظله .
وجوابا على نفس الأسئلة، ركز القاص المصري شريف عابدين على التذكير بأنواع المزالق التي يسقط فيها كتاب القصة القصيرة جدا و ذكر منها:
كتابة ملخص قصة قصيرة أو رواية،والاكتفاء بصورة بلاغية مجازية وعدم وجود حبكة (مشكلة/صراع/توتر)و الاكتفاء بعرض مفارقة.
فيما حددت الشاعرة والقاصة رحيمة بلقاس الفروقات ما بين القصة القصيرة جدا والخاطرة قائلة إن القصة تختلف عن الخاطرة ، فالخاطرة سرد مشاعر أو مونولوج داخلى و دون قص غالبًا، أو أن القص هامشي، وأضافت قائلة بأن
القصة تكتسى الطابع الحكائى ، وبريق الافتتاح و دهشة القفلة , و شاعرية الأسلوب وتدفق السرد مما يبعدها عن الموعظة والحكمة ، وتحملك إلى عالم التخييل والتأويل.
أما القاصة والفاعلة الجمعوية صفية أكطاي الشرقاوي فرأت أن القصة القصيرة جدا أصعب من القصة القصيرة العادية كما هذه الأخيرة أصعب في كتابتها من الرواية ،لأن القصة القصيرة جدا ،تستلزم لقطة معينة يقتنصها فنان يرى ما لا يراه الناس العاديين ، يكثفها للقارئ في أقل وقت ممكن ،وبأسلوب سليم ،ولغة دقيقة جدا لتؤدي المعنى بما قل ودل.