OCP

يوسف صبري يكتب…في مناسبتين…

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فور تنمية. صبري يوسف كاتب رأي وباحث في سوسيولوجيا التنمية

المناسبة الأولى:
كانت بتاريخ 26-11-2022، نظمتها جامعة القاضي عياض بمدرجاتها أو منبرها tribune de Marrakech والتي صارت مكانا يستقبل في مناسبات مختلفة كبار المفكرين القادمين من مشارب علمية متنوعة . هذه المرة أو في هذا التاريخ أعلاه كان المفكر المغربي عبد الله الساعف ضيف الجامعة الكبير، حضر الرجل الذي يتمتع باحترام واسع
ويكفي سماع اسمه لتبيان ذلك و يتوضح كيف يفكر الرجل ،وكيف يتحدث، ومساهماته الفكرية الكبيرة الموضوعية الشفافة في علم السياسة وتمفصولاتها التي خبرها من كل الأوجه.
كان المنبر الجامعي عن آخره ساق بساق، هناك طلبة الكليات التابعة للجامعة ،والاساتذة ، وطبعا هناك عمداء الكليات والكثير من الوجوه التي تنتمي إلى عالم المعرفة بكل تجلياته.
قدم رئيس جامعة القاضي عياض المفكر المغربي الذي اختار الحديث بالفرنسية، ورحب الجميع بذلك ورحب هو بمضيفيه ، كان عنوان مداخلته :Le Maroc face aux mutations internationale post- Bipolaires
أو ما معناه :المغرب في مواجهة التحولات الدولية لما بعد القطبية ، كانت قراءة عبد الله الساعف للوضع الدولي أولا من خلال مجموعة من الشروط والظروف التي صارت اليوم تحكم السياق العالمي . وبمنهجية علمية رصينة انتقل فيها المفكر من العام إلى الحالة المغربية الخاصة، من “الماكرو دولي” إلى” الميكرو وطني “بكل ما يستدعيه القلق الذي يصاحب المتأمل للتطورات التي يعيشها العالم منذ عقود من الزمن ، تساءل في البداية عن فكرة أو إمكانية دراسة ظواهر انتهت بالوقت الراهن إلى نتائج وراهنية présentisme لم يعد الوقت يسمح سوى بتقييم هذه المحطات لا غير؛ ضاربا على سبيل المثال بذلك :
– عودة الدولة الوطنية l’état nation , فيما استطرد إلى شرح هذا المفهوم على الشكل التالي بكونه عودة “دولة الحوكمة العالمية ” l’état de gouvernance mondiale .
– بروز حروب مشروعة وأخرى غير مشروعة ،guerre justes et guerres injustes
– بروز أشكال التجمعات الدولتية :
les regroupements des États
الاتحاد الأوروبي واتحاد دول أمريكا الشمالية نماذج على ذلك ، واتحادات إقليمية لشرق أوروبا . وهو ما أصبح يتعدى المفهوم التقليدي للدولة القطرية ذات ( الجغرافيا والحدود والرهانات الواحدة).
في النقطة الموالية من تفصيل الأستاذ عبد الله الساعف والمتعلقة بالكيانات الدولية الكبيرة، فسر الأمر على أنه إعادة توزيع لمفهوم القوة ،او بالأحرى “القوة السياسية” التي سارت تشيد بتحليله على نماذج معينة هي من ثلاث ركائز:
*القوة السياسية .
*القوة الاقتصادية.
*القوة العسكرية.
ليؤكد وهو ينسحب من هذه الثلاثية إلى قيمة مجال ” حقوق الإنسان Droits de l’homme, عبر توكيده إلى معيارية القوة الناعمة soft power . الساعف تحدث كذلك عن مجتمعات ما بعد الايديولوجية ، والتي باتت تؤمن بهذه الركائز المتعدية للمفاهيم اللصيقة تقليديا ب”الخيار الايديولوجي”.
