همسات المساء جديد الشاعرة خديجة ناصر
لفور تنمية مصطفى لغتيري
بعد ترجماتها المتعددة، التي طالت عددا من الاجناس الأدبية شعرا وقصة ورواية، خاضت المبدعة خديجة ناصر غمار الكتابة الإبداعية بحماس وطموح، يشيان بعشق الكاتبة للإبداع بشتى أنواعه، وهكذا بعد إصدارها الأول في شعر الهايكو “على جدار الصمت”، صدر لها حديثا عن منشورات غاليري الادب ديوان شعري جديد اختارت ان تعنونه ب “همسات المساء”، وقد كتب تقديم هذا الديوان الكاتب مصطفى لغتيري وجاء فيه” للشعر جاذبية خاصة، إذ لا يمكن إلا لقلة من المبدعين مقاومته، فحتى الأدباء الذين اختصوا في أجناس ادبية أخرى لا بد أن يجد الشعر طريقا إلى قلوبهم وأقلامهم بطريقة مباشرة او غير مباشرة، فقد كان “جميل القول” وما يزال يجذب إليه كل الأرواح الهائمة، تلك التي أثقلتها الأحاسيس، وتناثرت في رياض نفسها بتلات العواطف الجياشة، فتراكمت في دواخلها -نتيجة لذلك- كثير من الصور والتعابير والمفردات، وتزاحمت في دهاليز نفسها مشاعر منسجمة مع بعضها البعض حينا، ومتناقضة إلى حد التنافر أحيانا أخرى. لهذا فحين تغوص تلك الذات الشاعرة في بحيرة الشعر المشتهاة، تحاول جاهدة السباحة في مياهها العذبة الناعمة، لعلها تنعش جراء ذلك الدواخل، وتتخفف مما يثقل النفس من هواجس وهموم.
في خضم هذه البحيرة لا يهم كثيرا طريقة السباحة ولا الغاية منها، بل أكثر ما يشغل السابح/ السابحة أن تعلن عن ذاتها، ان يداعب الجسد بلورات الماء لجينية اللون، وينتعش برشات المياه المألوفة حينا والطارئة أحيانا أخرى.
حين تطالع ديوان همسات المساء للشاعرة خديجة ناصر تشعر لا محالة أن ما يهم الشاعرة هو السباحة في ذاتها، تمخر عباب مويجات لطيفة لا تكاد تعلن عن نفسها، ما يهمك أكثر هو أن تعبر عن نفسها، وتبوح بمكنوناتها، وكأنها تكتب من خلال هذه النصوص سيرة المشاعر والأحاسيس التي اخترقتها ذات خفقة قلب، أو نظرة لحظ، أو شهقة روح، لذلك كله لا يهم الشاعرة كثيرا أن تحد من تلقائيتها بكثرة القيود، التي قد تعرقل الذات عن الانطلاق. إنها متحررة من كل التعقيدات التي تجعل الشعر ميدانا ل” الصنعة”، بل هي نؤمن بأن الشعر بلسم للروح، لا يمكن أن يكون كذلك إلا من خلال التداعيات واسترجاع الذكريات، والتحسر على الماضي، بنوع من الحنين الرومانسي، الذي نلمسه من خلال عدة معطيات، تتكاتف فيما بينها لتنسج قصائد عبارة عن لوحات تعبيرية، تمتزج فيها ذات الشاعرة بذوات مغايرة، ربطت بينهما وشائج في الماضي أو الحاضر، زوج وحبيب وابن وحفيد..
كما ان الشاعرة أبت إلا أن تلامس بعضا من هموم العالم ساكبة بعض الدموع عن بعض المآسي العربية، كما فعلت بالنسبة للعراق الجريح، أو حين لامست بعض ندوب الوباء كوفيد، الذي داهم العالم فجأة وأثخنه بالجراح والكدمات التي لن يمحي أثرها الزمان.
لكل ذلك ولغيره فلتنصت أيها القارئ في هذا الديوان إلى دبيب ذات الشاعرة وهمومها وانشغالاتها، فربما يحيي ذلك في نفسك هاجس ذكرى قديمة، او يؤجج في دواخلك إحساسا متلاشيا، كنت قد طمرته منذ حين في تلابيب الذاكرة.