احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
لفور تنمية .الباحث مصطفى حمزة
لم تنل قساوة السجن، ولا المدة التي قضاها وطنيو أسفي بما فيهم علال قنبوع ومحمد الشقوري ب ” الكاشو نوار” “زنزانة مظلمة” بسجن الشماعية، من عزيمتهم وأنفتهم، ذلك أنه بعد قضائهم لحوالي شهر من السجن، اقترح عليهم المدير أن يلتمسوا من نائب المراقب المدني، تخفيف ظروف الاعتقال، لكن جوابهم كان: « نحن على استعداد لمواجهة السجن مهما كانت قسوته » ().
وعموما فتواجدهم بالسجن، وظروف اعتقالهم، والمواقف البطولية التي كانوا يتخذونها، كل ذلك كان يتداول داخل الأسر وخلال اللقاءات التي تجمع أعيان المدينة، مما كان يجعل ما يقع داخل السجن أمرا مشاعا بين عموم المواطنين.
وفي هذا السياق، تدخل زيارة مولاي أحمد لقجاوج للوطنيين، كما أشار إليها الوطني محمد الشقوري عند حديثه عن اعتقاله بسجن الشماعية ()، فمن هو مولاي أحمد لقجاوج؟
أ – يوم زار مولاي أحمد لقجاوج وليدات الوطن بسجن الشماعية.
كل الروايات التي تتداول سيرة مولاي أحمد، تشير إلى انتمائه إلى فرقة المصابيح، وإلى نسبه الإدريسي، كما تشير إلى كراماته المتعددة، ومن بين هذه الكرامات أن الحجارة التي كان يرميه بها بعض الأطفال الطائشين لم تكن تصبه، كما تتحدث عن سخائه وجوده، إذ كان يقدم كل ما هو موجود معه من أموال وغيرها لكل من يصادفه في طريقه.
فقد كان مولاي أحمد وغيره من المجاذيب، الذين يتخذون من “القصبة الإسماعيلية” مقرا لهم، مثل: الشريف مولاي زيدان، والشريف مولاي سعيد الرياحي، والسيدة الخوضة …، الذين لا يدرك أهميتهم ومكانتهم، إلا ذوي الألباب ممن يعلمون أن قوة وقدرة الخالق يمنحها من يشاء من عباده، ولذلك كانت بيوت هؤلاء من عدول مثل: الحاج الطيبي، والحاج حسن، والحاج المختار …، والأعيان مثل: علال بنزوينة، والشاوش بلعيد، والحاج النعيمة، مفتوحة في وجه هذه الفئة وعلى رأسهم مولاي أحمد ().
فقد أشارت إحدى الروايات إلى أن العدل محي الدين، كان يستقبله بحفاوة ويقدم له الأطعمة الشهية في أحسن وأثمن الأطباق، وبنفس الاستقبال كان يحظى من كل أعيان المدينة ().
يعتقد الكثير من الناس أن هؤلاء المجاذيب، لم تكن لهم علاقة ولا اهتمام بما يجري حولهم من الأحداث، التي كان المغرب مسرحا لها، وهو اعتقاد خاطئ، فمولاي أحمد الذي كان متيما بالشماعية مقامه الأثير – كما أكدت ذلك شهادات مجموعة ممن عاصروه – كان على علم بخبر اعتقال وطنيي أسفي، كما سمع عن معاناتهم داخل السجن، فكان التذمر واليأس يأخذان مداهما لديه، فيحولانه إلى كائن غريب الأطوار تنبعث من جسده شرارة الرفض لكل ما هو غريب عن الوطن، ومع ذلك، فلما علم بالمواقف البطولية لهؤلاء السجناء والمتمثلة في رفضهم التذلل للمستعمر، سرعان ما تحولت درجات التذمر واليأس لديه، إلى انتشاء، تترجمه ابتسامة عريضة مبثوثة من ثغره الزاهي، تتلوها قهقهات تثير النخوة والعزة بالانتماء للوطن والرغبة في احتضانه، كما تترجمه تلك الرغبة الجامحة لديه في معانقة كل الوطنيين القابعين خلف القطبان بسجن الشماعية.
يحضر الرجل إلى باب السجن، ويحضر معه جلاله الذي يجعله مهابا من المسؤولين، يأتيه البواب وهو يمشي على استحياء، ويسأله بلطف ما حاجة الشريف؟
– يرد مولاي أحمد: أريد زيارة وليدات الوطن.
يفتح الباب، ويدخل مولاي أحمد لقجاوج المجذوب متسائلا: أين هادوك أولاد الوطن؟ وبعدما دلوه عليهم عانقهم وأعطاهم حصة من السكر والشاي الذي كان على وشك الانتهاء ()، ودعا لهم بالصمود والانتصار، ثم غادر السجن وابتسامة عريضة تعلو محياه، مرددا قولته الشهيرة ” طال الزمان أو قصار لبلاد ترجع لماليها “. ( يتبع ).