OCP

الدكتور عمر الايبوركي يكتب : الحكامة وتدبير الشأن المحلي

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لفور تنمية : الدكتور عمر الايبوركي.

تمهيد :

 بعد انتخابات ثامن شتنبر التي عبر فيها المواطنون المغاربة عن رغبتهم في التغيير محليا ووطنيا، ونظرا لأن نخبة جديدة تم اختيارها، يرى فيها المواطنون القدرة على تدبير الشأن المحلي، والمساهمة في التنمية المحلية، لابد لها من التسلح بمعرفة بعض المفاهيم التي يتم تداولها كآلية تساعد على مواجهة المهام والمسؤوليات التطوعية الجديدة. ومساهمة في توضيح هذه الآلية ارتأيت ان اعيد نشر موجز لحوار سبق لإحدى الجرائد الوطنية ان أجرته معي بعد الانتخابات سنة 2009م، وفي ذلك تذكير لعل الذكرى تنفع المنتخبين (بفتح الخاء).

أولا- تعريف مفهوم الحكامة :

يعتبر مصطلح الحكامة من أهم المصطلحات التي تم تداولها في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينات، حيث ثم استعماله لأول مرة من طرف البنك الدولي في 1989 الذي اعتبر الحكامة أنها:” أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من اجل التنمية” .

ومن بين التعاريف التي يمكن استقراؤها من خلال المجالات التي وظفت فيها:

– الحكامة إعادة صياغة العلاقة بين كل المتدخلين على أساس مفهوم التعاقد، التشارك والتوافق.

– الحكامة مقاربة ورؤيا وفلسفة جديدة للتغيير، لها مضمون اقتصادي مالي اجتماعي وسياسي باعتبارها النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام والمجتمعي.

– الحكامة نمط جديد لتدبير السلطة والتنظيم السياسي والاجتماعي وهي رؤيا جديدة للدولة والمجتمع وللعلاقات الرابطة بينهما، ولسبل قيادة التغيير، وهي بذلك أيضا مقاربة جديدة لتدبير التغيير في المرفق العمومي والخصوصي، والمجتمع المدني.

– الحكامة تعبئة للطاقات والموارد وترشيد استثمارها لتأمين شروط تدبير جيد.

وعموما، تم تعريف الحكامة من قبل كثير من الباحثين على أنها: “الطريقة التي تباشر بها السلطة في إدارة موارد الدولة الاقتصادية منها والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية”.

  لعل الشرط الأساسي للحكامة، هي الديمقراطية المبنية على الاختيار الحر والسليم للمواطن، وتربيته على المسؤولية والأمانة، ليساهم في تنمية مستدامة تتجلى في حسن تدبير الموارد الطبيعية، واستفادة الجميع من الخيرات، والعمل على المحافظة على البيئة للأجيال القادمة، فالديمقراطية أساس الحكامة الجيدة، وتأهيل المواطن أمر ضروري ليساهم بدوره كاملا كمواطن صالح، يفكر في المصلحة الجماعية، ويتجرد من أنانياته الضيقة، ويتحمل المسؤولية كغاية، وليس كوسيلة للانتفاع الشخصي.

ثانيا :مرتكزات الحكامة المحلية الرشيدة في تدبير الشأن المحلي:

     ولكي تكون الحكامة رشيدة في تدبير الشأن المحلي والارتقاء بتنمية الجماعات المحلية بالمغرب ينبغي ان تقترن بصياغة مشروع تنموي محلي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية المحلية و يعتمد على عدة مرتكزات اساسية اهمها :

       – الرؤية الاستراتيجية: يجب أن يستهدف أي مشروع للتنمية تمكين جميع الناس في المجتمع وتوسيع نطاق خياراتهم، وهنا يطرح تساؤلات هامة:

   هل المنتخب الجماعي يحمل رؤية استراتيجية عند ولوجه معترك الانتخابات الجماعية ؟

   وهل الأحزاب السياسية تقدّم للانتخابات الجماعية مرشحين يتميزون بالأمانة والكفاءة، ويكونون في مستوى تطلعات المواطنين ؟

      – دور المراة: أضف إلى ذلك أن كل تسيير، أو اتخاذ القرارات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لا تساهم فيه المرأة، يعتبر بعيدا عن الحكامة بالمعنى الحديث، لأن غياب المرأة أو تغييبها عن المجالات الحيوية للمجتمع، هو نكران للقيم الثقافية، وخلل في العلاقات الإنسانية الطبيعية، ولا يمكن الحديث عن الحكامة في وقتنا الراهن، دون علاقات المساواة بين الجنسين، وهذا معناه غياب الديمقراطية كشرط ضروري للحكامة كما ذكرنا ذلك سابقا،لأن هناك عوائق ثقافية وسياسية تحول دون ذلك.