في الجانب الآخر أكد كما بدأ أول الأمر بعودة الدولة الوطنية إلى واقع التدبير السياسي بالعالم، وهو أمر يراه واضحا Visible, فهناك إلى جوار هذه الدولة التي تجلت كونيا يظهر على السطح مفهوم جديد للطابع الإقليمي للعلاقات الدولية: deterritorialisation des relations
في الجولة الثانية من منهجية تحليل الساعف في الجانب المتعلق ب”الميكرو” الذي يعني المغرب في علاقته بمختلف الانساق ( القوة .الدول. السياسة) في عالم يراه المفكر المغربي أنه بات يعرف علاقات غير مستقرة ، أو ما اسماه بمرحلة اللانظام période de désordre المنتسبة زمنيا الى العام 1970، وانتشار مفهوم العالم قرية صغيرة
le Monde est un petit village
وظهور المجتمع المدني المتنوع الكبير الذي فرض نفسه ،ظهور مراصد tink think, بروز الحركات الإسلامية ، انتشار تأثير الجامعات عبر العالم ، بروز فاعلين كثر ، إعادة تسلح روسيا ، النمو الاقتصادي الصيني ، بروز الحركات على مختلف مشاربها Militantisme ,وبروز الدول الجديدة. هنا يرى الساعف أنه في مثل هذه المعطيات غابت الرؤية او تضاءلت القدرة على التوقع في عالم مليء بالتغيرات الكبيرة ، وغير قادر على معالجة كل مشاكله ، أو ما اطلق عليه “بوضعيات الليقين” situation d’insertitude
أو حالات الفشل l’état d’échec …حيث كل شيء يتحرك ولا شيء مضمون ،rien ni sûre tout bouge. في هذه الرحلة المفاهيمية يعود في آخر المداخلة الأستاذ الساعف إلى الحالة المغربية أو الفضاء الخاص المحلي الميكرو مغربي، ليصوغ ما يمكن أن يكون اقتراحات أو مقدمات لقراءة ممكنة ،فيقول في هذا السياق: يرجى للمغرب في ظل هذا المخاض الدولي كي يستطيع تجاوز اكراهات القادم من الأيام في محيطه وبالداخل والخارج أن يتخذ من هذه الإجراءات امكانا للمواجهة أي مواجهة التحولات وهي كالاتي :
✓قليل من خطابات الانتصار.
✓مرحلة للبناء .
✓جلبة قليلة.
✓ظهور مقنع .
هذه الخطة او خطة العمل رؤية تنسجم ونصيحة ميكيافيلي في كتاب “الأمير” وهو يسدي نصائحه للدولة بفلورنسا زمن النهضة في الربع الأول من القرن السادس عشر مع ما تمتع به ميكيافيلي من قوة التفكير أو التنظير هكذا عبر عن ذلك الأستاذ الساعف ، وتظهر من خلال أطروحة ميكيافيلي حول الأخذ بواقعية سياسية أصبحت بالقرن العشرين روحا للعصر. كونها رؤية مستنيرة éclairé لتجاوز اعطاب الدولة من خلال مقولة أن (ماهو مفيد ضروري).
المناسبة الثانية :
وهي ندوة علمية برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض اطرها مجموعة أساتذة بمناسبة اختيار المغرب ومراكش بالتحديد لعقد دورة صندوق النقد الدولي لاجتماعاته ، حيث سيتناول الأستاذ خالد الناصري موضوعا حمل عنوان:” إدماج القطاع الغير المهيكل بين الفرص والاكراهات التجربة المغربية نموذجا” . الأستاذ المحاضر شرح بالتحديد أسباب ظهور هذا القطاع الذي صار يشغل كثيرا بحسبه ، بل وأن السنوات الأخيرة أصبح القطاع مجالا للربح، المحاضر بسط العديد من الأرقام والنظريات التي تتحكم في تحليل الظاهرة على سبيل ما قاله، فهناك المقاربات:”الثنائية والبنيوية والقانونية اليبرالية”،فيما أشار الناصري إلى الإقتصاد الغير المهيكل بأنه تعبير عن خلل في العلاقة بين النمو الديمغرافي والنمو الاقتصادي ، ومعناه كذلك : “كل الأنشطة التي تشتغل خارج الضوابط المحددة للاقتصاد الرسمي والمنظم” . هذا