    – المجتمع المدني:

أصبح المجتمع المدني فاعلا أساسيا في النهوض بالأعمال الاجتماعية المحلية، خاصة بعد فشل المبادرات الفوقية والقطاعية من طرف الدولة، إذ تصاغ المخططات و البرامج في المركز و تطبق على المستوى المحلي دون معرفة مسبقة بحاجيات و متطلبات الساكنة المحلية. أيضا هناك عامل أساسي، كرس بدوره أهمية المجتمع المدني في التنمية المحلية، وهو دور المنظمات الدولية التي بدأت تضع الثقة أكثر في الجمعيات لتصريف المساعدات الاجتماعية. أضف إلى ذلك احتكاك المجتمع المدني بالواقع الأمر الذي يؤهله أكثر للقيام بأدوار تنموية تتلاءم و حاجيات الساكنة المحلية.

وتتحقق المشاركة الحقيقية للمجتمع المدني من خلال فعالية المبادرات التنموية التي يطرحها واعتماد ممارسة واقعية لصياغة وتنفيذ ومتابعة المشاريع التنموية.

كما ان مشاركة المواطن في تحقيق التنمية المحلية، والتي تنبني على وعيه بحقوقه وواجباته وما يجري حوله من أحداث ووقائع، وقدرته على فهم مشكلات المجتمع. وهذا يفترض بعض المتطلبات كالتكوين والخبرة والوعي وحقه في الحصول على المعلومات من مختلف المصادر. وتتحقق مشاركة الفرد في عملية التنمية من خلال حقه في اختيار ممثليه ومساهمته الفعلية في تدبير الشأن العام المحلي. و مدى كون القرارات المتخذة ناتجة عن متطلبات وحاجيات الساكنة المحلية.

ثالثا : توصيات واقتراحات:

فيما يتعلق بالحكامة المحلية الرشيدة ينبغي اخذ بعين الاعتبار النقط التالية:

–  لا بد من التمييز بين ما هو وطني، وما هو  محلي اجتماعي واقتصادي يقتضي الخدمات الاجتماعية، وتهييئ المرافق الضرورية، وتنظيم المجال، والمحافظة على التراث المادي واللامادي للمنطقة، وتسخير الإمكانيات والموارد لخدمة الساكنة ودعم الفئات الهشة …

-مقاربة ترابية محلية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة ترابية على حدة.

– مقاربة شاملة لمختلف التحديات الملقاة على عاتق الجماعات المحلية  من أجل ممارسة قيادية للتنمية ولمجالاتها الترابية.

– يتعين على الجماعات المحلية أن تتقاسم المسؤولية مع الفاعلين المحليين الآخرين لاسيما المجتمع المدني.

– ضرورة خلق فضاءات للتشاور والتداول والتبادل بين مختلف الفاعلين بالمجال الترابي.

– تطوير القدرة على إعادة الثقة والتقويم الذاتي لدى الجماعات المحلية.

– ينبغي ضبط عدة مفاهيم أساسية في مجال تدبير الشأن المحلي من قبيل المشاركة المحلية، الديمقراطية التمثيلية، الديمقراطية التشاركــية، ميكانيــزمات مشاركة المجتمع المدني و المواطنين و مبادئ الحكامة المحلية، المشاريع المحلية، التنمية المحلية،..

– تأهيل الجماعات المحلية و هيآت المجتمع المدني لجعلها قادرة على الانخراط في عملية المشاركة في التنمية المحلية.

وأخيرا، لقد باتت التنمية حق من حقوق الإنسان ففي العام 1977 دخل ” الحق في التنمية” في جدول أعمال لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وبذلك بدأت مرحلة جديدة من مراحل تطور حقوق الإنسان.

وعليه فانه من حق ساكنة كل جهة بالمغرب ان تنعم بتنمية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية مبنية على أسس الديموقراطية المحلية والشفافية والفعالية والمشاركة الجماعية.

 لقد ذكرت فيما سبق بعض الإكراهات، و الصعوبات التي تقف حاجزا أمام تحقيق الحكامة في المجتمع المغربي، منها ما هو سياسي يرتبط بعدم النضج الديمقراطي عند المواطن، و ما يترتب عن ذلك من مؤسسات عاجزة، وبعيدة عن الحكامة الجيدة، ومنها ما هو ثقافي يتجلى في كون المجتمع المغربي، تخترقه بعض العلاقات العتيقة التي تتحكم في التدبير، فهناك مؤسسات اقتصادية وسياسية تتحكم فيها العلاقات القرابية والسياسوية على مستوى التسيير، وما تزال المسؤوليات تسند بناء على القرابة والزبونية، بدل الكفاءة وهنا الهوة السحيقة بين خطاب الحداثة والديمقراطية من جهة، وبين الممارسات العملية من جهة أخرى.                          .

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.