الاقتصاد” المخفي” يتسم بالتعقيد, وينتشر في كل دول العالم الثالث ( مصر السينغال ،تونس، فيتنام) وطبعا المغرب وبلدان أخرى, وله نتائج كارثية على اقتصاديات الدول التي ينشط فيها، ويؤثر على بنية الإقتصاد الوطني، ذلك أنه يوفر بلغة الأرقام 80-90 في المائة من مناصب الشغل بافريقيا. قطاع بات يخلق الثروات، وبنعكس على جودة الحياة وعلى المجالات التي يجعلها مشوهة ،من خلال التجمعات السكانية التي ينشط فيها… يقول أستاذ الجغرافيا، وهو يبرز بالارقام والصور كل ذلك ، ويضيف أن المفهوم ظهر العام 1971، على يد كيت هارت الغاني ، ففي المغرب يقول الناصري، هناك جدلية المهيكل والغير المهيكل ويعطي نماذج لذلك بمؤسسات مشهورة تتبنى القطاع الغير المهيكل في تعاملاتها ،الا أنه يعود ويؤكد أن 86الف منصب شغل هو حصيلة السنوات 2016-2017من هذا القطاع أي بحوالي 10مليون مستفيد من عائدات هذا القطاع الذي قال أنه يفوت على الدولة خيارات في موازنة تقدر ب 40مليار درهم سنويا ، وأن هناك تعقيدات في أسباب نزول هذا القطاع على وجه التحديد… هي بنفس تعقيدات المجتمع كظاهرة عصية عن الفهم.
السؤال يكاد يكون هنا هو : ما الذي يجمع بين المناسبتين؟
الجواب : في نظري يوحد بين الصورتين، هو أن “المناسبة الأولى” هي زاوية نظر مفكر مغربي خبر السياسات العمومية برمتها ، ولما لا القدرة على التنبؤ في وضع متسم بالتعقيد واللايقين، والثاني أستاذ جامعي يدرس مادة مهمة بامكانها هي الأخرى أن تحيلنا على تجليات السياسات العمومية في واقع المجتمع المغربي الملموس العرضاني،وبين الرؤية التاملية في راهن وواقع يتسم بالغموض إلى واقع ميداني يعكس عمليا ( الصعوبات ) والتشعب نفسه فيما يهم حاضر هذا البلد ومستقبله في ظل الكثير من الاكراهات والصعوبات المرتبطة “بالسياسة والاقتصاد” بالاشكال والانماط والممارسات ،التي يجب الأخذ بها للخروج من السياسي إلى الاقتصادي المعيشي برغبة في تنمية تصل الجميع دون ان يفسد اقتصاد وطني، بما بات يشكله الإقتصاد الغير المهيكل من القوة أو من حالة “هروب جماعية” إليه، لأنه هو الحل في ظل عجز سياسات عمومية قطاعية ، والحال أن الربط بين المناسبتين يتفق وانتشار أنماط هذا الإقتصاد بكل زاوية وزقاق وكيلومتر لا يعني أكثر من أن هناك حالة تستدعي ليس مراجعة اختبار الادوات في مجال الاقتصاد أو غيره، بل تعيد التفكير في “درس ” الأستاذ عبد الله الساعف من خلال قراءته الواعية بالشروط الإقليمية والدولية والعالمية ، في الشكل كما في الجوهر كان دائما مطلوبا الانسجام بينهما كي لا يكون عرض” الاشكال” problématique معيبا أو غير مقبول ، هذه الصراحة التي يتطلبها أي واقع حال تتسم قياساته مرة مرة بتسجيل “اعطاب واشارات” فالنقد الذاتي” صحي وبنعبير ميكيافيلي.. “ماهو ضروري فهو مفيد “, ولا يقود هذا النقد الا إلى ما يتوجب القيام به في خطوة ثانية موالية عليها أن تتسم بالثبات والمعقولية, لأنها فهمت مكامن الخلل، فهل سنكون أفضل حال من فرنسا التي يناقش مدياعها الشعير Radio France, بالأمس موضوعا عنوانه البارز : كورونا فيورس كشفت أن المجتمع الفرنسي تنعدم فيه المساواة على كل الأصعدة !!
فالتغيير يبدأ من الاعتراف أولا بالوقائع كاسلوب لمعالجة الاحراج الذي يضر فيما لو تحول الأمر إلى احتصاره في مجرد التعتيم .

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.